الثلاثاء، 19 أبريل 2016

روائع الشعر العربي القديم

نَأَتكَ سُلَيمى فَالفُؤادُ قَريحُ
وَلَيسَ لِحاجاتِ الفُؤادِ مُريحُ
إِذا ذُقتَ فاها قُلتَ طَعمُ مُدامَةٍ
مُشَعشَعَةٍ تُرخي الإِزارَ قَديحُ
بِماءِ سَحابٍ في أَباريقِ فِضَّةٍ ...

لَها ثَمَنٌ في البايِعينَ رَبيحُ
تَأَمَّل خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍ
يَمانِيَّةٍ قَد تَغتَدي وَتَروحُ
كَعَومِ السَفينِ في غَوارِبِ لُجَّةٍ
تُكَفِّئُها في ماءِ دِجلَةَ ريحُ
جَوانِبُها تَغشى المَتالِفَ أَشرَفَت
عَلَيهِنَّ صُهبٌ مِن يَهودَ جُنوحُ
وَقَد أَغتَدي قَبلَ الغَطاطِ وَصاحِبي
أَمينُ الشَظا رِخوُ اللَبانِ سَبوحُ
إِذا حَرَّكَتهُ الساقُ قُلتَ مُجَنَّبٌ
غَضيضٌ غَذَتهُ عَهدَةٌ وَسُروحُ
مَراتِعُهُ القيعانُ فَردٌ كَأَنَّهُ
إِذا ما تُماشيهِ الظِباءُ نَطيحُ
فَهاجَ لَهُ حَيٌّ غَداةً فَأَوسَدوا
كِلاباً فَكُلُّ الضارِياتِ يُشيحُ
إِذا خافَ مِنهُنَّ اللِحاقَ نَمَت بِهِ
قَوائِمُ حَمشاتُ الأَسافِلِ روحُ
وَقَد أَترُكُ القِرنَ الكَمِيَّ بِصَدرِهِ
مُشَلشِلَةٌ فَوقَ النِطاقِ تَفوحُ
دَفوعٌ لِأَطرافِ الأَنامِلِ ثَرَّةٌ
لَها بَعدَ إِشرافِ العَبيطِ نَشيحُ
إِذا جاءَ سِربٌ مِن ظِباءٍ يَعُدنَهُ
تَبادَرنَ شَتّى كُلُّهُنَّ تَنوحُ

عبيد بن الأبرص
تُعَنِّفني زَبيبة ُ في الملاَم
ِعلى الإقدام في يومِ الزّحام
تخافُ عليَّ أن ألقى حمامي
بطعن الرُّمح أو ضربِ الحسام
مقالٌ ليسَ يَقْبَلُهُ كِرام...


ٌولا يرضى به غيرُ اللّئام
يخوضُ الشَّيْخُ في بَحْر المنايا
ويرْجعُ سالماً والبَحْرُ طامِ
ويأْتي الموْتُ طِفلاً في مُهودٍ
ويلقى حتفهُ قبلَ الفطام
فلا ترْضى بمنقَصَة ٍ وَذُلٍّ
وتقنعْ بالقليل منَ الحطام
فَعيْشُكَ تحْتَ ظلّ العزّ يوْما
ًولا تحت المذلَّة ِ ألفَ عام
‫#‏عنترة_بن_شداد‬..
شَكَتْ فقرَهافبكَتْ لؤلؤاً
تساقطَ من جفنها و انْتَثَرْ

فقُلتُ ـ و عيْنِيْ على دمعها ـ
أفَقْرٌ !و عندكِ هذي الدُّرَرْ !!؟...

الاخطل الصغير
.........................

صادَتْ فُؤادي بعَيْنَيها و مُبْتَسَمٍ
كأنَّهُ حينَ أبدَتْه لنا بَرَدُ

عذبٍ كأنَّ ذَكِيَّ المِسكِ خالَطَه
و الزَّنْجَبيلُ وماءُ المُزْنِ والشُّهُدُ

...
(جميل بثينة)
كَيْفَ السّبِيلُ إلى طَيْفٍ يُزَاوِرُهُ والنّوْمُ، في جُملَة ِ الأحبابِ، هاجرُهُ؟
الحبُّ آمرهُ ، والصونُ زاجرهُ ، وَالصَّبْرُ أوّلُ مَا تَأتي أوَاخِرُهُ
أنَا الّذي إنْ صَبَا أوْ شَفّهُ غَزَلٌ فللعفافِ ، وللتقوى مآزرهُ
وأشْرَفُ النّاسِ أهْلُ الحُبّ منزِلَة ً، وَأشرَفُ الحُبّ مَا عَفّتْ سَرَائِرُهُ
ما بالُ ليليَ لا تسري كواكبهُ ، وَطَيْف عَزّة َ لا يَعْتَادُ زَائِرُهُ؟...

منْ لا ينامُ ، فلا صبرٌ يؤازرهُ و لا خيالٌ ، على شحطٍ ، يزاوره ُ
يَا سَاهِراً، لَعِبَتْ أيْدِي الفِرَاقِ به فالصبرُ خاذلهُ ، والدمعُ ناصرهُ
إنَّ الحبيبَ الذي هامَ الفؤادُ بهِ ، يَنَامُ عَن طُولِ لَيلٍ، أنتَ ساهرُهُ
ما أنسَ لا أنسَ ، يومَ البينِ ، موقفنا والشّوْقُ يَنهَى البُكَى عنّي وَيأمُرُهُ
و قولها ، ودموعُ العينِ واكفة ٌ : هَذَا الفِرَاقُ الّذِي كُنّا نُحَاذِرُهُ
هلْ أنتِ ، يا رفقة َ العشاقِ ، مخبرتي عنِ الخليطِ الذي زمتْ أباعرهُ ؟
وَهَلْ رَأيتِ، أمَامَ الحَيّ، جَارِيَة ً كالجُؤذَرِ الفَرْدِ، تَقفُوهُ جآذِرُهُ؟
و أنتَ ، يا راكباً ، يزجي مطيتهُ يَسْتَطْرِقُ الحَيَّ لَيْلاً، أوْ يَباكِرُهُ
إذا وصلتَ فعرضْ بي وقلْ لهمُ : هَلْ وَاعِدُ الوَعدِ يَوْمَ البَينِ ذاكِرُهُ؟
ما أعجبَ الحبَّ يمسي طوعَ جارية ً في الحيِّ منْ عجزتْ عنهُ مساعرهُ
وَيَتّقي الحَيَّ مِنْ جَاءٍ وَغَادِية ٍ كيفَ الوصولِ إذا ما نامَ سامرهُ ؟

ابو فرأس الحمداني
لقد هانَ عِندي الدَّهرُ لمَّا عرفتُهُ...
وإني بما تأتي المُلمَّاتُ أخبَرُ

وليس سباعُ البَرّ مثلَ ضِباعِهِ
ولا كلُّ مَن خاض العَجاجةَ عَنتَرُ

عنتره
ــــــــــــــــ

النفس حيرى والذنوب كثيرة...
والعمر يمضي والحياة ثواني

يا نفس كفي عن معاصيك التي
كادت تميت الحس في وجداني

أنسيت أن الموت آت، فاجمعي
يا نفس من طيب ومن إحسان

أنا لست أخشى الموت بل أخشى الذي
بعد الممات، وعسرة السؤلان

ماذا أقول إذا فقدت إرادتي
وتكلمت بعدي يدي ولساني

ماذا.. وكل جوارحي تحكي بما
صنعت.. ولست بعالم النسيان

أخشاك يا شمس الصيف فكيف لا
أخشى العذاب وحرقة النيران

أنا يا الهي حائر فتولني
ولأنت تهدي حيرة الحيران

أنا إن عصيت فهذا لأني غافل
ولقد علمت عواقب العصيان

أنا إن عصيت فهذا لأني ظالم
والظلم صنع من يد الإنسان

لكنك الغفار فاغفر ما جنت
نفسي على نفسي فأنت الحاني

أشكو إليك ضآلتي ومذلتي
فارفع بفضلك ما أذل زماني

أدعوك في صمتي، وفي نطقي
وفي همسي بقلب دائم الخفقان

أدعوك فاقبل دعوتي وارفع بها
شأني، وكن لي يا عظيم الشان

لك في الفؤاد مهابة ومحبة
يا من بحبك يستضيء كياني

أنا يا إلهي عائد من وحدتي
أنا هارب من كثرة الأشجان

من لي سواك يجيرني ويعيدني
من عالم الأهواء.. والشيطان

سدت بوجهي كل أبواب المنى
فأتيت بابك طالب الغفران

يارب إني قد أتيتك تائبا
فاقبل بعفوك توبة الندمان .
كم جئت بابك ســائلا..فأجبتني ...
من قبل حتى أن يقــول لساني

واليوم جئتك تائــباً مستـغفراً .....
شيءٌ بقلـــبي للـهدى ناداني

عيـناى لو تبكي بقــية عمرها .....
لاحتجت بعد العمر..عمراً ثاني

إن لــم أكن للـعفو أهلا ً خالقي .....
فأنـت أهل العفو و الغــفران

روحي لنـورك يا إلهي قد هفت .....
و تشققت عطـــشا لهُ أركاني

فاقبل بفضلك توبة القـلب الذي .....
قد جاء هرباً من دجى العصيان

و إجعله في وجه الخـطايا ثابتاً ......صـلباً.. قوياً ... ثابـت الإيمان
و امنن بعفوك...إن عفوك وحده..... سيعـيد نبض النـور في إنساني
الامام الشافعي
ما احلى عيشة الاعزب
قال الشاعر:
تزوجت اثنتين لفرط جهلي *** بما يشقى به زوج اثنتين
فقلت أصير بينهما خروفاً *** أنعم بين أكرم نعجتين...

فصرت كنعجة تضئ وتمسي *** تداول بين أخبث ذئبتين
رضا هذي يهيج سخط هذي *** فما أعرى من أحدي السخطتين
وألقى في المعيشة كلّ ضرّ *** كذاك الضّرّ بين الضرتين
لهذي ليلة ولتلك أخرى *** عتابٌ دائمٌ في الليلتين
فإن أحببت أن تبقى كريماً *** من الخيرات مملوء اليدين
وتدرك ملك ذي يزن وعمرو *** وذي جدنٍ وملك الحارثين
وملك المنذرين وذي نواسٍ *** وتبعٍ القديم وذي رعين
فعش عزباً فإن لم تستطعه *** فضرباً في عراض الجحفلين

لِمَنِ الدارُ أَقفَرَت بِالجَنابِ
غَيرَ نُؤيٍ وَدِمنَةٍ كَالكِتابِ
غَيَّرَتها الصَبا وَنَفحُ جَنوبٍ
وَشَمالٍ تَذرو دُقاقَ التُرابِ
فَتَراوَحنَها وَكُلُّ مُلِثٍّ ...

دائِمِ الرَعدِ مُرجَحِنِّ السَحابِ
أَوحَشَت بَعدَ ضُمَّرٍ كَالسَعالي
مِن بَناتِ الوَجيهِ أَو حَلّابِ
وَمُراحٍ وَمُسرَحٍ وَحُلولٍ
وَرَعابيبَ كَالدُمى وَقِبابِ
وَكُهولٍ ذَوي نَدىً وَحُلومٍ
وَشَبابٍ أَنجادِ غُلبِ الرِقابِ
هَيَّجَ الشَوقَ لي مَعارِفُ مِنها
حينَ حَلَّ المَشيبُ دارَ الشَبابِ
أَوطَنَتها عُفرُ الظِباءِ وَكانَت
قَبلُ أَوطانَ بُدَّنٍ أَترابِ
خُرَّدٍ بَينَهُنَّ خَودٌ سَبَتني
بِدَلالٍ وَهَيَّجَت أَطرابي
صَعدَةٌ ما عَلا الحَقيبَةَ مِنها
وَكَثيبٌ ما كانَ تَحتَ الحِقابِ
إِنَّنا إِنَّما خُلِقنا رُؤوساً
مَن يُسَوّي الرُؤوسَ بِالأَذنابِ
لا نَقي بِالأَحسابِ مالاً وَلَكِن
نَجعَلُ المالَ جُنَّةَ الأَحسابِ
وَنَصُدُّ الأَعداءَ عَنّا بِضَربٍ
ذي خِذامٍ وَطَعنِنا بِالحِرابِ
وَإِذا الخَيلُ شَمَّرَت في سَنا الحَر
بِ وَصارَ الغُبارُ فَوقَ الذُؤابِ
وَاِستَجارَت بِنا الخُيولُ عِجالاً
مُثقَلاتِ المُتونِ وَالأَصلابِ
مُصغِياتِ الخُدودِ شُعثَ النَواصي
في شَماطيطِ غارَةٍ أَسرابِ
مُسرِعاتٍ كَأَنَّهُنَّ ضِراءٌ
سَمِعَت صَوتَ هاتِفٍ كَلّابِ
لاحِقاتِ البُطونِ يَصهِلنَ فَخراً
قَد حَوَينَ النِهابَ بَعدَ النِهابِ

عبيد بن الأبرص
لِمَن طَلَلٌ لَم يَعفُ مِنهُ المَذانِبُ
فَجَنبا حِبِرٍّ قَد تَعَفّى فَواهِبُ
دِيارُ بَني سَعدِ بنِ ثَعلَبَةَ الأولى
أَذاعَ بِهِم دَهرٌ عَلى الناسِ رائِبُ
فَأَذهَبَهُم ما أَذهَبَ الناسَ قَبلَهُم ...

ضِراسُ الحُروبِ وَالمَنايا العَواقِبُ
أَلا رُبَّ حَيٍّ قَد رَأَينا هُنالِكُم
لَهُم سَلَفٌ تَزوَرُّ مِنهُ المَقانِبُ
فَأَقبِل عَلى أَفواقِ مالَكَ إِنَّما
تَكَلَّفتَ مِل أَشياءِ ما هُوَ ذاهِبُ

عبيد بن الأبرص
أَتوعِدُ أُسرَتي وَتَرَكتَ حُجراً
يُريغُ سَوادَ عَينَيهِ الغُرابُ
أَبَوا دينَ المُلوكِ فَهُم لِقاحٌ
إِذا نُدِبوا إِلى حَربٍ أَجابوا
فَلَو أَدرَكتَ عِلباءَ بنَ قَيسٍ ...

