الاثنين، 29 أبريل 2013

تخليص الإبريز في تلخيص باريز

لغتك العربية فخر لك لأنها لغة الجنة والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم

عندما صحب رفاعة البعثة العلمية الأولى إلى باريس كان عام 1826 .. وكان إماما لطلبه البعثة , يؤمهم فى الصلاة ويعظهم ويرشدهم.. لكن فى نفس الوقت بهرته الحضارة الأوربية, فعكف على دراسة اللغة الفرنسية ثم اتجهت ميوله إلى دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة والآداب الفرنسية.. وبدأ يقارن بين ما عندنا وما عند الغرب وأخذ يبحث فى أسباب التخلف والتأخر.. ومن هنا بدأ اتصال رفاعة بأفكار فلسفه التنوير.. وأخذت الحياة تدب فى عقله.. وبدأ يتذكر وصايا أستاذه الشيخ حسن العطار فى تسجيل مشاهداته فى فرنسا ومحاولته ترجمه كل ما له صله بتقدم مصر .. ومن هنا بدأ عقل الطهطاوي يعي الأمور ويدرك القيمة الحقيقية للبعثة .. وأخذ يدرك مقدار ما يمكن أن ستفيده بلاده منه .. ولذلك ألف كتابا غاية فى الروعة وهو .. تخليص الإبريز فى تلخيص باريز..
ولم يكن من المصادفة أن يبدأ رفاعة الطهطاوي فى كتابه تخليص الابريز  بقوله (أن الأمة الفرنسية من الفرق التى تعتبر التحسين والتقبيح العقليين, وأن أبناءها يعتقدون أنه لا يمكن تخلف الأمور الطبيعية أصلا, وان الأديان إنما جاءت لتدل الإنسان على فعل الخير واجتناب ضده, وان عماره البلاد وتطرق الناس وتقدمهم فى الآداب والفنون تسد مسد الأديان, وان الممالك العامرة تصنع فيها الأمور السياسية كالسياسة الشرعية) .. والمسافة هنا قريبه بين انطلاق رفاعة من مبدأ التحسين والتقبيح عند المعتزلة وإعجابه بما قرأه فى الفرنسية فى مجال الحقوق الطبيعية عندما وصفه بأنه(عبارة عن التحسين والتقبيح يجعله الفرنج أساسا لأحكامهم السياسية التى يسموها شرعيه ) وإذا كانت شرعيه تشير إلى الدستور المدني والدولة العلمانية فى مصطلح رفاعة.. فإنها تشير إلى الإيمان العقلاني بأهمية هذه الدولة كما تشير إلى إفادته من فكر مونتيسكيو فى كتاب روح الشرائع الذي يصفه رفاعة بأنه (أشبه بميزان المذاهب الشرعية والسياسية )
ففى الفصل الثانى من الكتاب يقول ( من جمله ما يعين الفرنساويه على التقدم من العلوم والفنون سهوله لغتهم وسائر ما يكملها ,فان لغتهم لا تحتاج معالجه كثيره فى تعلمها , فأى إنسان له قابليه وملكه صحيحه يمكنه بعد تعلمها أن يطالع أى كتاب كان .. وهو هنا يضع كلتا يديه على أحدى الاسباب الخطيره الموروثه من عصور التخلف ..أنها أداه المعرفة, أداه الحوار , فالمعرفة ألعلميه ليست مونوج صوفي, بل هى حوار بين الذات والموضوع لذلك كانت اللغة من البنود الرئيسية فى جدول التنوير ..
وفى السياق نفسه يتحدث عن أهل باريس فيقول (ليسوا أسراء التقليد أصلا بل يحبون معرفه أصل الشئ والاستدلال عليه .. حتى ان عامتهم أيضا يحبون القراءة والكتابة ويدخلون مع غيرهم فى الأمور العميقة) .. وهنا يضع رفاعة الوعي عاملا جوهريا فى ربط الفرد بالمجتمع وقضاياه.. وهو المقدمة الأولى تكوين ما يسمى الرأى العام وهو بداية الديموقراطية .. ويكمل فيقول ( سائر العلوم والفنون والصنائع مدونه فى الكتب , حتى الصنائع الدنيئه فيحتاج الصنائعى بالضرورة إلى معرفه القراءة والكتابة لإتقان صنعته وكل صاحب فن يجب أن يبتدع فى فنه شيئا لم يسبق به أو يكمل ما ابتدعه غيره .. وهذا معنى التطور الذى يؤدى إلى التطور .
ثم ينتقل رفاعة فى الكتاب إلى التحدث عن السياسة فيقول (لا تطول عندهم ولاية ملك جبار أو وزير اشتهر بينهم بأنه تعدى مره وجار.. فالوزير اذا مشى فى الطريق لا تعرفه عن غيره .. فانه يقلل من أتباعه ما أمكنه).. ويقول أيضا ( ان أحكامهم القانونية ليست مستنبطه من الكتب السماوية لكن دستورهم فيه أمور لا ينكر ذوو العقل أنها من باب العدل, فلقد حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد .
ويترجم الطهطاوي الدستور الفرنسى ضمن كتابه ويعلق عليه أيضا بأن ( سائر الفرنسيين مستوون قدام الشريعة, وان سائر من يوجد فى بلاد فرنسا من رفيع ووضيع لا يختلفون فى إجراء الأحكام المذكورة فى القانون حتى إن الدعوة الشرعية تقام على الملك وينفذ عليه الحكم كغيره.. ويقول أيضا (ومن الأدلة الواضحة على وصول الشرع عندهم إلى درجه عالية وتقدمهم فى الآداب الحاضرة ما يسمونه الحرية.. وذلك لان معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي فى الأحكام والقوانين, بحيث لا يجور الحاكم على إنسان, بل القوانين هى المحكمة والمعتبرة). و(الملك إنما هو منفذ للأحكام على طبق ما فيها من قوانين فكأنه عبارة عن أله)
لا يمكننا أن ننسى أن صاحب تلك الكلمات هو الشيخ رفاعة إمام البعثة المصرية فى باريس وهو فى جوهر فكره يحمل أسس النهضة .. وهى الانتقال بالسلطة من الحق الالهى إلى العقد الاجتماعي .. والانتقال بالدولة من الثيوقراطيه إلى الديموقراطية.. فهذا هو كتاب وهذا هو فكر أحد رواد النهضة فى الحوار مع أفكار التنوير الأوربية.. تقبل بعضها ورفض البعض الأخر .. وإعادة إنتاج المقبول تأويلا لصالح واقع مجتمعي ليستطيع التأقلم معه.
رابط الكتاب

رسالة الغفران الفائدة اللغوية العامية والغريب

لغتك العربية فخر لك لأنها لغة الجنة والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم

الفائدة من كتاب رسالة الغفران
1-الخيال المبدع المحلق في الفكر العربي الإسلامي منذ القدم حتى أن دانتي سرق الكتاب والفكرة في الكوميدية الإلهية.
2- الألفاظ العامية الشائعة في عصر أبي العلاء .
3- الألفاظ الغريبة التي كانت تكاد معروفه في عصره ومحيت من استعمالتنا ولم نعرف معنها الآن وكأنها كلمة أجنبية كمن لغة أخرى .
4- ذكر كثير من أسماء الشعراء في عصره وقبله .
5- الأشعار المتنوعة والغريبة .
6- وصف الجنة بالقرآن والحديث . 
7- تخفي أبو العلاء وراء الألفاظ لعلها لا تكون مفهومة فتخفي فكره .
تعد رسالة الغفران لأبي العلاء من أعظم كتب التراث العربي النقدي وهي من أهم وأجمل مؤلفات المعري وقد كتبها رداً على رسالة ابن القارح وهي رسالة ذات طابع روائي حيث جعل المعري من ابن القارح بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، وقد بدأها المعري بمقدمة وصف فيها رسالة ابن القارح وأثرها الطيب في نفسه فهي كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة فوصف حال ابن القارح هناك مطعماً الوصف بآيات قرآنية وأبيات شعرية يصف بها نعيم الجنة وقد استقى تلك الأوصاف من القرآن الكريم مستفيداً من معجزة الإسراء والمعراج، أما الأبيات الشعرية فقد شرحها وعلق عليها لغوياً وعروضياً وبلاغياً.
ويتنقل ابن القارح في الجنة ويلتقي ويحاور عدداً من الشعراء في الجنة من مشاهير الأدب العربي منهم من غفر الله لهم بسبب أبيات قالوها كزهير وشعراء الجنة منهم زهير بن أبي سلمى والأعشى وعبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني ولبيد بن أبي ربيعة وحسان بن ثابت والنابغة الجعدي.ثم يوضح قصة دخوله للجنة مع رضوان خازن الجنة ويواصل مسامراته الأدبية مع من يلتقي بهم من شعراء وأدباء ثم يعود للجنة مجدداً ليلتقي عدداً من الشعراء يتحلقون حول مأدبة في الجنة وينعمون بخيرات الجنة من طيور وحور عين ونعيم مقيم. ثم يمر وهو في طريقه إلى النار بمدائن العفاريت فيحاور شعراء الجن مثل " أبو هدرش" ويلتقي حيوانات الجنة ويحوارها ويحاور الحطيئة. ثم يلتقي الشعراء من أهل النار ولا يتوانا في مسامرتهم وسؤالهم عن شعرهم وروايته ونقده ومنهم إمرؤ القيس وعنترة بن شداد وبشار بن برد وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد والمهلهل والمرقش الأكبر والمرقش الأصغر والشنفرى وتأبط شراً وغيرهم. ثم يعود من جديد للجنة ونعيمها.
تعد محاوارات ابن القارح مع الشعراء والأدباء واللغويين التي تخيلها المعري في العالم الآخر مصدراً مهماً من مصادر دراسة النقد الأدبي القديم حيث حوت تلك المسامرات والمحاورات مباحث نقدية مهمة وأساسية في النقد الأدبي.
ركز أبو العلاء المعري في هذا الكتاب على إبراز ما أسماه النص المحوري للرسالة وذلك لإبراز غرضها الأساسي الذي يحدده ب ((التعبير عن نظرة للدين والأدب والحياة بأسلوب أدبي ويركز أيضا على الجانب العقائدي في الرسالة من خلال ربطها بعقيدة أبو العلاء المعري وما كان يظهر عليه من نزعات إلحادية وشك وزندقة وقد جاء في فصول خمسة هي:
الرسالة كثيرة الاستطراد, ولعل الجاحظ الذي وسم أدبه بالتنقل من موضوع إلى آخر, ثم العودة إلى ما بدأ, قد دمغ باستطرادته الأدب العربي، وأعدى صاحبنا المعري, وربما استطراد المعري لسبب آخر هو اللهو، والعبث بابن القارح، أو أنه لسعة اطلاعه فاض كما فاض الجاحظ.
إلى جانب ذلك كان المعري مسرفا إسرافا متجاوزا في العمية اللغوية, والجري في مضمار الغريب كأنه يكتب لخاصته كما يزعم الدكتور طه حسين, أو أنه لم يشأ أن يطلع الناس، وعامتهم على آرائه, ومنازع فكره, لكن هذا الغريب النادر أظهر لنا أبا العلاء واسع الاطلاع إلى حد لم نألفه عند سواه على الغريب والنادر في اللغة وانه أحيى ألفاظ كانت مواتاً, مستوفيا قواعد اللغة, والشاذ فيها, متصرفا بالاشتقاق, والتوليد تعرف الخبير المستطيل، حتى صح للعلامة عبد الله العلايلي يميزه بأنه صاحب فلسفة لغوية خاصة, مما أدى به إلى اعتبار الحروف كالأرقام ذات دلالات رمزية جنحت به إلى السيمائية, أو ما يسمى بالفيثاغورية أو الهرمسية, وكل ذلك مذهب من مذاهب الباطنية التي وصم المعري, وفصل ذلك العلالي في كتيبه عنه ((المعري ذلك المجهول)) كما شهر من قبل جابر بن حيان.
وفي رسالة الغفران علم كثير, بالشعر وروايته، ونقده، ومقابلاته, وبالتاريخ, وبالأماكن، والافراد، والقرآن وتفسيره, وروايته، والحديث ومختلف شؤونه, واللغة كل ما يتصل بها, والتفات حصيف إلى الفرق, والأديان, وما خفي من حياة الأفراد العظماء، فجاءالمعري ينبش, ويكشف ,أو يصحح أو يفضح.
قذف المعري إلى الدنيا, واصطدم, فلم يهو إلى مخافي العفاء, أو ينطو صفحة ممحوة السطور, بل أخذ يـتأمل، ثم يتحدى, ليتخذ موقفا من الجسد بالتحكم فيه, ودوزنة مطالبه كما شاءت إرادته, وحدد موقفا من النفس, فلجمها, ونسق منازعها, ممهدا إلى موقف كلي من المجتمع , والإنسان والكون.
لم يكن ملتفاً في قوقعة الترصد, والمواربة كابن المقفع, ولا عابثا لاهيا على سطوح المجتمع كالجاحظ, أو سوفسطائيا كأصحاب المقامات ,أو زخرفيا كأبن العميد، ولا ظلا كأبي حيان التوحيدي, بل كان بناء في هدمه, مسؤولا عن الإنسانوالكون، متحدثا إلى هذا الإنسان بلغة الذي يرى المصير, ويعي الله، ويشمل بنظره لعبة الخلق, والوجود, والعدم، والكبرى.
هنا لابد من سؤال: أليس أبو العلاء رائد الوجودية الحقيقي, قبل مارتن هايدغر وكير كجرد, وسارتر، وكلوديل ؟
وهل تغيب مثل كلوديل, وهيدجر, أو جف مثل كيركجرد وسارتر؟
كان شاعرا أو فنان _ كان فيلسوف بلغ دائرة الصدر _ كان صوفيا بضميره...
 