قَنِعتَ مِنَ الغَنيمَةِ بِالإِيابِ

عبيد بن الأبرص
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشنٌ
عند الكريهة إن ذو لوثةٍ لانا
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم ...

طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا
لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد
ليسوا من الشرّ في شيء وإنا هم نا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةً
ججومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته
سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا
شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهم نا
لكن يطيرون أشتات إذا فزعوا
وينفرون إلى الغارات وحدانا

قريط بن انيف التميمي
يا راحِلاً و جَميلُ الصّبرِ يتبعهُ
هلْ منْ سبيلٍ إلى لقياكَ يتَّفقُ ؟
ما أنصفتكَ جفوني و هيَ دامية ٌ
و لا وَفَى لكَ قَلبي و هوَ يَحتَرقُ
....


ابن الفارض
ودّعْ لميسَ وداعَ الصّارمِ اللاحِي
إذْ فنّكتْ في فسادٍ بعدَ إصْلاحِ
إذْ تستبيكَ بمصقولٍ عوارضُهُ
حمشِ اللّثاتِ عذابٍ غيرِ مملاحِ
وقدْ لهوتُ بمثلِ الرّثمِ آنسة ٍ ...

تُصْبي الحليمَ عَرُوبٍ غير مِكْلاحِ
كأنّ رِيقَتَها بعد الكَرَى اغْتَبَقَتْ
من ماءِ أصْهَبَ في الحانوتِ نَضّاحِ
أوْ منْ معتّقة ٍ ورهاءَ نشوتُها
أوْ منْ أنابيبِ رمّانٍ وتفّاحِ
هبّتْ تلومُ وليستْ ساعة َ اللاحي
هلاّ انتظرتِ بهذا اللّومِ إصباحي
إنْ أشْرَبِ الخَمْرَ أوْ أُرْزَأ لها ثمَناً
فلا محالَة َ يوماً أنّني صاحي
ولا محالَة َ منْ قبرٍ بمحنية
ٍ وكفنٍ كسرَاة ِ الثورِ وضّاحِ
دَعِ العَجوزَيْنِ لا تسمعْ لِقِيلهما
وَاعْمَدْ إلى سيّدٍ في الحيّ جَحْجاحِ
كانَ الشّبابُ يلهِّينا ويعجبُنَا
فَمَا وَهَبْنا ولا بِعْنا بِأرْبَاحِ

اوس بن حجر
يقول ‫#‏المهلهل_بن_ربيعة‬ في رثاء اخيه كليب :
مَنَعَ الرُقادُ لِحادِثٍ أَضناني
وَدَنا العَزاءُ فَعادَني أَحزاني
لَمّا سَمِعتُ بِنعيِ فارِسِ تَغلِبٍ
أَعني مُهَلهِلَ قاتِلِ الأَقرانِ...


كَفكَفتُ دَمعي في الرِداءِ تَخالَهُ
كَالدُرِّ إِن قارَنتَهُ بِجُمانِ
جَزَعاً عَلَيهِ وَحُقَّ ذاكَ لِمِثلِهِ
كَهفِ اللَهيفِ وَغَيثَهُ اللَهفانِ
وَالمُرتَجى عَندَ الشَدائِدِ إِن غَذا
دَهرٌ حَرونٌ مُعضِلُ الحُدَثانِ
وَالمُستَغيثِ بِهِ العِبادُ وَمَن بِهِ
يَحمي الذِمارَ وَجودَةَ الجيرانِ
لَهفي عَلَيهِ إِن تَوَسَّطَ مُعضِلٌ
حِصنَ العَشيرَةِ ضارِبٌ بِجِرانِ
لَهفي عَلَيكَ إِذا اليَتيمُ تَخاذَلَت
عَنهُ الأَقارِبُ أَيَّما خِذلانِ
فَاِذهَب إِليهِ فَقَد حَوَيتَ مِنَ العُلى
يا اِبنَ الأَكارِمِ أَرجَحَ الرَجحانِ
فَلَأَبكِيَنَّكَ ما حَييتُ وَما جَرَت
هَوجاءُ مُعطِفَةٌ بِكُلِّ مَكانِ

جميل بثينة
ألا إنّها ليست تجود لذي الهوى
بل البخل منها شيمة وخلائق
...
وماذا عسي الواشون أن يتحدّثوا
سوى أن يقولوا إنّني لك عاشق
نعم صدق الواشون أنت كريمة
عليّ وإن لم تصف منك الخلائق
** المُسْتَشارُ **
سـديدُ الرّأْيِ إنْ أعطـاكَ رأياً
يدُلُّـكَ باجتهـــادٍ للصّــوابِ
وبعضُ الناسِ مجتهدٌ بجهلٍ
يقـودُك بالجهــالةِ لِلسّـرابِ...

وأمّا أقبــحُ الأشــخاصِ رأيـاً
يسوقُك عـامداً نحوَ الخـرابِ
**عبدالمجيد الجميلي**

هَل لِشبابٍ فات من مَطلب
أم ما بُكاءُ البائسِ الأَشيب
ِإلا الأضاليل ومن لا يَزَل
يُوفي على مهلكه يَعصَب
بُدّلتُ شيبا قد عَلا لمتي ...

بعد شَبابٍ حَسنٍ مُعجبِ
صَاحبتُه ثُمَّت فارَقتُهُ
ليتَ شبابي ذاك لم يَذهبِ
وقد أُراني والبلى كأسمه
إذ أنا لم أصلع ولم أحدَبِ
ولم يُعرني الشيب أثوابه
أصبى عُيون البيضِ كالرَبربِ
كأنما يومَي حَولٌ إذا
لم أشهَدِ اللَّهو ولم ألعبِ
وقَهوةٍ صهباءَ باكرتُها
بجُهمةٍ والديكُ لم ينعَبِ
وطامح الرأسِ طويلِ العمى
يذهبُ جَهلا كلما مَذهبِ
كويته حين عدا طورَه
في الرأس منهُ كيَّة المكلبِ
وغارةٍ شعواءَ ناصبتُها
بسابحٍ ذي حُضُرٍ مُلهبِ
تراهُ بالفارسِ من بعد ما
نكّسَ ذو اللأمةِ كالأنكبِ
وصَاحِبٍ نَبّهتُهُ مَوهنا
ليسَ بأناحٍ ولا جأنبِ
أروعَ بُهلولٍ خميص الحشا
كالنَّصل ما تركب به يركبِ
فقامَ وسنانَ إِلى رحلهِ
وجَسرةٍ دَوسرةٍ ذعلِبِ
ومَربأ كالزُّجِ أشرفتهُ
والشمس قد كادت ولم تَغرُبِ
تلّفني الريحُ على رأسهِ
كأنني صَقرٌ على مَرقَبِ
ذاك ومَولي يمُجُّ الندى
قُريانهُ أخضرُ مُغلَولبِ
قفر حَمته الخيلُ حتى كأن
نَ زاهرُهُ أُغشيَ بالزرنبِ
جاد السما كان بِقُريانهِ
بالنجم والنَثرة والعقربِ
كأنَّ أصواتَ عَصافيرِه
أصوابُ راعي ثَلَّةٍ مُحصبِ
قُدتُ به أجردَ ذاميعَةٍ
عَبلِ الشوى كالصدع الأشعبِ
فَرداً تُغنيني مكاكيّهُ
تَغنيَ الولدان والملعَبِ

الأسود بن يعفر النهشلي
عَلَى حَرج يا عَبسُ أَضحَى أَخوكُمُ وَبِتُّ عَلَى أَمرٍ بِغَيرِ جناحِ
حَذار حُروب الأَقرَبينَ وَإِنَّهُ لَيَأتي افتِلاتاً وَجهُ كلِّ صَباحِ
أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ مَن لا أَخاً لَه كَساعٍ إِلَى الهَيجا بِغَيرِ سِلاحِ
وَإِنَّ ابنَ عَم المرير فَاِعلَم جناحه وَهَل يَنهَض البازي بِغَيرِ جناحِ
لَنا غطة في الذاهِبينَ وَعبرَة تُفيدُ ذَوي الأَلبابِ أمر صَلاحِ...

أَلَم تَعلَموا ما حاوَلَ الصَّعب مدّه وَما صَبح الساعِي وَآل رزاحِ
فَهَل بَعد ذي القَرنَين مَلكٌ مُخَلَّدٌ وَهَل بَعد ذي المَلكَين يَوم فَلاحِ
تَريشُ لَهُ الأَطيار عِندَ غُدوِّه وَتَجنَحُ إِن أَومى لَها بِرَواحِ

"الربيع بن ضبع الفزاري"
أَبلِغ أَبا حُمرانَ أَنَّ عَشيرَتي
ناجوا وَلِلنَّفَرِ المُناجينَ التَوى
باعوا جَوادَهُمُ لِتَسمَنَ أُمُّهُم
وَلِكَي يَبيتَ عَلى فِراشِهِمُ فَتى
عِلجٌ إِذا ما اِبتَزَّ عَنها ثَوبَها ...

وَتَخامَصَت قالَت لَهُ ماذا تَرى
لَكِن قَعَيدَةُ بَيتِنا مَجفُوَّةٌ
بادٍ جَناجِنُ صَدرِها وَلَها غِنى
تُقفي بِعيشَةِ أَهلِها مَلبونَةً
أَو جُرشُعاً عَبلَ المَحازِمِ وَالشَوى
مَن كانَ كارِهَ عَيشِهِ فَلَيَأتِنا
يَلقَ المَنِيَّةَ أَو يَؤوبَ لَهُ غِنى
وَلَقَد عَلِمتُ عَلى تَجَنُّبِيَ الرَدى
أَنَّ الحُصونَ الخَيلُ لا مَدَرُ القُرى
راحوا بَصائِرُهُم عَلى أَكتافِهِم
وَبَصيرَتي يَعدو بِها عَتَدٌ وَأى
نَهدُ المَراكِلِ لا يَزالُ زَميلُهُ
فَوقَ الرِحالَةِ ما يُبالي ما أَتى
أَمّا إِذا اِستَدبَرتَهُ فَتَسوقُهُ
رِجلٌ قَموصُ الوَقعِ عارِيَةُ النَسا
أَمّا إِذا اِستَعرَضتَهُ مُتَمَطِّراً
فَتَقولُ هَذا مِثلُ سِرحانِ الغَضا
أَمّا إِذا اِستَقبَلتَهُ فَكَأَنَّهُ
بازٌ يُكَفكِفُ أَن يَطيرَ وَقَد رَأى
إِنّي وَجَدتُ الخَيلَ عِزّاً ظاهِراً
تَنجي مِنَ الغُمّى وَيَكشِفنَ الدُجى

الأسعر الجعفي
أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ
غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ
لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها
فَتُبلِغَ عُذراً وَالمَقالَةُ تُعذِرُ
تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ ...

وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ
وَلا قُربُ نُعمٍ إِن دَنَت
وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ

أَلا أَبلِغ بَنِيَّ بَنِي رَبيعٍ فَأَشرارُ البَنين لكُم فِداءُ
بِأَنِّي قَد كَبرتُ وَدَقَّ عَظمي فَلا تَشغَلكُمُ عَنِّي النِّساءُ
وَإِنَّ كَنائِني لَنِساءُ صِدقٍ وَما آلى بَنيَّ وَلا أَساءوا
إِذا كانَ الشِّتاءُ فأَدفِئونِي فَإِنَّ الشَّيخَ يَهدِمُهُ الشِّتاءُ
وَأَمَّا حينَ يَذهَبُ كُلُّ قر فَسِربالٌ خَفيفٌ أَو رِداءُ...

إِذا عاشَ الفَتَى مائتَينِ عاماً فَقَد ذَهَبَ اللذَاذَةُ وَالفَناءُ

حرب الباسوس هي حرب قامت سنين عددا بين بكر وتغلب وبعد خلاصها بظرف وجيز اقبل بعض التغلبيون الى بكر فستسقوهم فطردوهم وبما ان العرب لايسكتون على هذا يعني ان الحرب في الانتظار ,لكن كرهو ان تعود الحرب ثانيتا فمالو الى الصلح فتحاكموا الى الملك عمر بن هند , فجاء التغلبيون وامرهم الى شاعرهم عمر بن كلثوم اما اهل بكر فامرهم الى الحارث بن حلزة
وعندها وقف عمربن كلثوم فانشد قصيدته التي هي معلقة:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا

وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا
اذا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ
إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ
عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو
وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو
بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا
وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ
وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَـا
وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا
مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَـا
قِفِـي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنـَا
نُخَبِّـرْكِ اليَقِيْـنَ وَتُخْبِرِيْنَـا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً
لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَـا
بِيَـوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْنـاً
أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيْـكِ العُيُوْنَـا
وَأنَّ غَـداً وَأنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ
وَبَعْـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَـا
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ
وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَـا
ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـرٍ
هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـاً
حَصَـاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَـا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَـتْ
رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِيْنَـا
وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا
وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا
وسَارِيَتِـي بَلَنْـطٍ أَو رُخَـامٍ
يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَـا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ
أَضَلَّتْـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِيْنَـا,,,,,,,,
ووقف الحارث بن حلزة فانشد قصيدته التي هي ايضا معلقة:
آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ
رُبَّ ثَـاوٍ يَمَـلُّ مِنهُ الثَّـواءُ
بَعـدَ عَهـدٍ لَنا بِبُرقَةِ شَمَّـاءَ
فَأَدنَـى دِيَـارِهـا الخَلْصَـاءُ
فَالـمحيّاةُ فَالصّفاجُ فَأعْنَـاقُ
فِتَـاقٍ فَعـاذِبٌ فَالوَفــاءُ
فَـريَاضُ القَطَـا فَأوْدِيَةُ الشُـ
ـربُبِ فَالشُعبَتَـانِ فَالأَبْـلاءُ
لا أَرَى مَن عَهِدتُ فِيهَا فَأبْكِي
اليَـومَ دَلهاً وَمَا يُحَيِّرُ البُكَـاءُ
وبِعَينَيـكَ أَوقَدَت هِندٌ النَّـارَ
أَخِيـراً تُلـوِي بِهَا العَلْيَـاءُ
فَتَنَـوَّرتُ نَارَهَـا مِن بَعِيـدٍ
بِخَزَازى هَيهَاتَ مِنكَ الصَّلاءُ
أَوقَدتها بَينَ العَقِيقِ فَشَخصَينِ
بِعُـودٍ كَمَا يَلُـوحُ الضِيـاءُ
غَيرَ أَنِّي قَد أَستَعِينُ على الهم
إِذَا خَـفَّ بِالثَّـوِيِّ النَجَـاءُ
بِـزَفُـوفٍ كَأَنَّهـا هِقَلـةٌ
أُمُّ رِئَـالٍ دَوِيَّـةٌ سَقْفَــاءُ
آنَسَت نَبأَةً وأَفْزَعَها القَنَّـاصُ
عَصـراً وَقَـد دَنَا الإِمْسَـاءُ
فَتَـرَى خَلْفَها مِنَ الرَّجعِ وَالـ
ـوَقْـعِ مَنِيناً كَـأَنَّهُ إِهْبَـاءُ
وَطِـرَاقاً مِن خَلفِهِنَّ طِـرَاقٌ
سَاقِطَاتٌ أَلوَتْ بِهَا الصَحـرَاءُ
أَتَلَهَّـى بِهَا الهَوَاجِرَ إِذ كُـلُّ
ابـنَ هَـمٍّ بَلِيَّـةٌ عَميَــاءُ
وأَتَانَا مِنَ الحَـوَادِثِ والأَنبَـاءِ
خَطـبٌ نُعنَـى بِـهِ وَنُسَـاءُ
إِنَّ إِخـوَانَنا الأَرَاقِمَ يَغلُـونَ
عَلَينَـا فِـي قَيلِهِـم إِخْفَـاءُ
يَخلِطُونَ البَرِيءَ مِنَّا بِذِي الـ
ـذَنبِ وَلا يَنفَعُ الخَلِيَّ الخِلاءُ
زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَن ضَرَبَ العِيرَ
مُـوَالٍ لَنَـا وَأَنَـا الــوَلاءُ....
**بينَ سجنٍ و سجن **
وما السـجنُ إلا بسـجنِ النفوس
وما القـيدُ إلّا اقتــيادُ الضـمير
وما الخطفُ إلا اختطافُ الفؤاد
لتبقى مدى العمرِ عبـداً أَسير...