رابط تحميل كتاب رسالة الغفران

إخوان الصفا ثورة العلم والدين والفلسفة

لغتك العربية فخر لك لأنها لغة الجنة والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم
العنوان : رسائل إخوان الصفا و خلان الوفا


المؤلّف : مجموعة مجهولة من العلماء

إخوان الصفا وخلان الوفا

إخوان الصفا وخلان الوفا هم مجموعة سرَّانية من الفلاسفة المسلمين العرب من القرن الرابع الهجري، و/أو الحادي عشر الميلادي، الذين حاولوا أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في تلك الأيام. ويقال إن جماعة إخوان الصفا انبثقت من الفكر الإسماعيلي، وتحديدًا في البصرة لكن الأرجح هو أن الإسماعيليين قد تبنو فكر هذه المجموعة. وقد كانت اهتمامات هذه الجماعة كانت متنوعة وامتدت من العلم والرياضيات إلى الفلك والسياسة. فقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها. أما الهدف المعلن من هذه الحركة فكان “التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس”. فما هي هذه الرسائل؟
رسائل إخوان الصف
تقسم رسائل إخوان الصفا، التي تعبر عن فلسفتهم، إلى أربعة أقسام هي:
- الرسائل التعليمية الرياضية وتتضمن 14 رسالة في العدد والهندسة وعلم النجوم والجغرافيا والموسيقى والنسبية والأخلاق… الخ.
- تليها، وتابعة لنفس التصنيف التعليمي، 17 رسالة في الصورة والحركة والسماء والعالم والكون والفساد والآثار العلوية والمعادن والطبيعة والنبات والحيوان والجسد ومختلف المعارف. ثم…