و إنّ اعتقـالَ العقــولِ اغـيتالٌ
وقتلٌ بعمْــدٍ وجُـرمٌ خــطير
ومــادامَ للحــرِّ روحٌ طلــــيقٌ
فماذا عسى تفعــلوا يا حمـير
فلمْ تحبسوا غيرَ أجسـادِ قـومٍ
وَأرواحُهـم في المعـالي تطـير
ففي السجنِ للحرِّ صـوتٌ يدوّي
كلــيثٍ يخــافون منــه الزئير
و زنــزانةُ العـبدِ دنيــاهُ حتى
و إن كـانَ من غيرِ قـيدٍ يسـير
إذا المـرءُ شـــاءَ الحيـــاةَ بعِـزٍّ
فلا شـيئ يثنـيهِ نحــوَ المسير
ومن يقــبلِ الــذّلَّ يحــيا بِذُلٍّ
وَهُـــونٍ وَدُونٍ فبِئسَ المصـــير
** عبدالمجيد الجميلي **

كَلِفتُ بِلَيلى خَدينِ الشَبابِ *** وَعالَجتُ مِنها زَماناً خَبالا
لَها العَينُ وَالجيدُ مِن مُغزِلٍ *** تُلاعِبُ في القَفَراتِ الغَزالا
كَأَنَّ السُلافَ بِأَنيابِها *** يُخالِطُ في النَومِ عَذباً زُلالا
وَكَيفَ تَذَّكَرُها بَعدَما كَبِرتَ *** وَحلَّ المَشيبُ القَذالا
فَدَع عَنكَ لَيلى وَأَترابَها *** فَقَد تَقطَّعُ الغانِياتُ الوِصالا

أَتَهجُرُ أَم لا اليَومَ مَن أَنتَ عاشَقُهْ
وَمَن أَنتَ مُشتاقٌ إِلَيهِ وَشائِقُه
هْوَمَن أَنتَ طولَ الدَهرِ ذِكرُ فُؤادِهِ
وَمَن أَنتَ في صُرمِ الخَلائِقِ وامِقُهْ
وَرِئمٍ أَحَمِّ المُقلَتَينِ مُوَشَّحٌ ...

زَرابِيُّهُ مَبثوثَةٌ وَنَمارِقُهْ
أَغَنَّ غَضيضِ الطَرفِ عَذبٍ رُضابُهُ
تَعَلَّلُ بِالمِسكِ الذَكِيِّ مُفارِقُهْ
بَذَلتُ لِشَيخَيهِ التِلادَ فَنِلتُهُ
وَما كِدتُ حَتّى سافَ مالي أُوافِقُهْ
وَغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ اِسجَحَ فَاِرتَوى
مِنَ الماءِ حَتّى ضاقَ بِالماءِ طالِقُهْ
أَجَشَّ دَجوجِيٍّ إِذا جادَ جَودَةً
عَلى البيدِ أَوفى وَاِتلِأَبَّت دَوافِقُهْ
مُلِثٍّ فُوَيقَ الأَرضِ دانٍ كَأَنَّهُ
دُجى اللَيلِ أَرسى يَفحَصُ الأَرضَ وادِقُهْ
هَزيمٍ يَسُحُّ الماءَ عَن كُلِّ فِيقَةٍ
مُرِنٍّ كَثيرٍ رَعدُهُ وَبَوارِقُهْ
إذا جَلَّلَت أَعجازَهُ الريحُ جَلجَلَت
تَواليهِ رَعداً فَاِستَهَلَّت رَواتِقُهْ
إِذا ما بَكى شَجواً تَحَيَّرَ مُسمِحٌ
عَلى الجوفِ حَتّى تَتلَئِبَّ سَوابِقُهْ
فأَقلَعَ عِن مِثلِ الرِحالِ تَرى بِهِ
خَناطيلَ أَهمالٍ تَجولُ حَزائِقُهْ
الحارث الحضرمي

يا أَيُّها الحَيُّ الَّذي هُوَ مَيِّتٌ
أَفنَيتَ عُمرَكَ بِالتَعَلُّلِ وَ المُنى
أَمّا المَشيبُ فَقَد كَساكَ رِداؤُهُ
وَ اِبتَزَّ عَن كَفَّيكَ أَثوابَ الصِّبا
خالِف هَواكَ إِذا دَعاكَ لِرَيبَةٍ...

فَلَرُبَّ خَيرٍ في مُخالَفَةِ الهَوى
عَلَمُ المَحَجَّةِ بَيِّنٌ لِمُريدِهِ
وَ أَرى القُلوبَ عَنِ المَحَجَّةِ في عَمى
وَ لَقَد عَجِبتُ لِهالِكٍ وَ نجاتُهُ
مَوجودَةٌ ، وَ لَقَد عَجِبتُ لِمَن نَجا
.
أبو العتاهية

ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلِهِ *** و أخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعَمُ
لا يخدعَنّكَ منْ عدوٍّ دمعُهُ *** و ارحمْ شبابَكَ من عدوٍّ تَرْحَمُ
و الظلمُ من شيمِ النفوسِ فإن تجدْ *** ذا عِفّةٍ فلعلّةٍ لا يظلِمُ
و من البليّةِ عذلُ مَن لا يرعوي *** عن جهلِهِ و خطابُ من لا يفهمُ
و تراهُ أصغرَ ما تراهُ ناطقاً *** و يكونُ أكذبَ ما يكونُ و يقسمُ...

و الذلُّ يُظْهِرُ في الذليلِ مودّةً *** و أودُّ منهُ لمنْ يودُّ الأرْقَمُ
و منَ العداوةِ ما ينالُكَ نفعُهُ *** و منَ الصداقةِ ما يضُرُّ و يؤلمُ
~
~ المتنبي ~

عاتِبُ دَهراً لاَ يلِينُ لعاتبِ
و أطْلُبُ أَمْناً من صُرُوفِ النَّوائِبِ
و تُوعِدُني الأَيَّامُ وعْداً تَغُرُّني
...
و أعلمُ حقّاً أنّهُ وعدُ كاذبِ
خَدَمْتُ أُناساً وَ اتَّخَذْتُ أقارباً
لِعَوْنِي وَ لَكِنْ أصْبَحُوا كالعَقارِبِ
يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبةٍ
و عندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ !
و لولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم
و لا خَضعتْ أُسدُ الفَلا للثَّعالبِ
ستذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحتْ
تجولُ بها الفرسانُ بينَ المضاربِ
فإنْ هُمْ نَسَوْني فالصَّوَارمُ و القَنا
تذكّرهمْ فِعْلي و وقعَ مضاربيِ
فيَا لَيْتَ أَنَّ الدَّهْرَ يُدني أَحبَّتي
إليَّ كما يدني إليَّ مصائبيِ !
و لَيْتَ خيالاً مِنكِ يا عبلَ طارقاً
يرى فيضَ جفني بالدُّموعِ السّواكبِ
سأَصْبِرُ حَتَّى تَطَّرِحْني عَواذِلي
و حتّى يضجَّ الصَّبرُ بين جوانبيِ
مقامكِ في جوِّ السّماءِ مكانهُ
وَ باعِي قَصيرٌ عَنْ نوالِ الكَواكِبِ
.
عنترة بن شدّاد
إذا لعبَ الغرامُ بكلَّ حرَّ ... حَمِدْتُ تجلُّدي وشَكَرْتُ صبري
وفضلتُ البعادَ على التداني ... وأخفيت الهوى وكتمت سرِّي
ولا أُبْقي لعذَّالي مجالا ...ً ولا أشْفي العدُوَّ بهتْكِ سِتْري
...
عرَكْتُ نَوائِبَ الأَيام حتى ... عرفتُ خيالها منْ حيثُ يسري
وذلَّ الدَّهر لمَّا أن رآني ... أُلاقي كلَّ نائبة ٍ بصدري
وما عابَ الزَّمانُ عليّ لوْني ... ولا حَطّ السوادُ رفيع قَدري
سموتُ إلى العلا وعلوتُ حتى ... رأَيتُ النَّجمَ تَحتي وهو يجري
وقَوماً آخرين سَعَوا وعادُوا ... حيارى ما رأوا أثراً لأثري
عنترة بن شداد
لَعوبٌ بِألبابِ الرِّجالِ كأنَّها --- إذا أسْفَرَتْ بدرٌ بدا في المحاشِدِ
شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعادَ وَما بِها --- سوىٰ فَتْرةِ العينينِ سقمٌ لِعائِدِ
مِنَ البيضِ لا تَلقاكَ إلَّا مَصونةً --- وَتمشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ
كأنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّةً --- علىٰ نحرِها منظومةٌ في القلائِدِ
مُنعَّمةُ الأطرافِ خودٌ كأنَّها --- هلالٌ علىٰ غُصْنٍ مِنَ البانِ مائِدِ...

حوىٰ كلَّ حُسنٍ في الكواعبِ شَخصها --- فليسَ بِها إلَّا عيوبُ الحواسِدِ
.
.
عنترة بن شدَّاد

إذا قلَّ مالُ المرءِ قلَّ بَهَاؤُهُ
وضاقتْ عليه أَرْضُهُ وسماؤُهُ
وأصبحَ لا يدري وإنْ كان حازِمًا
أَقُدَّامُه خيرٌ له أم وراؤُهُ
ولم يمشِ في وجهٍ مِن الأرضِ واسِعٍ ...

مِن الناسِ إلا ضاقَ عنه فَضَاؤُهُ
فإنْ غابَ لم يَشْتَقْ إليه صَديقُهُ
وإنْ آبَ لم يفرحْ به أَصْفِياؤُهُ
وإنْ ماتَ لم يَفْقِدْ وَليٌّ ذَهَابَهِ
وإنْ عاشَ لم يَسْرُرْ صديقًا لِقَاؤُهُ
‫#‏طرفة_بن_العبد‬..

ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ،
وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها،
تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا ...

مرّ السّحابة ِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاساً إذا انصَرَفَتْ
كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ليستْ كمنْ يكره الجيرانُ طلعتها،
ولا تراها لسرّ الجارِ تختتلُ
يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا،
إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
إذا تُعالِجُ قِرْناً سَاعة ً فَتَرَتْ،
وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَة ٌ
إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
صدّتْ هريرة ُ عنّا ما تكلّمنا،
جهلاً بأمّ خليدٍ حبلَ من تصلُ؟
أأنْ رأتْ رجلاً أعشى أضر بهِ
رَيبُ المَـنُونِ ، وَدَهْـرٌ مفْـنِدٌ خَبِلُ
‫#‏الأعشى‬..

هَلْ عند غانٍ لِفؤادٍ صَدِ
من نَهلة ٍ في اليومِ أو في غَدِ
يَجزي بها الجازونَ عنِّي ولو
يمنعُ شربى لسقتني يدى
قاتلْ: ألا لا يشترى ذاكمُ ...

إلاّ بما شِئنا ولم يوجدِ
إلاّ بِبَدرَيْ ذَهَبٍ خالِصٍ
كلَّ صباحٍ آخرَ السند
منْ مالِ منْ يجني ويجنى لهُ
سبعونَ قنطاراً منَ المسجدِ
أو مائة ٌ تُجعَلُ أولادُها
لَغْواً وعُرضُ المائة ِ الجلمَدُ
إذْ لمْ أجدْ حبلاً لهُ مرَّة
ٌ إذْ أنا بين الخلِّ والأوبدِ
حتَّى تُلُوفِيتُ بِلَكِّيَّة
ٍ معجمة ِ الحاركِ والموقدِ
تعطيكَ مشياً حسناً مرَّة
ً حثَّكَ بالمرودِ والمحصدِ
في بَلدة ٍ تَعزِفُ جَنَّاتُها
ناوٍ كَرأسِ الفَدَّنِ المُؤْيَدِ
مُكْرَبَة ٍ أَرْساغُها جَلْمَدِ
كأنما أوبُ يديها إلى
حَيزومِها فوقَ حَصى الفَدْفَدِ
نوحُ أبنهِ الجونِ على هالكٍ
تَندُبُهُ رافِعَة َ المِجْلَدِ
كلَّفتها تهجيرَ داويَّة
ٍ منْ بعدِ شأوى ْ ليلها الأبعدِ
في لاحبٍ تعزفُ جنَّانهُ

تكادُ إذ حُرِّكَ مِجدافُها
لا يرفعُ السَّوطَ لها راكبٌ
إذا المَهارى خَوَّدَت في البَدِ
تَسْمَعُ تَعْزافاً لهُ رَنَّة
ٌ في باطِنِ الوادي وفي القَرْدَدِ
كأنَّها أسفعُ ذو جدَّة
ٍ يمسدهُ الوبلُ وليلٌ سدِ
ملمَّمعُ الخدَّينِ قد أردفتْ
أكرعهُ بالزَّمعِ الأسودِ
كأنَّما ينظرُ في برقغ
من تحتِ رَوقٍ سَلِبِ المِذوَدِ
ضمَّ صماخيهِ لنكرَّبة
ٍ من خَشيَة ِ القانِصِ والموسَدِ
وانتصبَ القلبُ لتقسيمهِ
أمراً فَريقَينِ وَلم يَبلُدِ
يتبعهُ في إثرهِ واصلٌ
مثلُ رشاءِ الخلبِ الأجردِ
تَنحَسِرُ الغَمرَة ُ عَنْه كما

في بلدة ٍ تعزف جنَّانها
فيها خَناطيلُ من الرُّوَّدِ
قاظَ إلى العليا إلى المنتهى
مُستَعرِضَ المَغربِ لم يَعضُدِ
فذاكمُ شبهَّتهُ ناقتي
مُرتَجِلاً فيها ولم أعتَدِ
بالمربأ المرهوبِ أعلامهُ
بالمُفرِعِ الكاثِبَة ِ الأكبَدِ
لمَّا رأى فاليهِ ما عندهُ
أعجبَ ذا الرَّوحة ِ والمغتدى
كالأجدلِ الطَّالب رهوَ القطا
مُستَنْشِطاً في العُنُقِ الأَصْيَدِ
يجمعُ في الوكرِ وزيماً كما
يجمعُ ذو الوفضة ِ في المزودِ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثقب العبدي

يقول ذو اﻷصبع العَدْوَانيّ :
ليَ ابن عمٍٍّ على ما كان من خُلُق ... مُحاسِدٌ ليَ أقليه ويَقْلِيني
أزْرَى بنا أنّنا شالتْ نعامتُنا ... فخالني عُونهَ أو خِلْتُه دوني
...
يا عمرو إلا تَدَعْ شَتْمي ومَنقصتي ... أضربْك حتى تقول الهامةُ اسقوني
ماذا عَلَيّ وإن كنتم ذَوِي رَحَمِي ... أن لا أُحبَّكُم إن لم تُحبوني
لا أسألُ الناس عما في ضمائرهم ... ما في ضَمِيري لهم من ذاك يكْفيني
من روائع مجنون ليلى
ولقد هممتُ بقتلها من أجلها ... كيما تكون خصيمتى فى المحشرِ
حتى يطول على الصراطِ وقوفُنا ... فتلذّ منها مُقلتاى بمنظرِ
ثم ارتجعت فقلت روحى روحها ... لما هممتُ بقتلها لم أقدرِ

المرءُ يأملُ أن يَعيشَ، و طولُ عيشٍ قد يضرهْ
تفنى بشاشتهُ ، ويبقى ، بعدَ حلوِ العيشِ ، مرهْ
وتَخونُهُ الأيّامُ، حتَى لا يَرَى شيئاً يَسُرّهْ
كَم شامتٍ بي، إن هلكتُ، و قائلٍ : للهِ درهْ
ــــــــــــــــــــــــــــــ...

النابغــــة الذبيانــــي

من روائع ‫#‏امرؤ_القيس‬ ..
وليل كموج البحر أرخى سدولهُ ** عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بصلبه ** وأردَف أعجازاً وناءَ بكلْكلِ
ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي ** بصُبْحٍ وما الإصْباحُ مِنك بأمثَلِ
فيا لكَ من ليلْ كأنَّ نجومهُ ** بكل مغار الفتل شدت بيذبلِ...

كأن الثريا علِّقت في مصامها ** بأمْراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ

تقول الشاعرة ‫#‏الخرنق_بنت_بدر‬ تمدح قومها :
لا يَبعَدَن قَومي الَّذينَ هُمُ ** سُمُّ العُداةِ وَآفَةُ الجُزرِ
النازِلونَ بِكُلَّ مُعتَرَكٍ ** وَالطَيَّبونَ مَعاقِدَ الأُزرِ
الضارِبونَ بِحَومَةٍ نَزَلَت ** وَالطاعِنونَ بِأَذرُعٍ شُعرِ
وَالخالِطون لُجَينَهُم بِنُضارِهِم ** وَذَوي الغِنى مِنُهم بِذي الفَقرِ...

إِن يَشَربوا يَهَبوا وَإِن يَذَروا ** يَتَواعَظوا عَن مَنطِقِ الهُجرِ
قَومٌ إِذا رَكِبوا سَمِعتَ لَهم ** لَغَطاً مِنَ التَأييِه وَالزَجرِ
مِن غَير ما فُحشٍ يَكونُ بِهِم ** في مُنتَجِ المُهُرات وَالمُهر
لاقَوا غَداةَ قُلابَ حَتفَهُمُ ** سَوقَ العَتيرِ يُساقُ لِلعَترِ
هَذا ثَنائي ما بَقَيتُ لَهُم ** فَإِذا هَلَكتُ أَجَنَّني قَبري

أتاني طَيْفُ عبْلة َ في المَنامِ ** فقبَّلني ثلاثاً في اللثامِ
وودَّعني فأودعني لهيباً ** أستّرُهُ ويَشْعُلُ في عِظامي
ولو أنني أخْلو بنفْسي ** وأطفي بالدُّموع جوى غرامي
لَمتُّ أسى ً وكم أشْكو لأَني ** وأطْفي بالدُّموع جَوى غَرامي
أيا ابنة َ مالكٍ كيفَ التَّسلّي ** وعهدُهواك من عهدِ الفِطام...

وكيفَ أرُومُ منْكِ القُرْبَ يوْماً ** وحولَ خباكِ آسادُ الإجام
وحقِّ هواكِ لا داوَيْتُ قلبي ** بغيرِ الصبر يا بنتَ الكرام
إلى أنْ أرتقي درجَ المعالي ** بطعن الرُّمح أو ضربِ الحسام
أنا العبدُ الذي خُبّرْتِ عنه ** رَعيْتُ جِمالَ قوْمي منْ فِطامي
أروحُ من الصَّباح الى مغيبٍ ** وأرقُدُ بينَ أطْنابِ الخِيامِ
أذِلُّ لعبْلة ٍ منْ فَرْطِ وجْدي ** وأجعلها من الدُّنيا اهتمامي
وأمْتثِلُ الأَوامرَ منْ أَبيها ** وقد مَلكَ الهوى مني زمامي
رضيتُ بحبّها طوْعاً وكُرْهاً ** فهلْ أحظى بها قبلَ الحمام
وإنْ عابتْ سوادي فهو فخري ** لأني فارسٌ من نسل حام
ولي قلْبٌ أشَدُّ منَ الرّواسي ** وذكري مثلُ عرْفِ المسْكِ نام
ومنْ عَجبي أَصيدُ الأُسْد قَهْراً ** وأَفتَرسُ الضَّواري كالهوَام
وتقنصني ظبا السَّعدي وتسطو **عليَّ مها الشَّرِبَّة ِ والخُزام
لَعَمْرُ أبيكَ لا أَسْلو هَواها ** ولو طحنتْ محبَّتها عظامي
عليْكِ أَيا عُبيْلة ُ كلَّ يوْمٍ ** سلامٌ في سلامِ في سلامِ
‫#‏عنترة‬..
نبئتُ أنَّ النارَ بعدكَ أوقدتْ
وَاستبَّ بعدكَ يا كليبُ المجلسُ
وَتكلموا في أمرِ كلَّ عظيمة
لوْ كنتَ شاهدهمْ بها لمْ ينبسوا
وَ إذا تشاءُ رأيتَ وجهاً واضحاً ...

وَذِرَاعَ بَاكِيَة ٍ عَلَيْهَا بُرْنُسُ
تبكي عليكَ وَ لستُ لائمَ حرة
تَأْسَى عَلَيْكَ بِعَبْرَة ٍ وَتَنَفَّسُ
‫#‏المهلهل_بن_ربيعة‬..

أَعاذِلَتي أَلا لا تَعذِليني"
"فَكَم مِن أَمرِ عاذِلَةٍ عَصَيتُ

دَعيني وَاِرشُدي إِن كُنتُ أَغوى"
"وَلا تَغوَي زَعَمتِ كَما غَوَيتُ

...
أَعاذِلَ قَد أَطَلتِ اللَومَ حَتّى"
"لَوَ أَنّي مُنتَهٍ لَقَدِ اِنتَهَيتُ

وَصَفراءِ المَعاصِمِ قَد دَعَتني"
"إِلى وَصلٍ فَقُلتُ لَها أَبَيتُ

وَزِقٍّ قَد جَرَرتُ إِلى النَدامى"
"وَزِقٍّ قَد شَرِبتُ وَقَد سَقَيتُ

وَحَتّى لَو يَكونُ فَتى أُناسٍ"
"بَكى مِن عَذلِ عاذِلَةٍ بَكيتُ

أَلا يا بَيتُ بِالعَلياءِ بَيتُ"
"وَلَولا حُبُّ أَهلِكَ ما أَتَيتُ

أَلا يا بَيتُ أَهلُكَ أَوعَدوني"
"كَأَنّي كُلَّ ذَنبِهِمِ جَنَيتُ

إِذا ما فاتَني لَحمٌ غَريضٌ"
"ضَرَبتُ ذِراعَ بَكري فَاِشتَوَيتُ

‫#‏السموأل‬..
إِرفَع ضَعيفَكَ لا يُحِر بِكَ ضَعفُه"
"يَوماً فَتُدرِكَهُ العَواقِبُ قَد نَما

يَجزيكَ أَو يُثني عَلَيكَ وَإِنَّ مَن "
" أَثنى عَلَيكَ بِما فَعَلتَ فَقَد جَزى

...
‫#‏السموأل‬..
يقول الشاعر الجاهلي ‫#‏لقيط_بن_يعمر_الأيادي‬ ناصحا قومه :
يا لهفَ نفسي إن كانت أموركم
شتى َّ، وأُحْكِمَ أمر الناس فاجتمعا

...
وأنتمُ تحرثونَ الأرضَ عن سَفَهٍ
في كل معتملٍ تبغون مزدرعا

اشروا تلادكم في حرز أنفسكم
وحِرْز نسوتكم، لا تهلكوا هَلَعا

ولا يدعْ بعضُكم بعضاً لنائبة ٍ
كما تركتم بأعلى بيشة َ النخعا

اذكوا العيون وراء السرحِ واحترسوا
حتى ترى الخيل من تعدائهارُجُعا

فإن غُلبتم على ضنٍّ بداركم
فقد لقيتم بأمرِ حازمٍ فَزَعا

لا تلهكم إبلُ ليست لكم إبلُ
إن العدو بعظم منكم قَرَعا

هيهات لا مالَ من زرع ولا إبلٍ
يُرجى لغابركم إن أنفكم جُدِعا

لا تثمروا المالَ للأعداء إنهم
إن يظفروا يحتووكم والتّلاد معا

والله ما انفكت الأموال مذ أبدُ
لأهلها أن أصيبوا مرة ً تبعا

يا قومُ إنَّ لكم من عزّ أوّلكم
إرثاً، قد أشفقت أن يُودي فينقطعا
ومايَرُدُّ عليكم عزُّ أوّلكم
أن ضاعَ آخره، أو ذلَّ فاتضعا

فلا تغرنكم دنياً ولا طمعُ
لن تنعشوا بزماعٍ ذلك الطمعا

قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم
ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا

فقلدوا أمركم لله دركم
رحبَ الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفاً إن رخاءُ العيش ساعده
ولا إذا عضَّ مكروهُ به خشعا

مُسهّدُ النوم تعنيه ثغوركم
يروم منها إلى الأعداء مُطّلعا

وليس يشغَله مالٌ يثمّرُهُ
عنكم، ولا ولد يبغى له الرفعا

إذّ عابه عائبُ يوماً فقال له:
دمّث لجنبك قبل الليل مضطجعا

فساوروه فألفوه أخا علل
في الحرب يحتبلُ الرئبالَ والسبعا

عبلَ الذراع أبياً ذا مزابنة ٍ
في الحرب لا عاجزاً نكساً ولا ورعا

مستنجداً يتّحدَّى الناسَ كلّهمُ
لو قارعَ الناسَ عن أحسابهم قَرَعا

هذا كتابي إليكم والنذير لكم
لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل
فاستيقظوا إن خيرَ العلم ما نفع

يقول ‫#‏عنترة‬ مفاخرا :
وإني عزيزٌ الجار في كلِّ موطن ** وأُكرم نفْسي أنْ يهونَ مقامي
هجرت البيوت المشرفاتِ وشاقني ** بريق المواضى تحت ظلّ قتام
...
سأرحل عنْكم لا أزور دياركم ** وأقصدها في كلِّ جنح ظلام
وأطْلب أعدائي بكل سمَيذع ** وكل هزبرٍ في اللقاء همام
مُنِعتُ الكَرى إن لم أَقدْها عوابساً ** عليها كرامٌ في سروج كرام
أَلاَ غنيّا لي بالصّهيل فإنَّه ** سَماعي ورَقْراقُ الدماءِ نِدامي
وحطَّا على الرَّمضاءِ رحلي فإنها ** مقيلي وإخفاقُ البنودِ خيامي
ولا تذْكرا لي طيبَ عيْش فإنما ** بلوغُ الأّماني صحَّتي وسقامي
وفي الغزو ألقى أرغدَ العيش لذَّة ً** وفي المجدِ لا في مشربٍ وطعام
فماليَ أرضى الذُّلَّ حظّاً وصارمي ** جريءٌ على الأعناق غير كهام
ولي فرسٌ يحْكي الرِّياح إذا جرى ** لأبعدِ شأو من بعيد مرام
يجيبُ إشاراتِ الضَّمير حساسة ً ** ويغنيكَ عن سوطٍ لهُ ولجام
علّقتها عرضاً، وعلقتْ رجلاً ** غَيرِي، وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ
وَعُلّقَتْهُ فَتَاة ٌ مَا يُحَاوِلُهَا، ** مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذي بها وَهلُ
وَعُلّقَتْني أُخَيْرَى مَا تُلائِمُني،** فاجتَمَعَ الحُبّ حُبّاً كُلّهُ تَبِلُ
فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بصَاحِبِهِ، ** نَاءٍ وَدَانٍ، وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ
قالتْ هريرة ُ لمّا جئتُ زائرها: ** وَيْلي عَلَيكَ، وَوَيلي منكَ يا رَجُلُ...