- الرسائل النفسانية والعقلية وتشتمل على 10 رسائل في مبادىء الموجودات العقلية والفلسفة والعقل والأدوار والعشق… الخ. وأخيرًا
- الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية، وتتضمن 11 رسالة في هذه الأمور وما يعتقدون.
فلسفتهم
تأثر إخوان الصفا بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية، وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف، ولكنهم لم يتأثروا على الإطلاق بفكر الكندي. واشتركوا مع فكر الفارابي والإسماعيليين في نقطة الأصل السماوي للأنفس وعودتها إلى الله. وكانت فكرتهم عن منشأ الكون أنه يبدأ من الله ثم إلى العقل، ثم إلى النفس، ثم إلى المادة الأولى، ثم الأجسام والأفلاك و العناصر والمعادن والنبات والحيوان. فكانت نفس الإنسان، من وجهة نظرهم، جزءًا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى “البعث الأصغر”، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله “البعث الأكبر”. وكان إخوان الصفا على قناعة بأن الهدف المشترك بين الأديان والفلسفات المختلفة هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان.
كانت كتابات إخوان الصفا، ولا تزال، مصدر خلاف بين علماء الاسلام، وشمل الجدل التساؤل حول الإنتماء المذهبي للجماعة، فالبعض اعتبرهم من أتباع المدرسة المعتزلية والبعض الآخر اعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية وذهب البعض الآخر إلى حد وصفهم بالإلحاد والزندقة، ولكن إخوان الصفا أنفسهم قسموا العضوية في حركتهم إلى 4 مراتب:
1. مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
2. مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
3. مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
4. المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء.
تاريخ ظهورهم
مرَّ العرب، في عصر الراشدين، بمرحلة انغلاق على الفلسفة والعلوم، إذ اهتموا بالغزوات حتى جاء العصر الأموي، وكما يبدو أنه لم يتكيف مع العالم الجديد، حيث كل ما كتب في عهدهم، وما بعد، إنما كانت كتابات بين طرفين كلٌّ منهما يمدح نفسه ويسب الآخر، حتى حلَّ العصر العباسي حيث بدأوا بترجمة الكتب اليونانية المترجمة من السريانية إلى العربية في الطب والفلسفة، فشغفت عناصر كثيرة بالفلسفة اليونانية شغفًا عظيمًا، إذ رعى أبو جعفر المنصور طبقة من المترجمين الذين ساهموا في نقل الميراث الفكري الإغريقي، واستمرت هذه الحركة في عهد هارون الرشيد، وبلغت القمة في عهد المأمون حيث أنشئت دار الحكمة في بغداد. وقد أثَّر هذا الانفتاح الفكري، وفي شطر من العهد العباسي برز مفكرون مسلمون ساعون إلى التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية، أشهرهم الكندي والفارابي وابن سينا. وقد تطورت هذه الجهود في البحث الفلسفي لتصير حالاً جماعية تمثَّلت في نشوء جماعة مستورة عُرفت باسم إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء، والتي اشتهرت بتصنيفها مجموعة من الرسائل في مختلف فروع الفلسفة والعلوم الإنسانية. وقد لاقت هذه الرسائل رواجًا كبيرًا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
الثابت أن إخوان الصفاء ظهروا، كما يذكر ابن الطقطقي في كتابه الفخري في الآداب السلطانية، حين “اضطربت أحوال الخلافة، ولم يبق لها رونق ولا وزارة. تملَّك البويهيون، وصارت الوزارة من جهتهم والأعمال إليهم”. وكان البويهيون، الذين سيطروا على العراق، من الشيعة الذين اتبعوا مذهب الزيدية، وهي من أقرب الفرق إلى آراء مذهب السنَّة، ذلك أنها لا ترى حصر الإمامة في سلالة الإمام الحسين بن علي، كما أنها لا تشارك غيرها من الفرق الشيعية في ذمِّ الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، أو القدح في الصحابة الذين لم يبايعوا الإمام علي بالخلافة بعد وفاة النبي. لهذا يذهب البعض إلى القول بأنهم من المتشيعة، وأنهم إما من الإسماعيليين أو الإثني عشرية، والأرجح من مذهب الزيدية لأن في رسائلهم مسح من الشيعية؛ ولكنهم في ذات الوقت يخرجون عن حدود كافة الفرق الإسلامية في الفكر والمعتقد، إذ لهم فكرهم الانتقائي، وهم يجمعون بين الكثير من المعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية، ويبتغي أصحابهم جمع حكمة كل الأمم والأديان. مذهبهم، بحسب تعبيرهم في الرسالة 45،
يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها، وذلك أنه النظر في جميع الموجودات بأسرها، الحسية والعقلية، من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليها وخفيها، بعين الحقيقة، من حيث هي كلها مبدأ واحد، وعلة واحدة، وعالم واحد.
وتبرز هذه النظرة الإنتقائية التوفيقية بشكل خاص في تحديد الإخوان لمزايا الإنسان الكامل، وقد وجدوه في
العالم الخبير الفاضل، الذكي المستبصر، الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة، الصوفي السيرة.
كما في الرسالة 22.
أهدافهم
كانت غاية إخوان الصفا التقريب بين الدين والفلسفة في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين والفلسفة لايتفقان. وقد قيل (من تمنطق فقد تزندق). لهذا فهم يعرِّفون الفيلسوف على أنه الحكيم، وأن الفلسفة هي التشبُّه بالإله على قدر الطاقة البشرية، وبالاستشهاد بأقوال الفلاسفة، كسقراط وأرسطوطاليس وأفلاطون وفيثاغوراس وغيرهم، والتي تصبُّ في نهر الحكمة الواحد الدافق، بما يتوافق مع أقوال الأنبياء كافة، التي استهانت بأمر الجسد ودَعَتْ إلى خلاص النفس من أسْر الطبيعة وبحر الهيولى بالعلوم وأولها علم الإنسان بنفسه، ثم علمه بحقائق الأشياء. وقد أكدوا أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، لا ينبغي التوقف عندها، بل الترقِّي في سلََّم الصعود إلى الحالة الأخيرة الملكية. وهذا ما يقولون:
هل لك، يا أخي، أن تصنع ما عمل فيه القوم كي يُنفَخ فيك الروح، فيذهب عنك اللوم، حتى لا ترى إلا يسوع عن ميمنة عرش الربِّ قد قرَّب مثواه كما يُقرِّب ابن الأب، أو ترى مَن حوله من الناظرين. أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن حتى ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريحون. أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك يحيكها أفلاطون وإنما هي أفلاك روحانية، لا ما يشير إليه المنجِّمون.
وذلك أن علم الله محيط بما يحوي العقل من المعقولات، والعقل محيط بما تحوي النفس من الصور، والنفس محيطة بما تحوي الطبيعة من الكائنات، والطبيعة محيطة بما تحوي الهيولى من المصنوعات، فإذا هي أفلاك روحانية محيطات بعضها ببعض.
أسمائهم
عمل إخوان الصفا في الخفاء، ويقال أن ابن المقفع كان أحدهم؛ ففي كليلة ودمنة، حيث يتوجه دبشليم الملك بالكلام لبيدبا الفيلسوف في مطلع قصة الحمامة المطوقة يقول له:
… حدثني، إن رأيت، عن إخوان الصفاء. كيف يبدأ تواصلهم ويستمع بعضهم ببعض.
يجيب الفيلسوف
إن العاقل لا يعدل بالإخوان شيئًا، فالإخوان هم الأعوان على الخير كله، والمؤاسون عند ما ينوب من المكروه.
احتار الباحثون في كل العصور في قضية من هم إخوان الصفا لهذا لجأوا إلى الحدس والتخمين في معرفة محرري تلك الرسائل المجهولة التوقيع. ينقل أبو حيان التوحيدي أسماء خمسة من مؤلفي هذه الرسائل في كتابه الإمتاع والمؤانسة – الكتاب الذي يضم مسامرات سبع وثلاثين ليلة أمضاها التوحيدي في منادمة الوزير أبي عبد الله العارض. ويأتي ذكر إخوان الصفا في الليلة السابعة عشرة حيث يسأل الوزير عن زيد بن رفاعة وعن مذهبه، ويجيب الكاتب:
هناك ذكاءٌ غالبٌ، وذهنٌ وقادٌ، ويقظةٌ حاضرة، وسوانح متناصرة، ومتسعٌ في فنون النظم والنثر، مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة، وحفظ أيام الناس، وسماعٍ للمقالات، وتبصرٍ في الآراء والديانات، وتصرفٍ في كل فنٍ… وقد أقام بالبصرة زمانًا طويلاً، وصادف بها جماعةً لأصناف العلم وأنواع الصناعة؛ منهم أبو سليمان محمد بن معشر البيستي، ويعرف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني والعوفي وغيرهم، فصحبهم وخدمهم؛ وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته، وذلك أنهم قالوا: الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات؛ ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، وذلك لأنها حاويةٌ للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية.
أسلوب عملهم
اعتمد إخوان الصفاء التقية في تنظيمهم وهو المبدأ الذي اعتمده جميع السرّانيين. قد وساعدت هذه التقيِّة على رواج رسائلهم واستمرار فكرهم لقرون عديدة، وبقائه كمنهل ثري لكلِّ الفلاسفة الذين أتوا من بعدهم كابن سينا والفارابي والسجستاني والكرماني وناصر خسرو ونصير الدين الطوسي وغيرهم. كان على المرشد أو الداعي أن يتحلَّى بمجموعة من الصفات مثل
أن يكون أبًا شفيقًا، وطبيبًا رفيقًا، لا نزقًا ولا خرقًا ولا منحرفًا ولا متجبرًا ولا متكبرًا ولا متغيرًا، ولا يحمِّل أحدًا فوق طاقته، ولا يكلِّفه فوق وسعه، يبرز لمريديه بروز النفس الكلِّية للنفس الجزئية، في جليل هيبته وجميل هيئته… الخ.
يقول عبد الحميد الكاتب إن أغلب فكر إخوان الصفا مستمد من الفكر الصابئي، لأن الفكر الصابئي كان متداولاً في العهد العباسي والأموي من خلال جهابذة العلم والأدب الصابئة من أمثال ثابت بن قرة وأبو اسحاق الصابئي وغيرهم. فقد ذكر المؤرخون، كما جاء في كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين، عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت، والذي كان قد برز من بين أقرانه، وأصبح من إخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيًا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، أو من كان حكيمًا كاملاً في أجزاء علوم الحكمة. الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي) المندائية، والتي تعني المتبحر.
كانت حركة إخوان الصفا انعطافًا إنسانيًا حدث على أرض العراق، إذ رغم الانكسارات التي حلت به فهو الأول في العالم في استنباط العجلة والقوانين والمدينة الحكومة ثم الكتابة المسمارية، التي هي أول كتابة لاصورية وبها بدأ تسجيل التاريخ. وفي بغداد كانت الثورة الأولى في عالم الطب. وكذلك حركة إخوان الصفا التي أعطت اندفاعًا للفلسفة اليونانية والفكر الحر، وكانت إحدى دفعات العراق للتاريخ.
إصدارات رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء
صدرت عدة طبعات من رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، أولها في العام 1812 في كلكاتا Calcutta (الهند)، وتبعتها إصدارات هامة وضعت باللغة الألمانية من قبل المستشرق فريدريك ديتيريشي Friedrich Dieterici في الفترة الممتدة بين 1861 و1872. أما النسخة المحققة والكاملة الأولى من رسائل اخوان الصفاء فقد طبعت في أربعة مجلدات (مطبعة نخبة الأخبار) من 1887 إلى 1889 في بومباي Bombay (الهند)، من تحقيق ولاية حسين. وبعد ذلك نشرت طبعة القاهرة في العام 1928 (المطبعة العربية بمصر)، وقد حققها خير الدين الزركلي وقدمها عميد الأدب العربي طه حسين، بالإضافة إلى مقدمة من تأليف أحمد زكي باشا. أما الطبعة الأكثر تداولاً بين أصحاب الاختصاص في دراسة إرث إخوان الصفاء تعود إلى نصوص الرسائل التي حققها بطرس بستاني ونشرتها دار صادر في بيروت في العام 1957. هناك أيضًا طبعة حققها عارف تامر وأصدرتها منشورات عويدات في بيروت في العام 1995.
تجب الإشارة أيضًا، في هذا السياق، بأن كل الطبعات المتوافرة حاليًا (أي حتى أواخر العام 2008) من رسائل إخوان الصفاء غير محققة بشكل نقدي من حيث أنها لا تبرز المخطوطات التي تمَّ الاعتماد عليها في تقديم محتويات نصوص الرسائل وتعددية معانيها والاختلافات في صياغاتها. ونظرًا إلى ذلك الحال قام الباحث نادر البزري ببلورة مشروع أكاديمي يضم فريق عمل من أساتذة متخصصين بالبحث في شؤون تاريخ العلوم والفلسفة عند العرب، وذلك لإصدار رسائل إخوان الصفاء في طبعة محققة نقديًا وعلميًا، وتستند إلى مجموعة من المخطوطات القديمة، ومعظمها محفوظ في مكتبات ومتاحف اسطنبول العريقة، وتضاف إليها الترجمة الإنجليزية التامة والأولى لهذا الإرث العلمي. هذا المشروع تبنَّته دار النشر العريقة التابعة لجامعة أكسفورد Oxford University Press في بريطانيا بالتعاون مع معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن من خلال سلسلة علمية عنوانها Epistles of the Brethren of Purity، وقد صدر المجلد الأول من هذه السلسلة في العام 2008 من تحقيق نادر البزري عنوانه The Ikhwan al-Safa’ and their Rasa’il.
رغم ما ينال تلك الجماعة من اتهام بالزندقة والكفر والتقية والتشيع وغيرها من الأقاويل الكثيرة عنهم من تضيع للدين ونشر أفكار فلسفية تخرب العقول بعيداً عن الإسلام