يا مَنْ يَرَى عارِضا قَد بِتُّ أرْقُبُهُ، ** كأنّمَا البَرْقُ في حَافَاتِهِ الشُّعَلُ‫#‏الأعشى‬..

علمونــــــا زمـــــــــان :
ربابة ربة البيت*** تصب الخل في الزيت
لها سبع دجاجاتٍ*** وديكاً حسن الصوت

...
لكن لم يعلمونا الأبيات التالية :
فقبلتـها تسعاً وتسعين قبلة *** وواحدة أخرى وكنت على عجل
وعانقتــها حتـى تقطــع عقـدها *** وحتى لآلي الطوق من جيدها انفصل
كأن لآلي العقد لما تناثرت *** ضياء مصابيحٍ تطايرن من شعل
وما بعض الإقامةِ في ديارٍ ... يهانُ بها الفتى إلاَّ بلاءُ
يريد المرءُ أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما يشاءُ
وكلُّ شديدة نزلتْ بقومٍ ... سيأتي بعد شدتها رخاءُ
...
فلا يعطى الحريص غنى لحرص ... وقد ينمي على الجودِ الثراء
غني النفس ما عمرتْ غنيّ ... وفقر النفس، ما عمرت شقاء
وليس بنافعٍ ذا البخلِ مالٌ ... ولا مزر بصاحبه السخاء
وبعض الداء ملتمس شفاهُ ... وداء النوك ليس له شفاء
‫#‏قيس_بن_الخطيم‬..
صَحِبَ النّاسُ قَبلَنا ذا الزّمَانَا ... وَعَنَاهُمْ مِن شأنِهِ مَا عَنَانَا
وَتَوَلّوْا بِغُصّةٍ كُلّهُمْ مِنْــهُ ... وَإنْ سَرّ بَعْضَهُمْ أحْيَانَا
رُبّمَا تُحسِنُ الصّنيعَ لَيَالِيــهِ ... وَلَكِنْ تُكَدّرُ الإحْسَانَا
وَكَأنّا لم يَرْضَ فينَا برَيْبِ ... الــدّهْرِ حتى أعَانَهُ مَنْ أعَانَا
وَمُرَادُ النّفُوسِ أصْغَرُ من أنْ ... تَتَعَادَى فيهِ وَأنْ تَتَفَانَى...

غَيرَ أنّ الفَتى يُلاقي المَنَايَا ... كالِحَاتٍ وَلا يُلاقي الهَوَانَا
وَلَوَ أنّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَي ٍّ ... لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّجْعَانَا
وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ ... فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا
كلّ ما لم يكُنْ من الصّعبِ في ... الأنــفُسِ سَهْلٌ فيها إذا هوَ كانَا

صَحا القَلبُ من ذِكْرَى قُتَيلَة َبعدما ** يَكُونُ لهَا مِثْلَ الأسِيرِ المُكَبَّلِ
يجولُ وشاحاها على أخمصيهما، ** إذا انْفَتَلَتْ جالاً عَلَيها يُجَلْجِلُ
فقدْ كملتْ حسناً فلا شيءَ فوقها، ** وإني لذو قولٍ بها متنخَّلِ
...
وقدْ علمتْ بالغيبِ أني أحبها ** وأنّي لنفسي مالكٌ في تجملِ
وَإني إذا مَا قُلْتُ قَوْلاً فَعَلْتُهُ، ولستُ بمخلافٍ لقولي مبدِّلِ
تَهَالَكُ حَتى تُبْطِرَ المَرْءَ عَقْلَهُ ** وَتُصْبي الحَليمَ ذا الحِجى بالتّقَتّلِ
إذا لبستْ شيدارة ً ثمّ أبرقتْ ** بمِعْصَمِهَا، وَالشّمْسُ لمّا تَرَجّلِ
وألوتْ بكفٍّ في سوارٍ يزينها ** بنانٌ كهدّابِ الدِّمقسِ المفتَّلِ
رَأيْتَ الكَرِيمَ ذا الجَلالَة ِ رَانِياً ** وقدْ طارَ قلبُ المستخفّ المعدَّلِ
‫#‏الأعشى‬..
نبئتُ أنَّ النارَ بعدكَ أوقدتْ *** وَ استبَّ بعدكَ يا كليبُ المجلسُ
وَتكلموا في أمرِ كلَّ عظيمة ٍ *** لوْ كنتَ شاهدهمْ بها لمْ ينبسوا
وَإذا تشاءُ رأيتَ وجهاً واضحاً *** وَذِرَاعَ بَاكِيَة ٍ عَلَيْهَا بُرْنُسُ
...
تبكي عليكَ وَ لستُ لائمَ حرة ٍ *** تَأْسَى عَلَيْكَ بِعَبْرَة ٍ وَتَنَفَّسُ
‫#‏المهلهل_بن_ربيعة‬..
مَنْ يطلبِ الدّهرُ تُدرِكْهُ مخالبُهُ،
والدّهرُ بالوِترِ ناجٍ، غيرُ مطلوبِ
ما من أناسٍ ذوي مجدٍ ومكرمة ٍ
، إلاّ يشدّ عليهم شدة َ الذيبِ
حتى يبيدَ ، على عمدٍ ، سراتهمُ ، ...

بالنافذاتِ منَ النبلِ المصاييبِ
إني وجدتُ سِهامَ الموتِ مُعرِضَة
ً بكلّ حتفٍ، من الآجالِ، مكتوبِ
‫#‏النابغة_الذبياني‬..
****************

وَلَيسَ بِنافِعٍ ذا البُخلِ مالٌ
وَلا مُزرٍ بِصاحِبِهِ السَخاءُ
وَبَعضُ الداءِ مُلتَمَسٌ شِفاهُ
وَداءُ النوكِ لَيسَ لَهُ شِفاءُ
يَوَدُّ المَرءُ ما تَعِدُ اللَيالي ...

وَكانَ فَناؤُهُنَّ لَهُ فَناءُ
كَذاكَ الدَهرُ يَصرِفُ حالَتَيهِ
وَيُعقِبُ طَلعَةَ الصُبحِ المَساءُ
فَإِنَّ الضَغطَ قَد يَحوي وِعاءً
وَيَترُكُهُ إِذا فَرَغَ الوِعاءُ
وَما مُلِئَ الإِناءُ وَشُدَّ إِلّا
لِيُخرِجَ ما بِهِ اِمتَلَأَ الإِناءُ
‫#‏قيس_بن_الخطيم‬..

كَلِفتُ بِلَيلى خَدينِ الشَبابِ *** وَعالَجتُ مِنها زَماناً خَبالا
لَها العَينُ وَالجيدُ مِن مُغزِلٍ *** تُلاعِبُ في القَفَراتِ الغَزالا
كَأَنَّ السُلافَ بِأَنيابِها *** يُخالِطُ في النَومِ عَذباً زُلالا
وَكَيفَ تَذَّكَرُها بَعدَما كَبِرتَ *** وَحلَّ المَشيبُ القَذالا
فَدَع عَنكَ لَيلى وَأَترابَها *** فَقَد تَقطَّعُ الغانِياتُ الوِصالا...

‫#‏المسيب_بن_علس‬..

وَإِنّي لَأُعطي الحَقَّ مَن لَو ظَلَمتُهُ
أَقَرَّ وَأَعطاني الَّذي أَنا طالِبُ
وَآخُذُ حَقّي مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ
وَإِن كَرُمَت أَعراقُهُم وَالمَناسِبُ
‫#‏الأفوه_الأودي‬.....
*************

فَيَا جَارَتِي وأنْتِ غَيْرُ مُلِيمَة ٍ*** إذا ذُكِرَتْ ولا بِذَاتِ تَقَلَّتِ
لَقَدْ أعْجَبَتْنِي لا سَقُوطاً قِنَاعُها *** إذا مَشَتْ ولا بِذَاتِ تَلَفُّتِ
تَبيتُ، بُعَيْدَ النَّوْمِ، تُهْدِي غَبُوقَها *** لِجَارتِها إذا الهَدِيَّة ُ قَلَّتِ
تَحُلُّ، بِمَنْجاة ٍ مِنَ اللَّوْمِ، بَيْتَها *** إذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّة ِ حُلَّتِ
كأنّ لها في الأرْضِ نِسْيا تَقُصُّهُ *** على أمُهِّا وإنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ...

أمَيْمَة ُ لا يُخزي نَثَـاها حَلِيلَها *** إذا ذُكِرَ النّسْوَانُ عَفَّتْ وَجَلَّتْ
إذَا هُوَ أمْسَى آبَ قُرَّة َ عَيْنِهِ *** مَآبَ السَّعِيدِ لم يَسَلْ: أينَ ظَلَّتِ
فَدَقَّتْ،وَجَلَّتْ،واسْبَكَرَّتْ،وأُكْمِلَتْ ***فَلَوْ جُنَّ إنْسَانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ
‫#‏الشنفرى‬..

حتى الكلابَ اذا رأت ذا ثروةٍ ... خضعت لديهِ وحركت اذنابها
واذا رأت يـومــــاً فقـيراً عابراً ... نـبحت عليهِ وكشرت انيابها
وفي أرضِ الحِجازِ خِيامُ قَوْمٍ *** حلال الوصل عندهم حرام
وبينَ قبابِ ذاكَ الحيِّ خَوْدٌ *** رداحٌ لا يماط لها لثام
لها من تحت برْقُعِها عيونٌ *** صِحاحٌ حَشْو جَفْنيها سَقامُ
...
وبينَ شِفافها مِسْكٌ عَبيرٌ *** وكافورٌ يمازجهُ مُدام
فما للبدر إنْ سفرتْ كمالٌ *** وما للغصنٍ إنْ خطرتْ قوام
يلذُّ غرَامُها والوجدُ عِندي *** ومنْ يعْشَقْ يلَذ له الغرامُ
‫#‏عنترة‬..
يخوضُ الشَّيْخُ في بَحْر المنايا******ويرْجعُ سالماً والبَحْرُ طامِ
ويأْتي الموْتُ طِفلاً في مُهودٍ*******ويلقى حتفهُ قبلَ الفطام

مَوّلاي إنّي ببابك قَد بَسطتُ يَدي..
مَن لي ألوذ به إلاك يا سَندي؟

أقُوم بالليّل و الأسّحار سَاجيةٌ
أدّعُو و هَمّسُ دعائي.. بالدموع نَدى

...
بنُور وجهك إني عائذ و جل..
ومن يعذ بك لَن يَشّقى إلى الأبد..

أدّعوك يَاربّ فأغّفر ذلّتي كَرماً..
و أجّعَل شفيع دعائي حُسن مُعتَقدّي

و أنّظُر لحالي..في خَوّف و في طَمع..
هَلّ يرحم العَبّد بعد الله من أحد؟


" زهدك في راغبٍ فيك نقصان حظ ٍ، ورغبتك في زاهدٍ فيك ذل نفسٍ

يَمّمْتُ شَاسِعَ دارِهِمْ عَنْ نيّةٍ .. إنّ المُحِبّ عَلى البِعادِ يَزُورُ
وقَنِعْتُ باللّقْيا وأوّلِ نَظْرَةٍ .. إنّ القَليلَ مِنَ الحَبيبِ كَثيرُ

أبو الطيب المتنبي
وَمَا صَبابَةُ مُشْتاقٍ على أمَلٍ __ مِنَ اللّقَاءِ كمُشْتَاقٍ بلا أمَلِ
وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ __ أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ
خُذْ ما تَراهُ وَدَعْ شَيْئاً سَمِعْتَ بهِ __ في طَلعَةِ البَدرِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِ
...
تُمسِي الأمانيُّ صَرْعَى دونَ مَبْلَغه __ فَمَا يَقُولُ لشيءٍ لَيتَ ذلكَ لي
المتنبي
فخْرُ الرِّجالِ سلاسلٌ وَقيُودُ __ وكذا النساءُ بخانقٌ وعقودُ
و اذا غبارالخيل مد رواقة __ سُكْري بهِ لا ما جنى العُنْقودُ
يادهرُ لا تبق عليَّ فقد دنا __ ما كنتُ أطلبُ قبلَ ذا وأريد
...
فالقتْلُ لي من بعد عبْلة َ راحَة ٌ __ والعَيشُ بعد فِراقها منكُودُ
يا عبْلَ! قدْ دنتِ المَنيّة ُ فاندُبي __ ان كان جفنك بالدموع يجود
يا عبلَ! إنْ تَبكي عليَّ فقد بكى __ صَرْفُ الزَّمانِ عليَّ وهُوَ حَسُودُ
يا عبلَ! إنْ سَفكوا دمي فَفَعائلي __ في كل يومٍ ذكرهنّ جديد
لهفى عليك اذا بقيتى سبية __ تَدْعينَ عنْترَ وهوَ عنكِ بعيدُ
ولقد لقيتُ الفُرْسَ يا ابْنَة َ مالكِ __ وجيوشها قد ضاق عنها البيد
وتموجُ موجَ البحرِ إلا أنَّها __ لاقتْ أسوداً فوقهنَّ حديد
جاروا فَحَكَّمْنا الصَّوارمَ بيْننا __ فقَضتْ وأَطرافُ الرماحِ شُهُود
يا عبلَ! كم منْ جَحْفلٍ فرَّقْتُهُ __ والجوُّ أسودُ والجبالُ تميدُ
فسطا عليَّ الدَّهرُ سطوة َ غادرٍ __ والدَّهرُ يَبخُلُ تارة ويجُودُ
.

عنترة بن شداد
أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ
وَأَعجَبُ مِن ذا الهَجرِ وَالوَصلُ أَعجَبُ...

أَما تَغلَطُ الأَيّامُ فيَّ بِأَن أَرى
بَغيضًا تُنائي أَو حَبيبًا تُقَرِّبُ

يُضاحِكُ في ذا العيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ
حِذائي وَأَبكي مَن أُحِبُّ وَأَندُبُ

أَحِنُّ إِلى أَهلي وَأَهوى لِقاءَهُمْ
وَأَينَ مِنَ المُشتاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ

المتنبي..
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ .. بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ .. فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي .. شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما .. أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني .. هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ...

إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً .. وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ .. أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ

لَحى اللـه الفِراقَ ولاَ رَعاهُ
فَكَمْ قدْ شَكَّ قلبي بالنّبال

أُقاتِلُ كلَّ جبَّارٍ عَنيدٍ
ويَقْتُلْني الفِراقُ بلا قِتالِ

الشاعر علقمة الفحل
فإنْ تَسألوني بالنِّساء فإنَّني *** بصيرٌ بأدواءِ النِّساء طبيبُ
إذا شاب رأسُ المَرْءِ أو قَلَّ مالهُ *** فليس له من وُدِّهِنَّ نصيبُ
...
يُرِدْنَ ثَراءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَهُ *** وشرْخُ الشَّباب عنْدَهُنَّ عجيبُ

أشدُّ الجِهَادِ جهادُ الهوى__ومَا كرَّمَ المرءَ إلاَّ التُّقَى
وأخلاَقُ ذِي الفَضْلِ مَعْرُوفة ٌ__ ببذلِ الجمِيلِ وكفِّ الأذَى
وكُلُّ الفَكَاهاتِ ممْلُولة ٌ __ وطُولُ التَّعاشُرِ فيهِ القِلَى
...
وكلُّ طريفٍ لَهُ لَذَّة ٌ__ وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلَى
ولاَ شَيءَ إلاَّ لَهُ آفَة ٌ __ وَلاَ شَيْءَ إلاَّ لَهُ مُنْتَهَى
وليْسَ الغِنَى نشبٌ فِي يَدٍ __ ولكنْ غِنى النّفس كلُّ الغِنى
وإنَّا لَفِي صُنُعِ ظَاهِرٍ __ يَدُلّ على صانعٍ لا يُرَى
أبو العتاهية
فارس الحرب والحب عنترة..
ما بالُ عيْنِكَ لا تملُّ من البُكا *** رمدٌ بعينكَ أمْ جفاكَ كراها
يا صاحبي قفْ بالمطايا ساعة ً *** في دَار عبْلة سائلاً مغْناها
...
أم كيفَ تسأل دمنة ً عادية َ *** سفت الجنوبُ دمائها وثراها
يا عبلَ قد هامَ الفُؤَادُ بذِكْركم *** وأرى ديوني ما يحلُّ قضاها
يا عَبلَ إنْ تبكي عليَّ بحُرْقَة ٍ *** فلطالما بكتِ الرجالُ نساها
يا عَبْلَ إني في الكريهة ِ ضَيْغَمٌ *** شَرسٌ إذا ما الطَّعْنُ شقَّ جباها
وسلي الفوارس يخبروكِ بهمتي *** ومواقفي في الحربِ حين أطاها
وأزيدها من نار حربي شعلة ً*** وأثيرها حتى تدورَ رحاها
وأكرُّ فيهم في لهيب شعاعها *** وأكون أوَّل وافدٍ يصلاها
وأكون أول ضاربٍ بمهندٍ *** يفري الجماجمَ لا يريدُ سواها
وأكون أولَّ فارسٍ يغشى الوغى *** فأقود أوَّل فارسِ يغْشاها
إن في الصدر من كُلَيْب شجونا* هَاجِسَاتٍ نَكَأْنَ مِنْهُ الْجِرَاحَا
أَنْكَرَتْنِي حَلِيلَتِي إذْ رَأَتْنِي* كاسفَ اللونِ لاَ أطيقُ المزاحا
وَلَقَدْ كُنْتُ إِذْ أُرَجِلُ رَأْسِي* ما أبالي الإفسادَ وَ الإصلاحا
...
بئسَ منْ عاشَ في الحياة ِ شقيا* كاسفَ اللونِ هائماً ملتاحا
يَا خَلِيلَيَّ نَادِيَا لِي كُلَيْباً* وَ اعلما أنهُ ملاقٍ كفاحا
يَا خَلِيلَيَّ نَادِيا لِي كُلَيْباً* وَاعْلَمَا أَنَّهُ هَائِماً مُلْتَاحَا
يَا خَلِيلَيَّ نَادِيَا لِي كُلَيْباً* قبلَ أنْ تبصرَ العيونَ الصباحا
لَمْ نَرَ النَّاسَ مِثْلَنَا يَوْمَ سِرْنَا* نسلبُ الملكَ غدوة ً وَ رواحا
وَضَرَبْنَا بِمُرْهَفَاتٍ عِتَاقٍ* تتركُ الهدمَ فوقهنَّ صياحا
تَرَكَ الدَّارَ ضَيْفُنَا وَتَوَلَّى* عَذَرَ الله ضَيْفَنَا يَوْمَ رَاحَا
ذهبَ الدهرُ بالسماحة ِ منا* يا أذى الدهرِ كيفَ ترضى الجماحا
ويحَ أمي وَ ويحها لقتيلٍ* مِنْ بَنِي تَغْلِبٍ وَوَيْحاً وَوَاحَا
يَا قَتِيلاً نَمَاهُ فَرْعٌ كَرِيمٌ* فقدهُ قدْ أشابَ مني المساحا
كيفَ أسلو عنِ البكاءِ وَ قومي* قَدْ تَفَانَوْا فَكَيْفَ أَرْجُو الْفَلاَحَا
‫#‏المهلهل‬ بن ربيعة الزير
كَمْ يُبْعِدُ الدَّهْرُ مَنْ أَرْجُو أُقارِبُهُ __ عنِّي ويبعثُ شيطاناً أحاربهُ
فيالهُ من زمانٍ كلَّما انصرفتْ __ صروفهُ فتكتْ فينا عواقبهُ
دَهْرٌ يرَى الغدْرَ من إحدَى طبَائِعهِ __ فكيْفَ يَهْنا بهِ حُرٌّ يُصَاحِبُهُ
...
جَرَّبْتُهُ وَأنا غِرٌّ فَهَذَّبَني __ منْ بَعْدِما شَيَّبَتْ رَأْسي تجَاربُهُ
وَكيْفَ أخْشى منَ الأَيَّامِ نائِبة ً __ وَالدَّهْرُ أهْونُ مَا عِنْدي نَوائبُهُ
كم ليلة ٍ سرتُ في البيداءِ منفرداً __ واللَّيْلُ لِلْغَرْبِ قدْ مالت كوَاكبُهُ
سيفي أنيسي ورمحي كلَّما نهمتْ __ أسدُ الدِّحالِ إليها مالَ جانبهُ
وَكمْ غدِيرٍ مَزجْتُ الماءَ فيهِ دماً __ عندَ الصَّباحِ وراحَ الوحش طالبهُ
يا طامعاً في هلاكي عدْ بلا طمعٍ __ ولا تردْ كأسَ حتفِ أنت شاربهُ
لوحة شعرية لــ(عنترة بن شداد)
 

الاثنين، 18 أبريل 2016

السرد والعضوية في لامية الشنفرى

لامية الشنفرى

تحليل وتذوق


مقدمة

تتخذ هذه الدراسة من "لامية العرب" للشنفرى نموذجا للكشف عن الظواهر اللغوية والاجتماعية والنفسية والفنية في شعر الصعاليك، هذه الظواهر التي تنتظم شعر صعاليك العرب الجاهليين أمثال عروة بن الورد والسليك بن السلكة، ولكن الباحث اختار "لامية العرب" لأنها قصيدة طويلة نقلت كاملة، خلاف شعر الصعاليك -ومنهم الشنفرى- الذي نقل مقطوعات متناثرة، بالإضافة لما تحتله من مكانة بارزة جعلتها من "أقوى القصائد الجاهلية، بل إنها تزاحم المعلقات وإن لم تكن منها، وهي من حيث الشهرة وعناية العلماء بها ترتفع إلى منزلة لامية كعب بن زهير (بانت سعاد) التي أنشدها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، دون أن تُعتمد في شهرتها مرتكزا دينيا كقصيدة كعب، بل بلغت ما بلغته بفضل ما فيها من جودة شعرية ووفرة المادة اللغوية التي أغرت العلماء بشرحها"[1]. كما أن لامية العرب جمعت ما يحويه شعر الصعاليك من مظاهر شعرية، لذا فهي غنية بما تحتاجه الدراسة من مواد.

ولا يُعرف سبب تسميتها بـ "لامية العرب"، فهناك قصائد لامية نسبت لشعراء جاهليين عديدين مثل عنترة وزهير وكعب، ولكن ربما أطلق على لامية الشنفرى هذا الاسم لأنها عبّرت أشد تعبير عن حياة العرب الجاهلية بما فيها من ظروف وأخلاق وطباع.

وقد لقيت "لامية العرب" اهتماما بالغا من طرف الشارحين والمحققين، "وتعتبر من أشهر قصائد الشنفرى، بل هي من أشهر ما أبدع الشعراء العرب قديما وحديثا، وشهرتها الأدبية واللغوية بلغت الآفاق، كما لقيت اهتماما بالغا من طرف المستشرقين، فأكبوا عليها يدرسونها ويترجمونها إلى لغات أوروبية مختلفة؛ لأنهم وجدوا فيها صورة متقنة لحياة الأعراب في الجزيرة العربية، فكان اهتمامهم بها لغرض اجتماعي، كما كان اهتمام العرب بها لغرض لغوي، بالإضافة لما تحويه من فنية الصور وجمالية الوصف ودقة التعبير وصدق العواطف وغيرها من جماليات الإبداع الأدبي"[2].

توثيق اللامية ونسبتها للشنفرى
تعرضت اللامية - مثلها مثل أشعار الجاهليين - للتشكيك "فذهب معظم الرواة إلى أنها للشنفرى، وقال ابن دريد إنها لخلف الأحمر"[3]، ومعلوم أن خلف الأحمر ممن اتُّهموا بنحل الشعر، فلعل ابن دريد يقصد أنه نحلها للشنفرى، وشكك بعض المستشرقين مثل "كرنكو" في اللامية بحجة أنها تفتقر لذكر أسماء المواضع والأعلام كما هي عادة الشعراء الجاهليين، بيد أن تحليلنا للقصيدة يثبت أن شعر الصعاليك ذو طبيعة خاصة تختلف عن غيره من الأشعار كما سيأتي آنفا، فلا يتعلق بمثل هذا الرأي في الشك في كون القصيدة جاهلية. "ورجح يوسف خليف كفة الشك في صحة نسبتها للشنفرى، واعتمد في ذلك على ثلاثة أشياء: الأول أن ابن دريد نسبها لخلف الأحمر ومعلوم أن ابن دريد قريب عهد بخلف! والثاني إغفال أبي الفرج الأصفهاني ذكر اللامية إغفالا تاما رغم كثرة روايته لشعر الشنفرى، وأن لسان العرب حاد عن الاستشهاد بها رغم كثرة إيراد شعر الصعاليك. والثالث أن اللامية طويلة طولا غير مألوف في شعر الصعاليك الذي كان مقطعات متناثرة، إلى جانب قلة الاضطراب في رواية ألفاظها وفي ترتيب أبياتها، وهي ظاهرة غير مألوفة في شعر الصعاليك"[4].

ويبدو الضعف شديدا في آراء يوسف خليف، إذ إنه لم يستقص الأمور جيدا في آرائه، فقد ذكر أن "لسان العرب" لم يورد شيئا من اللامية في استشهاداته، رغم وجودها فيه، فقد وردت ثلاثة أبيات من القصيدة هي:
ولا جُبَّأٍ أكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ
يُطَالِعُها في شَأْنِهِ كَيْفَ يَفْعَلُ
أَو الخَشرَمُ المَبعوثُ حَثحَثَ دَبرَهُ
مَحابيضُ أَرداهُنَّ سامٍ مُعَسَّلُ
وأصْبَحَ عَنّي بالغُمَيْصَاءِ جَالساً
فَرِيقَانِ: مَسْئُولٌ وَآخَرُ يَسْألُ
 
كما أن إغفال الأصفهاني لا يعني أن الأصفهاني أورد كل ما وجد من الأشعار العربية القديمة، فقد فاتته أشعار كثيرة بالتأكيد، وإن كان ابن دريد نسبها لخلف الأحمر فقد نسبه معظم الرواة إلى الشنفرى، فلماذا لم يأخذ برأي الأغلب؟! أما طول القصيدة وقلة الاضطراب في روايتها فنراه ميزة اجتمعت في القصيدة أدى لتميزها ولا يعني بالضرورة نحلها، إذ إن كثيرا من الشعر المنحول مضطرب في روايته!

وقد أورد الدكتور إميل بديع يعقوب في تحقيقه لديوان الشنفرى عدة أسباب تصرخ بنسبة اللامية للشنفرى صراخا يخرس من شكك فيها، منها:
1- كثرة العلماء القدامى والمحدثين الذين نسبوها إليه.
2- تصوير اللامية للبيئة العربية الصحراوية القاحلة.
3- كون اللامية جاهلية العواطف والقالب.
4- ورود اسم "الشنفرى" في القصيدة:
فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أمُّ قَسْطَلٍ
لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْوَلُ


5- في بعض أبياتها جواز نعهده في الشعر الجاهلي من إبدال "مفاعلن" الأولى أو الثالثة من البحر الطويل بـ "فاعيلن"، وهو جواز لا نجده في الشعر الإسلامي لتحولهم عن طريقة الجاهليين في الإنشاد.

6- عدم التصريع في البيت الأول منها، ولعل عادة التصريع لم تكن متبعة في زمن الشنفرى، فتكون القصيدة من أقدم الشعر الجاهلي.

7- ما فيها من صدق العاطفة ودقة التصوير وروعته يبعدها عن النحل.

ويقول المستشرق جورج يعقوب:
"إن موطن هذه القصيدة هو تلك المرابع في جنوب مكة بين الجبال التي تقع في شمال اليمن حيث مضارب الأزد قبيلة شاعرنا، إنني لا أفهم كيف يستطيع المرء أن ينكر هذه القصيدة التي تتنفس بعبير الصحراء، وترسم جاهلية العرب بكل نقاء، وتصور حياة رجل حمل أحقادا أورثته إياها مظالم الناس، وعقوق الأخوة، وجور العدالة، ويعزوها إلى رجل من بين أولئك اللغويين الذين يقتلون وقتهم جدلا في إعراب جملة صغيرة"[5].