إلا أن
الحديث عن إخوان الصفا وخلان الوفا يعود بنا إلى عصر الحروب الكلامية، والمذاهب والفرق الفلسفية، وهذه الجماعة نشأت في منتصف القرن الرابع الهجري بالبصرة ، وعملوا على الخلط بين الفلسفة و الشريعة ، وراحوا يكتبون آراءهم دون أن يكشفوا أسماءهم..
وتعتبر رسائل إخوان الصفا مقدسة لدى الإسماعيلية ، حتى إنها لتصل في تقديسها إلى منزلة القرآن الكريم ، ويزعم الدكتور حسين الهمذاني الإسماعيلي : أن القرآن الكريم كتاب العامة ورسائل إخوان الصفـا كتاب الأئمة. (أستغفر الله !)
ومن أهم عقائدهم:
قبل أن تنظر لشطحاتهم نتيجة التبحر في الفلسفة والأديان أرادوا مزجاً سيء لوحدة الأديان مع أن ديننا الإسلامي لا مجال لعاقل في النأي عنه ولكنها شطحات العلماء من الكفر للإيمان مثل العالم مصطفى محمود المهم خذ علمهم وابتعد عن خرفهم في الدين

1/ يرون أن النبوة مكتسبة : فهي مرتبة يرتقي إليها العلماء والفلاسفة ، فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس في نظرهم خاتم الأنبياء واعتبروا كل فيلسوف كبير نبياً ، من أجل ذلك يجمعون بين موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، وزرادشت وسقراط وفيثاغورث وعلي والحسين في طبقة واحدة .

2/ نادوا بوحدة الأديان فقد ورد في رسائلهم أن غرض الأنبياء وغرض جميع واضعي النواميس الإلهية من فلاسفة وحكماء واحد ، وأن غاية الأديان واحدة ، وأن أهل الديانات يقتتلون طلباً للملك والرئاسة ، ولا يخفى على كل ذي لب أن غرضهم من هذا الخلط إنما هو القضاء على الأديان  .

3/ لا يؤمن إخوان الصفا بالأمور الغيبية ، بل يؤولونها إلى أمور حسية ، فالجنة عندهم هي عـالم الأرواح ، وسعة السموات ، وجهنم بنظرهم عالم الكون والفساد الواقع تحت فلك القمر ، وإن أهل جهنم هم النفوس المتعلقة بأجسام الحيوانات التي تنالها الآلام والأوجاع دون سائر الموجودات التي في العالم .

4/ يقولون إن البعث والقيامة أمور تقال لعامة الناس ، أما الخاصة ومن قد نظر في العلوم فإن هذا لا يصلح لهم ؛ لأن كثيراً من العقلاء والحكماء ينكرون خراب السموات ويأبون ذلك إباء شديداً .

5/ يعظمون من أمر الفلسفة كثيراً ويعتبرونها : " التشبـه بالإله بحسب طاقة الإنسان " فمن غاياتهـم مزج الدين بالفلسفة فلفقوا وجمعوا في رسائلهم بين ما جاءت به الأديان وما جاء على لسان الحكماء وما أنتجته قرائح الفلاسفة والعلمـاء ، وأضافوا إلى ذلك أيضـاً بعـض الشعوذات فلذلك جمعوا خليطاً من العقـائد والفلسفات فهم علويون وباطنيون وإسماعيليون ومعتـزلة وفيثاغورثيون وأفلاطونيون ومجوس وفي نفوسهم ميل إلى الوثنية.
إلا
 
الحقيقة الردود كثيرة ولكن يكفيك أن تقرأ رسائلهم لتحكم عليهم
لا
أن تدع أحد يعطيك الحكم دون أن تقرأ لهم ، هو فهم منهم الكفر واستنتج ذلك لماذا لأي غرض لديه فكره هو ؟ فأين فكرك ؟
لا خوف على إسلامنا وسنتنا فهما الحق المتين ولن يستطيع أحد زعزعة ذلك .
ولكن انظر لفكر هؤلاء كيف يرتقون بعلم الرياضيات والفلك والفلسفة والنبات والحيوان إنها نهضة علمية سابقة لعصرهم
ولكن خذ من السم الدواء وانظر لنهضتهم العلمية والفكرية في علوم الرياضيات والفلك والحيوان والنبات والفلسفة

تعدّ رسائل إخوان الصفا أوّل موسوعة علمية في التاريخ، صنّفا إخوان الصفا و هم حركة سرّية من العلماء المسلمين وكانت إهتمامات هذه الجماعة متنوعة وتمتد من العلم و الرياضيات إلى الفلك و السياسة وقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها حتى في الأندلس ويعتبر البعض هذه الرسائل بمثابة موسوعة للعلوم الفلسفية ، كان الهدف المعلن من هذه الحركة "التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس". من الأسماء المشهورة في هذه الحركة كانت أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي ابن هارون الزنجاني
وكان فكرتهم عن منشأ الكون يبدأ من الله ثم إلى العقل ثم إلى النفس ثم إلى المادة الأولى ثم الأجسام و الأفلاك و العناصر والمعادن و النبات و الحيوان فكان نفس الإنسان من وجهة نظرهم جزءا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله البعث الأكبر
وإليك
رابط تحميل رسائل أخوان الصفا
 
 

قصص وخواطر إسلامية العلامة عمرو بسطاوي

لغتك العربية فخر لك لأنها لغة الجنة والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم
الجاهلية الأولى



الجاهلية الأولى هي ما كان عليه العرب قبل الإسلام، من عبادة للأوثان، وتقديس لموروثاتهم عن الآباء والأجداد، وانتشارٍ لتقاليدَ سيئةٍ، مثل: شرب الخمر ولعب القمار ووأد البنات، فضلا عما عُرِفَ به العربُ قديما من العصبية القبلية، وشيوع مقولة: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"؛ فكان العربيُّ يتبع قبيلته ويطيع لها في الحق والباطل دون نظر أو روية، كما عمَّ بين العرب الطيشُ والحمقُ والاقتتالُ لأتفه الأسباب؛ فنجد حروبًا تستمر سنوات طويلة من أجل ناقة، كما في حرب البسوس.

كل تلك المثالب لا تعني انتفاءَ الأخلاق عن الجاهليين؛ فقد تحلَّي العربي قديمًا بصفات مثل: النجدة والصدق والكرم والوفاء بالعهد والمروءة والشجاعة والصبر.

في سورة الأحزاب يقول الله تعالى: "ولا تبرجنَ تبرجَ الجاهليةِ الأولى"، وبمراجعة أحد كتب التفسير عرفتُ أن المرأةَ في الجاهليةِ كانت تضعُ الخمارَ على رأسها دون إحكام؛ فيظهر منها الرقبة والقرط، وبعض شعرها؛ فنهى الله عن ذلك.

عُرِفَ العربيُّ في الجاهلية بالمروءة، ومما يُروى في ذلك هجرةُ أم سلمة إلى المدينة وحيدةً هي وصغيرها، فيقابلها عند التنعيم عثمان بن طلحة - وهو يومئذ مشرك - ويسألها عن وِجْهَتِهَا، وعندما علم بهجرتها شقَّ عليه أن تقطع امرأةٌ وصغيرها هذه المسافة في الصحراء، فأخذ بخطام دابتها، وسافر معها، حتى وصلت قباء، ثم عاد وتركها، ولم تستشعر منه ريبةً، وما رأت منه إلا المروءةَ والعفةَ والشهامةَ.

وفي موقف آخر تظهر العصبية القبلية في مظهر من مظاهر النبل والشرف، عندما تعاهد بنو هاشم وبنو المطلب على نصرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولم يكن أكثرهم مسلمين، وإنما دفعهم إلى ذلك الحميةُ والقبليةُ، وعندما قررت قريش مقاطعة المسلمين وبني هاشم وبني المطلب، لم يتخلف منهم سوى أبي لهب الذي انحاز إلى قريش، أما بقيتهم فقد تحملوا الجوع والحصار ثلاث سنوات متواصلة، ولم يُظْهِرْ أحدٌ منهم ضجره برغم شركهم وعدم موافقتهم المسلمين في عقيدتهم.

وبرغم الحرب الدائرة بين المسلمين وقريش تطل علينا من حين لآخر لغة الاحترام والإنصاف بين الفريقين؛ فرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غزوة بدر يأمر أصحابه بألا يتعرضوا لأشخاصٍ بعينهم من جيش المشركين، وليس ذلك إلا لمواقفهم النبيلة تجاه المسلمين في بعض الأوقات، ومن ناحية أخرى يقف أبو سفيان أمام ملك الروم ويسأله الأخير عن ذلك النبي الذي ظهر في بلادهم، ويسأله عن صفات النبي (صلى الله عليه وسلم)، فيجيب أبو سفيان بصدق وإنصاف عن صدق النبي (صلى الله عليه وسلم)، وشرف نسبه وأمانته، وعندما عاتبه بعض أصحابه قال لهم: خشيت أن تؤثر عني العرب كذبة.

لم يسعَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى هدم ما كان عليه العرب من عادات وأخلاق بشكل عام، ولكنه نهى عن سيئ الأخلاق، وأعلى من فضائلها، وعندما سُئل (صلى الله عليه وسلم) عن معادن العرب، قال: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام.

وكان (صلى الله عليه وسلم) وهو بالمدينة يمتدح حلف الفضول بمكة، لِما كان له من دورٍ في نصرةِ الضعفاءِ والمظلومين، ولم يذمّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) مقولة: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وإنما فسرها بما يوافق منهج الإسلام، بأنْ تكون نصرةُ الأخِ ظالمًا برده عن ظلمه.
إن القارئ لسيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يدرك طريقته في معالجة الواقع الفاسد؛ إنه (صلى الله عليه وسلم) يمتدح الخير والفضائل حتى لو صدرت من غير المسلمين، ويحارب الشر والرذائل، ولو شاعت بين المسلمين: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يصحح المفاهيم، ويضرب المثلَ الحيَّ في الأخلاق، وصدق الله إذ يقول: "لقد كان لكم في رسولِ اللهِ أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرَ وذكر الله كثيرًا".
 

الخميس، 21 مارس، 2013


في مناقب الفشل





كل الناس يكرهون الفشل، ويتمنون بصورة دائمة النجاح، وعلى هذا مدار حياة البشر جميعا، ولكن لم يتطرق أحد إلى مزايا الفشل للإنسان.

إن الإنسان الذي اعتاد النجاح في جميع مراحل حياته يصبح – من حيث لا يدري – أسيرا له، ويدفعه خوفه من الفشل إلى الحرص الزائد، والبعد التام عن أية مغامرة غير مأمونة العواقب، الأمر الذي يجعله ناجحا نجاحا محدودا، أما هؤلاء المغامرون الذين ألفوا الفشل كما ألفوا النجاح، فهم يقومون بعد كل فشل ينفضون عن أنفسهم غبار اليأس والإحباط، متجاوزين أخطاء الماضي، ليبدأوا محاولة جديدة، وإن حققوا النجاح فإن نجاحهم – في الغالب- غير عادي. . . نجاحهم مدهش ومبهر. . . مفيد لأنفسهم ولمن حولهم.

والتاريخ حافل بعدد كبير من العظماء الذي صنعوا التاريخ، ولا أعتقد أن أحدا منهم لم يذق طعم الفشل في حياته أبدا، وراجع سيرة: صلاح الدين الأيوبي، وتوماس إديسون، وأينشتين، وغيرهم.

رب فشل أيقظ همة الإنسان وإرادته خير من نجاح قلل طموحه وقتل آماله.

السبت، 9 مارس، 2013


أحمد أمين





أحمد أمين: أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب مصري، ولد في أكتوبر 1886 م، في حي المنشية بالقاهرة، تدرج في تعليمه من الكُتَّاب إلى المدرسة الابتدائية إلى الأزهر، إلى مدرسة القضاء الشرعي، حيث نال منها شهادة القضاء سنة 1911 م، درّس بعدها سنتين في مدرسة القضاء الشرعي، ثم انتقل في 1913م إلى القضاء فعمل قاضيا مدة ثلاثة أشهر عاد بعدها مدرسا بمدرسة القضاء.
في 1926م عرض عليه صديقه طه حسين أن يعمل مدرسا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فعمل فيها مدرسا ثم أستاذا مساعدا إلى أن أصبح عميدا لها في 1939م.
أنشأ مع بعض زملائه سنة 1914م لجنة التأليف والترجمة والنشر، وبقي رئيسا لها حتى وفاته 1954م، شارك في إخراج مجلة الرسالة (1936م)، كذلك أنشأ مجلة الثقافة الأدبية الأسبوعية (1939م).
وفي 1946م بعد توليه الإدارة الثقافية بوزارة المعارف، أنشأ ما عرف باسم: الجامعة الشعبية، وكان هدفه منها نشر الثقافة بين الشعب عن طريق المحاضرات والندوات، في الفترة نفسها أنشأ معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية.
أشهر مؤلفات أحمد أمين موسوعته الإسلامية فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، ويوم الإسلام، وفيها اهتم بدراسة الجانب العقلي والفكري في الحضارة الإسلامية.
أصيب أحمد أمين قبل وفاته بمرض في عينه، ثم بمرض في ساقه فكان لا يخرج من منزله إلا لضرورة قصوى، ورغم ذلك لم ينقطع عن التأليف والبحث حتى توفاه الله في (27 رمضان 1373 هـ/30 مايو 1954م) فبكاه الكثيرون ممن يعرفون قدره.

الجمعة، 1 مارس، 2013


مصطفى صادق الرافعي


ولد مصطفى صادق الرافعي على ضفاف النيل في قرية بهتيم من قرى محافظة القليوبية بمصر في يناير عام 1880م، لأبوين سوريَّين؛ والده الشيخ عبد الرزاق سعيد الرافعي  رئيس المحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها عاش مصطفى صادق وإخوته.
لهذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي مصطفى صادق وفي فنائها درج، وعلى الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلى تعاليم الدين، وجمع القرآن حفظا وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عاماً أصابه مرض التيفوئيد فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثرا ووقرا في أذنيه لم يزل يعاني منه حتى فقد حاسة السمع وهو بعد لم يجاوز الثلاثين. 
وكانت بوادر هذه العلة هي التي صرفته عن إتمام تعليمه بعد الابتدائية، فانقطع إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية؛ فاستوعبها وراح يطلب المزيد، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره: يقرأ كل يوم ثماني ساعات لا يكل ولا يمل.
استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي، ومن أشهر مؤلفاته: (وحي القلم)، وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.
توفي الرافعي في مايو سنة 1937 عن عمر يناهز 57 عاماً وكان الرافعي إذ ذاك ما يزال يعمل كاتبا ومحصلاً ماليا في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية عام 1900م.


الثلاثاء، 12 فبراير، 2013


من أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم)




الصدق
قال أبو جهل للنبي (صلى الله عليه وسلم): إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
وروى غيره: لا نكذبك ولا أنت فينا بمكذب.
وقيل إن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا تخبرني عن محمد: صادق هو أو كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط.
وسأل هرقل أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا.
وقال النضر بن الحارث لقريش: قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر لا والله ما هو بساحر.
وعندما نزل قوله تعالى: }وأنذر عشيرتك الأقربين{ ، صعد رسول الله  (صلى الله عليه وسلمجبل الصفا ، وجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فقال (صلى الله عليه وسلم):أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
الأمانة
قال تعالى: {مطاع ثم أمين} ،أكثر المفسرين أنه محمد (صلى الله عليه وسلم).
ولما اختلف قريش وتحازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر حكموا أول داخل عليهم فإذا النبي (صلى الله عليه وسلمداخل، وذلك قبل نبوته فقالوا: هذا محمد الأمين قد رضينا به.
وعن الربيع بن خيثم: كان يتحاكم إلى رسول الله  (صلى الله عليه وسلمفي الجاهلية قبل الإسلام.
وقال  (صلى الله عليه وسلم): والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض.
   تأخر علي – كرم الله وجهه – عن النبي (صلى الله عليه وسلمفي الهجرة لرد الودائع والأمانات التي كانت عند رسول الله لأصحابها.
رجاحة العقل
لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه فقالت كل قبيلة: نحن نضعها ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم فقالوا: جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه (صلى الله عليه وسلم).
عند هجرته (صلى الله عليه وسلممن مكة لم يتجه شمالا حيث المدينة، وإنما اتجه جنوبا، ومكث بغار ثور ثلاثة أيام، حتى تهدأ حركة قريش في البحث عنه (صلى الله عليه وسلم).
من مظاهر رجاحة عقله (صلى الله عليه وسلممشاورته أصحابه في كل أموره مثل: أخذه برأي الحباب بن المنذر في موقع جيش المسلمين ببدر.
وكذلك أخذه برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب.
صلح الحديبية، وطريقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في التفاوض مع مبعوثي قريش، وبصفة خاصة: سهيل بن عمرو الذي أصر على عدم كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم، ومحمد رسول الله).
وأيضا في بنود الصلح، كان بعض الصحابة يرون في هذه البنود إجحافا للمسلمين وقد ظهر بعد ذلك أن تلك البنود كانت في صالح المسلمين، ونزل قول الله تعالى: }إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
العدل
في غزوة بدر كان رسول الله (صلى الله عليه وسلميعدل صفوف المسلمين بقدح له، وكان سواد بن غزية مستنصلا من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استو يا سواد، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، فأقدني، فكشف عن بطنه، وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له الرسول (صلى الله عليه وسلمبخير.
عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكلمه أسامة فقال رسول الله  (صلى الله عليه وسلم): أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
الشجاعة
قال علي رضي الله عنه: إنا كنا إذا حمي البأس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا .
عن أنس: كان النبي (صلى الله عليه وسلمأحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلمراجعا قد سبقهم إلى الصوت، واستبرق الخبر على فرس لأبي طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعوا.
ثبت رسول الله (صلى الله عليه وسلمفي حنين، ولم يفر ومعه من الصحابة: أبو بكر وعمر وعلي وعمه العباس وابناه: الفضل وقثم وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر وآخرون وهو (صلى الله عليه وسلميومئذ راكب بغلته، وهو يركضها إلى وجه العدو، والعباس آخذ بحكمتها يكفها عن التقدم، وهو (صلى الله عليه وسلمينوه باسمه يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.
الرحمة
الرسول (صلى الله عليه وسلمنبي الرحمة، والله يقول: }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
كان (صلى الله عليه وسلميتجوز في صلاته (يخفف فيها) إذا سمع بكاء الرضيع.
رفع إليه ولده إبراهيم، وهو مريض يجود بنفسه، فوضعه بين يديه وبكى (صلى الله عليه وسلم)، وقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
قبل النبي (صلى الله عليه وسلمالحسن بن على - رضي الله عنهما – وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلموقال: من لا يرحم لا يرحم.
لما افتتح رسول الله (صلى الله عليه وسلمالقموص حصن بني أبي الحقيق أتي بصفية بنت حيي بن أخطب وأخرى معها فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلمقال لبلال: أنزعت منك الرحمة يا بلال؛ حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما.
عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلمحدثته أنها قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم): هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به عليك وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.

الصبر والحلم
تعرض الرسول (صلى الله عليه وسلملأنواع شتى من الإيذاء، فصبر، ومن ذلك:
السخرية والتحقير، واتهامه بالجنون والكذب والسحر وقول الشعر.
   كانت أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك في طريقه  (صلى الله عليه وسلم).
كان نفر من قريش يؤذون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، منهم: أبو لهب والعاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط، فكانوا يطرحون على النبي (صلى الله عليه وسلم) رحم الشاة وهو يصلي.
عن عبد الله بن مسعود  أن النبي (صلى الله عليه وسلمكان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذا قال بعضهم لبعض أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به فنظر حتى سجد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ووضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغير شيئا لو كان لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض ورسول الله (صلى الله عليه وسلمساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره.
وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلملما كسرت رباعيته، وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه، وقالوا: لو دعوت عليهم! فقال: إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم أهد قومي فإنهم لايعلمون.
قال له رجل: اعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ـ فقال: و يحك! فمن يعدل إن لم أعدل! خبت وخسرت إن لم أعدل!  ونهى من أراد من أصحابه قتله.
عن أنس رضي الله عنه: كنت مع النبي (صلى الله عليه وسلموعليه برد غليظ الحاشية فجبذه الأعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ومال أبيك، فسكت النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم قال: المال مال الله وأنا عبده، ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟ قال: لا، قال: لم؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم أمر أن يحمل له على بعيره شعير وعلى الآخر تمر.
قالت عائشة رضي الله عنهما: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلممنتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله، وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما ضرب خادما قط ولا امرأة.
جيء إليه برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): لن تراع لن تراع، ولو أردت ذلك لم تسلط علي.
جاءه زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقضاه دينا عليه، فجبذ ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه، وأغلظ له ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل، فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي (صلى الله عليه وسلميبتسم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر: تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي، ثم قال: لقد بقي من أجله ثلاث وأمر عمر يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه فكان سبب إسلامه. ذلك أنه كان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما فاختبره بهذا فوجده كما وصف.
العفو والتسامح
لما تصدى له غورث بن الحارث ليفتك به ورسول الله  (صلى الله عليه وسلممنتبذ تحت شجرة وحده قائلا والناس قائلون في غزاة فلم ينتبه رسول الله (صلى الله عليه وسلمإلا وهو قائم والسيف صلتا في يده فقال: من يمنعك مني؟ فقال: الله، فسقط السيف من يده فأخذه النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ؛ فتركه وعفا عنه فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلميوم فتح مكة: يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما خير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله (صلى الله عليه وسلملنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها.
الوفاء
وفاؤه (صلى الله عليه وسلمللأنصار حينما قالوا في بيعة العقبة: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالا وإنا قاطعوها يعني اليهود فهل عسيت إن أظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم وقال: بل الدم الدم الهدم الهدم: أنتم مني وأنا منكم، وبعد فتح مكة عاد رسول الله  (صلى الله عليه وسلممع الأنصار إلى المدينة.
قال حذيفة بن اليمان: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلمفأخبرناه فقال انصرفا - من الوفاء - نفي ضد الغدر لهم بعهودهم، ونستعين الله عليهم.
وفاؤه (صلى الله عليه وسلملعهد قريش في الحديبية، ورده لمن لحق به من قريش ومن هؤلاء: أبو بصير وأبو جندل.
وفاؤه (صلى الله عليه وسلملعثمان بن طلحة، وإعطاؤه مفتاح الكعبة يوم فتح مكة.
وفاؤه (صلى الله عليه وسلمللسيدة خديجة – رضى الله عنها - فعن أنس: كان النبي (صلى الله عليه وسلمإذا أتي بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة، إنها كانت تحب خديجة.
وعن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة لما كنت أسمعه يذكرها، وإن كان ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها، واستأذنت عليه أختها فارتاح إليها.
ودخلت عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها، فلما خرجت قال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان.
الكرم
عن ابن عباس كان رسول الله (صلى الله عليه وسلمأجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن فلرسول الله (صلى الله عليه وسلمأجود بالخير من الريح المرسلة.
قال جابر بن عبد الله: ما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلمشيئا قط، فقال: لا.
عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلملم يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
خرج (صلى الله عليه وسلميوما وعليه حلة من أجمل الحلل، فرآه أحد أصحابه، فعزم أن يطلبها ليلبسها فتمس جلده بعد أن مست جلد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، أعطنيها، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وسلمبيته، فخلع الحلة وأتاه بها.
حُمل إليه تسعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلا حتى فرغ منها.
التواضع
خُير (صلى الله عليه وسلم) بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا، فقال له إسرافيل عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق الأرض عنه وأول شافع.
عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلممتكئا على عصا فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا.
وقال إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.
وكان يركب الحمار ويردف خلفه ويعود المساكين ويجالس الفقراء ويجيب دعوة العبد ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس.
وعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء جاءته فقالت: إن لي إليك حاجة قال: اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك، قال: فجلست فجلس النبي (صلى الله عليه وسلمإليها حتى فرغت من حاجتها.
قال أنس: وحج (صلى الله عليه وسلمعلى رحل رث وعليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم فقال: اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة.
ولما فتحت عليه مكة ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ على رحله رأسه حتى كاد يمس قادمته تواضعا الله تعالى.
وفي حديث عمر عنه: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله.
ومن تواضعه (صلى الله عليه وسلمقوله: لا تفضلوني على يونس بن متى، ولا تفضلوا بين الأنبياء، ولا تخيروني على موسى ونحن أحق بالشك من إبراهيم، وقال للذي قال له: يا خير البرية: ذاك إبراهيم.
وكان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق.
وعن أنس: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وسلمفتنطلق به حيث شاءت حتى تقضي حاجتها.
ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له: هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد.    
الزهد
توفي (صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله وهو يدعو ويقول: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.
عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله. وفي رواية أخرى: من خبز شعير يومين متواليين ولو شاء الله لأعطاه ما لا يخطر ببال.
قالت عائشة: ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا، ولقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، وقالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا إن هو إلا التمر والماء.
وعن عمرو بن الحارث: ما ترك إلا سلاحه وبغلته وأرضا جعلها صدقة.                            
قالت عائشة: وقال لي: إني عُرض علي أن تُجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما؛ فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك.
وعن أنس: ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق ولا رأى شاة سميطا قط.
وعن عائشة: إنما كان فراشه الذي ينام عليه أدما حشوه ليف.
وعن حفصة قالت: كان فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيته مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه، فثنيناه له ليلة بأربع فلما أصبح قال: ما فرشتم لي الليلة؟ فذكرنا ذلك له فقال: ردوه بحاله فإن وطأته منعتني الليلة صلاتي.
وعن عائشة قالت: لم يمتلئ جوف النبي (صلى الله عليه وسلم) شبعا قط، ولم يبث شكوى إلى أحد، وكانت الفاقة أحب إليه من الغنى، وإن كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع، فلا يمنعه صيام يومه، ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها، ولقد كنت أبكي له رحمة مما أرى به وأمسح بيدي على بطنه مما به من الجوع، وأقول: نفسي لك الفداء، ولو تبلغت من الدنيا بما يقوتك! فيقول: يا عائشة، ما لي وللدنيا، إخواني من أولى العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم، فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم، فأجدني أستحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غدا دونهم، وما من شيء هو أحب إلي من اللحوق بإخواني وأخلائي، قالت: فما أقام بعد إلا شهرا حتى توفى (صلى الله عليه وسلم).
حسن العشرة
قال الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
عن قيس بن سعد قال زارنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذكر قصة في آخرها: فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا وطأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم قال سعد: يا قيس اصحب رسول الله، قال قيس: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اركب فأبيت فقال: إما أن تركب وإما أن تنصرف فانصرف، وفي رواية أخرى: اركب أمامي فصاحب الدابة أولى بمقدمها .
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء.
قال علي رضي الله عنه في وصفه (صلى الله عليه وسلم): كان أوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة.
قال ابن أبي هالة: كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤنس منه.
قال أنس: ما التقم أحد أذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له، و كان يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادا رجليه بين أصحابه، يكرم من يدخل عليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى ويكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم؛ تكرمة لهم ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز.
قال أنس: خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟
الحياء
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أشد حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء قال الله سبحانه {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحيي من الحق{.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشد حياء من  العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
وكان (صلى الله عليه وسلم) لطيف البشرة رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس.
وعن عائشة رضي الله عنهما: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقـول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا! ينهى عنه ولا يسمى فاعله.