ومهما يكن من شيء فإن ما يعنينا في دراستنا ما تحويه القصيدة من صور فنية وإبداعية استطاع بها الشاعر أن يعبر عن فكرته ورؤيته للحياة، ومن ثم نكشف الأسباب الكامنة خلف وصول هذه القصيدة لما وصلت إليه من مكانة جعلتها تزاحم أقوى القصائد الجاهلية.

من هم الصعاليك؟
إن شخصية ناظم القصيدة تلعب دورا مهما فيما تتصف به من خصائص؛ لذا نلقي الضوء على طبيعة الصعاليك وبيئتهم في نظرة سريعة؛ لنستبين بها طبيعة المؤثرات البيئية والنفسية التي أفرزت لنا الخصائص الشعرية في هذه القصيدة الرائعة، فضلا عن شاعر مثل الشنفرى.

الصعاليك قوم من العرب طردتهم قبائلهم فلم تفتح لهم ذراعيها، إما بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائلالتي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية، أو من أبناءالحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شراً والشنفرى‏.

وجدير بالذكر في هذه الدراسة أن نلقي الضوء على مفهوم الصعلكة وتعريف واسع للصعاليك ونشأتهم كإضاءة للدراسة التي نحن بصددها.

فالصعلكة -لغةً- مأخوذة من قولهم: "تصعلكت الإبل" إذاخرجت أوبارها وانجردت. ومن هذا الأصل اللغوي أصبح الصعلوك هو الفقير الذي تجرد منالمال، وانسلخ من جلده الآدمي ودخل في جلد الوحوش الضارية!

وقد حدد الدكتور شوقي ضيف معنى "الصعلوك" لغة بأنه"الفقير الذي لا يملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة"، مؤكداً أن هذهاللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية وأخذت معاني أخرى كقطّاع الطرق الذينيقومون بعمليات السلب والنهب.

وقسّم الصعاليك إلى ثلاثة أقسام:
1- فئة الخلعاء الشذاذ وهم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية.

2- فئة أبناءالحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شراً والشنفرى.

3- فئة ليست من الخلعاء ولا أبناء الإماء الحبشيات، بل هي مجموعة احترفتالصعلكة احترافا وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التيكانوا يقومون بها، وقد يكونون أفرادا مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك، وقد يكونون قبائل مثل قبيلتي هذيل وفهم[6].

ونجد في أشعار هؤلاء الصعاليك ترديد صيحات الفقر والجوع والحرمان، كما كانوا ناقمين وثائرين على الأغنياء والأشحاء، وامتازوا بالشجاعة والصبر وقوة البأس والمضاء وسرعة العدو، وقد ضرب بهم المثل في شدة العدو حتى قيل: "أعدى من السليك" و "أعدى من الشنفرى".

وكانت غاراتهمتتركز في المناطق الخصبة، وترصد قوافل التجارة وقوافل الحجاج القاصدة مكة المكرمة، وكثيرا ما تغنّوا بكرمهم وبرّهم بأقاربهم؛ لأن ما يحصلون عليه كان يوزع على الأهل والأقارب المحتاجين، كما اتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو والشعور بالكرامة في الحياة[7].

وكانوا يفخرون بأنهم لا يتعرضون في غاراتهم وغزواتهم للأسياد الشرفاء، وإنماللأغنياء الأشحاء، وهذا المبدأ تمثله سيد الصعاليك عروة بن الورد.

كما عرف عن هؤلاء الصعاليك اعتزازهم بأنفسهم، وهذا الاعتزاز نابع من مدى قناعتهم بالفعل الذي يقومون به، يقول الشنفرى:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل‏

 
ومن أشهر الصعاليك عروة بن الورد، والسليك بن السلكة، وتأبط شراً، والشنفرى، والحارث بن ظالم المري، وقيس بن الحدادية، وحاجز بن عوف الأزدي، وأبو منازل السعدي، والخطيم بن نويرة وقد عاش في صدر الإسلام وربما أدرك أوائل العصر الأموي، والقتال الكلابي فضالة بن شريك الأسدي، وصخر الغي من هذيل توفي في صدر الإسلام، والأعلم الهذلي وهو أخو الشاعر الصعلوك صخر الغي وقد عاش حتى عصر صدر الإسلام، وحماد الراوية.

وإذا كان الأصل اللغوي لهذه الكلمة يقع في دائرة الفقر، فإن الصعلكة في الاستعمال الأدبي لا تعني الضَّعف بالضرورة، إذ إن الصعاليك تمردوا على سلطة القبيلة وثاروا على الظلم والقمع والقهر والاستلاب الذي تمارسه القبيلة على طائفة من أفرادها، ومما لا شك فيه أن هناك عوامل أدت إلى بروز ظاهرة الصعلكة في الصحراء العربية إبَّان العصر الجاهلي.

"فالعامل البيئي الذي أدى إلى بروز هذه الظاهرة يتمثل في قسوة الصحراء وشُحِّهابالغذاء إلى درجة الجوع الذي يهدد الإنسان بالموت، وإذا جاع الإنسان إلى هذهالدرجة فليس من المستغرب أن يتصعلك ويثور ويقتل.

والعامل السياسي يتمثل فيوحدة القبيلة القائمة على العصبية ورابطة الدم، فللفرد على القبيلة أن تحميه وتهرع لنجدته حين يتعرض لاعتداء، ولها عليه في المقابل أن يصون شرفها ويلتزم بقوانينها وقيمها وأن لا يجر عليها جرائم منكرة. وفشل الفرد في الوفاء بهذه الالتزامات قد يؤدي إلى خلعه والتبرؤ منه، ومن هنا نجد طائفة من الصعاليك تُسمى "الخلعاء والشذاذ".

ومن الناحية الاجتماعية، نجد أن التركيبة القبلية تتشكل من ثلاث طبقات هي طبقة الأحرار الصرحاء من أبناء العمومة، وطبقة المستجيرين الذين دخلوا في القبيلة من قبائل أخرى، ثم طبقة العبيد من أبناء الإماء الحبشيات. والحقيقة أن مجموعة كبيرة من الصعاليك هم من أبناء هذه الطبقة المستلبة التي ثار الأقوياء من أفرادها لكرامتهم الشخصية مثل الشنفرى وتأبط شرًا وعمرو بن برَّاقة والسليك بن السلكة وعامر بن الأخنس وغيرهم. وكان يُطلق عليهم أغربة العرب أو الغِرْبان تشبيهًا لهم بالغراب لسواد بشرتهم.

أما العامل الاقتصادي، فيعزى إلى أن حياة القبيلة في العصرالجاهلي كانت تقوم على النظام الإقطاعي الذي يستأثر فيه السادة بالثروة، في حين كان يعيش معظم أفراد الطبقات الأخرى مستخدَمين أو شبه مستخدمين. فظهر من بين الأحرار أنفسهم نفر رفضوا أن يستغل الإنسان أخاه الإنسان، وخرجوا على قبائلهم باختيارهم لينتصروا للضعفاء والمقهورين من الأقوياء المستغلين، ومن أشهر هؤلاء عُروة بن الورد الملقب بأبي الصعاليك أو عروة الصعاليك".


شعر الصعاليك
"شعر الصعاليك مصطلحٌ يصف ظاهرة فكرية نفسية اجتماعية أدبية لطائفة من شعراء العصر الجاهلي، عكس سلوكهم وشعرهم نمطا فكريا واجتماعيا مغايرا لما كان سائدًا في ذلك العصر، ويمثل الصعاليك من الناحية الفنية خروجا جذريا عن نمطية البنية الثلاثية للقصيدة العربية، فشعرهم معظمه مقطوعات قصيرة وليس قصائد كاملة. كما أنهم، في قصائدهم القليلة، قد استغنوا في الغالب عن الغزل الحسي وعن وصف الناقة. ويحل الحوار مع الزوجة حول حياة المغامرة محل النسيب التقليدي في بعض قصائدهم. وتمثل نظرتهم المتسامية إلى المرأة موقفا يتخطى حسية العصر الجاهلي الذي يقف عند جمال الجسد ولا يتعداه إلى رؤية جمال المرأة في حنانها ونفسيتها وخُلقها.

وعلى الرغم من أن مقاصد شعر الصعاليك كلها في تصوير حياتهم وما يعتورها من الإغارة والثورة على الأغنياء وإباحة السرقة والنهب ومناصرة الفقراء، فإنه اهتم بقضايا فئة معينة من ذلك العصر، يرصد واقعها ويعبِّر عن همومها ويتبنى مشكلاتها وينقل ثورتها النفسية العارمة بسب ما انتابها من ظلم اجتماعي".

الشنفرى ولاميته

هو ثابت بن أوس بن الحجر الأزدي، توفي عام 70 قبل الهجرة (525م)، وهو صعلوك جاهلي مشهور من قبيلة الأزد اليمنية، ويعني اسمه (غليظ الشفاه)، ويدل على أن دماء حبشية كانت تجري فيه. نشأ في قبيلة "فهم" بعد أن تحولت إليها أمه بعد أن قتلت الأزد والده، ويرجح أنه خص بغزواته بني سلامان الأزديين ثأراً لوالده وانتقاما منهم، وكان الشنفرى سريع العدو لا تدركه الخيل حتى قيل: "أعدى من الشنفرى"، وكان يغير على أعدائه من بني سلامان برفقة صعلوك فتّاك هو تأبط شراً وهو الذي علمه الصعلكة، وقد عاش الشنفرى في البراري والجبال وحيداً حتى ظفر به أعداؤه فقتلوه قبل 70 عاما من الهجرة النبوية[8].

ولا ريب أن العوامل البيئية والاجتماعية قد أثرت على الشنفرى وبدا ذلك واضحا في شعره فضلا عن لاميته، تلك القصيدة التي تبدو فيها ملامح الصعلكة من ثورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت في بيئته آنذاك، والغربة التي يشعر بها كل صعلوك عاش في بيئته، كما نجد فيها مفاخرته بنفسه وبأخلاقه وشجاعته.

"ومن خلال الروايات عن شخصية الشنفرى وظروفه نرى فيه شخصية فذة في عدة نواح، في قوة الإرادة إلى درجة غير مألوفة، ومن أمثلة ذلك تصميمه على قتل مائة رجل من بني سلامان وإنفاذ عزمه، وفي قوة تركبيه الجسمي ومن أمثلة ذلك أنه كان يسبق الخيل في عدوه، وفي قوة عقليته وعمق تفكيره ومن أمثلة ذلك أنه كما كانوا يصفونه كان يضرب به المثل في الحذق والدهاء، وقد شاءت الظروف لهذه المواهب أن تعيش في أسوأ ظروف اجتماعية، أبرزها أنه مجرد أسير ذليل لا يملك حتى حريته، بل ازدادت الظروف قسوة عليه حين تعرض لحوادث اضطهاد وإذلال من بني سلامان حين تطلعت نفسه إلى الارتباط بإحدى فتياتهم، فاتجه إلى الصعلكة حتى كان من أبرز الصعاليك وأشهرهم على الإطلاق، صابا سخطه ونقمته على كل الناس ممثلين في بني سلامان. وخلال وحدته وتشرده في الصعلكة قال هذه اللامية، وهي ثمانية وستون بيتا، فجاءت القصيدة مطابقة كل المطابقة لشخصيته بما فيها من مقومات، وعقليته بما فيها من عمق ونضوج، وظروفه بما فيها من قسوة وجفاف، حتى كانت القصيدة مرآة صقيلة نرى فيها الشنفرى وحياته بوضوح"[9].

المنهج الشعري لدى الصعاليك من خلال دراسة اللامية

"حين ننظر في شعر الصعاليك نجد في نفوسنا إحساسا بأن موضوع القطعة الشعرية فيه ليس غرضا مقصودا لذاته، وحين نحاول البحث عن الغرض المقصود نجد أنه دائما ينتهي إلى شيء واحد هو شخصية الصعلوك نفسها وحياته، فقد يتحدث الصعلوك مثلا عن الفقر، وقد يتحدث عن السلاح، وقد يتحدث عن الوحوش، وقد يتحدث عن الناس، ولكننا نحس أنه لا يتحدث عن شيء من ذلك لذاته، فلا يتحدث عن الفقر من حيث آثاره وملابساته لذاتها، وإنما يتحدث عنه من زاويته هو، وعن موقفه منه وتأثره به، فيتحدث عن البيئة مثلا فيصف ليلة شديدة البرد أو يوما شديد الحر أو وحوشا ترود من حوله أو أعداء يرصدونه متربصين به، ولكنه لا يتحدث عن شيء ذلك حديث الوصف فحسب، وإنما يتحدث عن مثل هذه الأشياء من زاويته هو، ومن حيث ارتباطه بها في مزاولة الصعلكة وتأثره بها"[10].

ففي حديثه عن الوحوش يقول الشنفرى:
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ
 
فهو ينسب الذئب والنمر والضبع لنفسه، إذ اتخذهم أصدقاء بدلا من أهله الذين نبذوه، يأتمنهم على سره، ويراهم مساندين له إذ لا يؤخذ الجاني منهم بشيء حسب شريعة الغاب!

فهو لا يتبع أسلوب شعراء الجاهلية المعتاد في الوصف كغرض شعري مقصود لذاته، وإنما من زاوية ارتباط الشيء المتناول بشخصه هو في مزاولته الصعلكة.

"وكذلك نراه يرسم لوحة فنية لإحدى ليالي الشتاء في الصحراء، نرى السماء في هذه اللوحة يتساقط منها المطر، ونرى الأرض قد ابتلت رمالها فأصبحت مرحلة، ونرى فيما بين السماء والأرض بردا قارسا بالغ القسوة، ونرى في هذه اللوحة صعلوكا حائرا بين مطر السماء ووحل الأرض وبرد ما بينهما، وحاصرته هذه العوامل، فاستبد به الجوع حتى بلغ أقصاه، واستبد به الخوف حتى بلغ أقصاه، حتى ظل جسمه كله يرتعد وحتى دفعه هذا البرد إلى تحطيم قوسه التي يزود بها عن حياته الوحوش والمخاطر فيوقدها هي ونصالها ليستدفئ بهن ويدفع عن جسمه هذا البرد الشنيع"[11].

وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها
وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ
دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي
سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
"هذه لوحة بديعة يمكن أن تستوعب قصيدة كاملة في غرض مقصود لذاته، ولكننا نجد الشنفرى لا يسوق هذا الوصف كموضوع أو غرض مقصود، وإنما يسوقه عرضا في خلال حديثه عن المتاعب والمخاطر الجسيمة التي يتغلب عليها بقوة عزمه وإرادته فيجتازها حتى يبلغ هدفه من غاراته على أعدائه، فليس هذا الوصف هو المقصود، وإنما المقصود أنه لا يرده عن عزمه شيء"[12].

ونجد الشنفرى يلجأ لذكر محاسنه يتغنى بها في القصيدة، وذلك لما يشعر به الصعلوك من نبذ وازدراء من الناس، فيلجأ لحيل الدفاع النفسي، فيسرد محاسنه بشكل متواصل في القصيدة محاولا دفع أي شبهة تثار حول أخلاقه إن كان يُظَنّ أنها السبب في نبذه:

وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَلَ المُتَفَضِّلُ
وَأغْدو خَمِيصَ البَطْن لا يَسْتَفِزُّني
إلى الزَادِ حِرْصٌ أو فُؤادٌ مُوَكَّلُ

كما نلحظ تضخم الأنا لدى الشاعر، إذ نجده يستخدم ضمير المتكلم بصورة لافتة، وما ذلك إلا توكيد لما يسرده من محاسن له.

ويتحدث الشنفرى عن عفته في تناول الطعام مع القوم وعدم حرصه على الزاد، وهنا مفارقة مضحكة، إذ إن الذي تقوم حياته على السلب والنهب يستبعد عنه العفة كما يقول هو:

طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ
عَقِيرَتُهُ لأِيِّها حُمَّ أَوَّلُ
تَنَامُ إذا مَا نَامَ يَقْظَى عُيُونُها
حِثَاثَاً إلى مَكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
 
إذ يؤكد أنه مطارد من أقوام كثيرين كلهم يطلب قتله ويتقامرون على لحمه إن ظفروا به، ويتّم أولادا ورمل نساء، ومثل هذا يستبعد عنه العفة والجشع عن الزاد! وهو ما يدل على ما تعانيه نفسه من مشاعر متناقضة وجدل ما بين نظرته لنفسه ونظرة الناس إليه.

ونجد أن رؤيته للناس قاتمة يشوبها الاستعلاء، إذ إنه استغنى عنهم بحيوانات الصحاري كالنمر والضبع واتخذهم أهلا له:

وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ
 
بل اتخذ أدوات الصيد والقتال كالسيف والقوس التي يحملها أصحابا يرى فيهم الفائدة عن غيرهم من البشر الذين يسيئون إليه:

وَإنّي كَفَانِي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَى ولا في قُرْبِهِ مُتَعَلَّلُ
ثَلاَثَةُ أصْحَابٍ: فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْرَاءُ عَيْطَلُ
هَتُوفٌ مِنَ المُلْسَ المُتُونِ تَزِينُها
رَصَائِعُ قد نِيطَتْ إليها وَمِحْمَلُ
إذا زَلَّ عنها السَّهْمُ حَنَّتْ كأنَّها
مُرَزَّأةٌ عَجْلَى تُرنُّ وَتُعْوِلُ
 
وإذا جئنا للوصف فإن "فمن يقرأ وصف الذئب والقطا في لامية الشنفرى يجد أنه إبداع حقيقي، بل إبداع من نوع خاص سلك فيه الشاعر مسلكا متميزا عن سابقيه ينم عن خبرة بحيوانات الصحراء وطيورها وعن تفاعل الشاعر معها"[13].

"فقد جاءت صورة الذئب والقطا في معرض تفاعل الشنفرى وحيوانات البيئة الصحراوية وطيورها وتمثيله للصراع القائم في الصحراء عن طريق جعلهما شريكين له في صراعه وكذلك إبراز شجاعته وقدرته الفائقة على التحدي والتغلب على الصعاب بإظهار نفسه أسرع من الذئب مرة وأسرع من القطا مرة ثانية"[14].

فنلمس في علاقته بالذئب مسألة التكامل بين الطرفين المتحابين، فهما في الهمّ سواء، كما يستخدم في وصفه عدة أسماء له فهو سيد عملس وأزل، كاهتمام العرب بإطلاق أكثر من مسمى على الحيوانات التي لها مكانة مميزة عندهم:

وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيدِ كما غَدَا
أَزَلُّ تَهَادَاهُ التنَائِفَ أطْحَلُ
غَدَا طَاوِياً يُعَارِضُ الرِّيحَ هَافِياً
يَخُوتُ بأَذْنَابِ الشِّعَابِ ويُعْسِلُ
فَلَما لَوَاهُ القُوتُ مِنْ حَيْثُ أَمَّهُ
دَعَا فَأجَابَتْهُ نَظَائِرُ نُحَّلُ
مُهَلَّلَةٌ شِيبُ الوُجُوهِ كأنَّها
قِدَاحٌ بأيدي ياسِرٍ تَتَقَلْقَلُ
أوِ الخَشْرَمُ المَبْعُوثُ حَثْحَثَ دَبْرَهُ
مَحَابِيضُ أرْدَاهُنَّ سَامٍ مُعَسِّلُ
مُهَرَّتَةٌ فُوهٌ كَأَنَّ شُدُوقَها
شُقُوقُ العِصِيِّ كَالِحَاتٌ وَبُسَّلُ
فَضَجَّ وَضَجَّتْ بالبَرَاحِ كأنَّها
وإيّاهُ نُوحٌ فَوْقَ عَلْيَاءَ ثُكَّلُ
وأغْضَى وأغْضَتْ وَاتَّسَى واتَّسَتْ به
مَرَامِيلُ عَزَّاها وعَزَّتْهُ مُرْمِلُ
شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ
وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ
وَفَاءَ وَفَاءَتْ بَادِراتٍ وَكُلُّها
على نَكَظٍ مِمَّا يُكَاتِمُ مُجْمِلُ
 
فهو يخرج لطلب القوت مثل الذئب الذي دعا أصحابه ليشاركوه البحث عنه، "وواضح أن الشاعر أسقط على الذئب كل ما يجيش في نفسه، إذ كان بلوغ القوت هو أمنيته التي تهيئ له الحياة الكريمة والاستقرار في ظل عشيرة وأهل ينعم في الحياة معهم، وهو غير قادر على تحقيق ذلك بدون الذئب السريع الذي يوصله إلى الزاد عبر المفاوز المقفرة والمسافات الطويلة، لذا صور الذئب بهذه الصورة ليحقق لنفسه الغاية المنشودة"[15].

"فاستطاع الشاعر أن يصنع علاقة معاناة وتشرد وخوف وضياع بينه وبين الذئب، إذ إنه بوجود الأهل والقوت يتحقق الرخاء والاستقرار والأمن، وغيابهما يدخله في دائرة البؤس والشقاء ورفض الواقع المعيش، والبحث عن واقع بديل من وجهة نظر الشاعر هو أفضل مما هو كائن، وهذا ما أشقى الشاعر وأضناه، إذ إنه حاول الخروج من دائرة الأهل والعشيرة واللجوء إلى عالم آخر يتكامل معه" وهو عالم الحيوان:

وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ
 
وهذا يذكرنا بقول الشاعر:
 
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
 
ونجد صورة القطا تدلنا على مثل هذا التكامل، إذ نجد الشاعر يسقط مشاعره وأحاسيسه وحالته النفسية على هذا الطائر:

وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَاً أحْنَاؤها تَتَصَلْصَلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَا وأسْدَلَتْ
وشَمَّرَ مِنِّي فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ
فَوَلَّيْتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُو لِعُقْرِهِ
يُبَاشِرُهُ منها ذُقُونٌ وَحَوْصَلُ
كأنَّ وَغَاها حَجْرَتَيْهِ وَحَوْلَهُ
أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ
تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيْهِ فَضَمَّهَا
كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ
فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
 
فهو عندما يطلب الماء يتتبع القطا حيث تذهب إليه فيسبقها لسرعة عدوه المشهورة عند الصعاليك، فترد القطا بعده وتشرب سؤره، فجموع القطا تشعر بما يشعر به من العطش، فيتسابقان إلى الماء.

فالشاعر عند حديثه عن "الذئب وعشيرته وكذلك حديثه عن أسراب القطا يحكي لنا مشاعره وأحاسيسه، فعندما يشبه نفسه بالذئب فهذا يعني أنه يتحدث عن نفسه، إذ جعل حديثه عن الذئاب مجالا للإفصاح عن تجربته الشعورية، وبانتقاله إلى الحديث عن القطا يظهر لنا قدرته الفائقة على العدو، وهو بذلك يريد أن يبرر سمة الصراع من أجل الماء وهي هاجس البدوي في الصحراء، وهي أيضا نزعة وجدانية لدى الشاعر تأتت غليه حين هجر قومه فوجد لدى الحيوانات البديل والمستراح.

التعبيرات الفنية
إذا تتبعنا التعبيرات الفنية التي استخدمها الشنفرى ليبث ما يدور بداخله من آلام وشعور بالغربة، فسنجد ارتفاعا في النضج الفني لديه، وإن ابتعد عن الاستقصاء في وصف مال يدور بداخله، إذ يكتفي بالإشارات السريعة التي تجعلنا نعمل الذهن في استخلاص فنيتها، فقد بدأ قصيدة بالنداء صارخا في قومه الذين شعر منهم بالنبذ ولم يجد منهم ما تصبوا إليه نفسه:

أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ
وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ
 
واختار هذه الصلة "صلة الأمومة"؛ لأنها أقرب الصلات إلى العاطفة والمودة التي يفتقدها الصعلوك طريد الصحاري، "وذلك ليرميهم بالفضيح ويسجل عليهم بالقبيح؛ لأن الأم شأنها الحنوّ والشفقة، وأولادها من شأنهم المحبة والتراحم، وقد خرجوا معه من حيز التصافي إلى حيز التنافي"[16].

ويتناص هذا البيت مع بيت عروة بن الورد يستنفر قومه للإغارة على القوافل:

أقيموا بني لبنى صدور ركابكم
فكل منايا النفس خير من الهزل[17]


بيد أن الغرض يختلف، فعروة يستنفر قومه ليتبعوه ويلتزموه في طريق الإغارة، وهو ما يقصده بإقامة الصدور، أما الشنفرى فغرضه من إقامة الصدور تنبيه قومه ليقوموا من أخلاقهم معه إذ اضطرته معاملتهم إلى هجرهم، أو يقصد استعدادهم لرحيله عنهم أو أنه لا مقام لهم بعد رحيله.


ونلحظ في اللامية البعد عن المقدمة الطللية أو الغزلية التي يتميز بها الشعر الجاهلي، ويرى الدكتور يوسف خليف أن السبب في ذلك جنوح الصعاليك إلى الوحدة الموضوعية في شعرهم ومقطعاتهم، إذ المقدمات الطللية تخل بهذه الوحدة الموضوعية[18]، ولكني أرى السبب هو الشعور النابع عنه الاستهلال، ذلك أن الشعور الذي ينتاب الشعراء الجاهليين - غير الصعاليك - هو الحنين للماضي أو للمحبوبة أو للديار.. أما الأزمة النفسية التي يعيشها الصعلوك فهي الشعور بالنبذ الاجتماعي والفقر، لذا فهو يبدأ قصائده بالحديث عن هذا كما يبدو من مقدمة "اللامية" محل الدراسة.

ونظرا لنزوع الصعلوك للبعد عن المجتمع وعزوفه عنه إلى حياة الإغارة والنهب جعلته يتحلل من الولاء للقبيلة فلا نجد اعتزازه بهم مثلما هو الحال في الشعر الجاهلي "لأن ما بينه وبين عشيرته انقطع، فلم تعد له قبيلة، وإنما أصبح شعره صورة صادقة من حياته هو"[19].
لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئٍ
سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ

والأرض واسعة سواء لصاحب الحاجات والآمال أم للخائف، بشرط أن يكون عاقلا متزنا بصيرا بالأمور، فطلب الآمال والتهرب مما يخاف منه يتطلب الحكمة والتعقل، خاصا لمن كان طريدا!
 
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ

أشار إلى الحيوانات بالضمير "هم" ووصفهم بالأهل تأكيدا على أفضليتهم عن أهله الذين خذلوه، وعلل الوصف بأنهم لا يذيعون سره أو جرائمه بل ويناصرونه وإن كان مخطئا، عكس ما يفعله الناس!! وكأن الجريمة أصبحت في نظر الشنفرى هي الصواب الذي ينبغي لأهل الجاني الوقوف معه فيها وحمايته. إن هذا البيت يظهر مدى بغض الشنفرى لأهله لعدم تأييده في باطله، ويبين إصراره على المواصلة في طريق الجريمة.


ومن التعبيرات الفنية الظاهرة في لامية الشنفرى "المفارقات"، وهي وسائل فنية يحاول بها إظهار محاسنه وتميزه عن غيره..

وَكُلٌّ أَبِيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أنَّنِي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِدِ أبْسَلُ
وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ


فهو سريع في ملاحقة الفريسة.. بطيء في مد الأيدي إليها!


والشعور بالغربة يدفعه لسرد محاسنه ليثبت استغناءه عن الناس:

ولا جُبَّأٍ أكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ
يُطَالِعُها في شَأْنِهِ كَيْفَ يَفْعَلُ
وَلاَ خَرِقٍ هَيْقٍ كَأَنَّ فؤادَهُ
يَظَلُّ به المُكَّاءُ يَعْلُو وَيَسْفُلُ
 
وهو في الصحاري ليس بأحمق تخادعه الصحراء فلا يهتدي لطريقه..
وَلَسْتُ بِمِحْيَارِ الظَّلاَمِ إذا انْتَحَتْ
هُدَى الهَوْجَلِ العِسّيفِ يَهْمَاءُ هؤجَلُ
 
ونلاحظ في أبيات القصيدة ما يمكن تسميته بـ "بعثرة الأبيات"، إذ نجد عدم تنظيم وتناسق في سرد ما يتحدث عنه الشاعر، فهو يصف عفته وترفعه عن إظهار الشره في الأكل:
وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
 
وبعده بخمسة أبيات يقول:
وَأغْدو خَمِيصَ البَطْن لا يَسْتَفِزُّنيِ
إلى الزَادِ حِرْصٌ أو فُؤادٌ مُوَكَّلُ
 
وكان الأجدى أن تتلوا الأبيات بعضها لتصبح متناسقة، غير أن الطبيعة الفطرية لشعر الصعاليك وبعدهم عن الكتابة التي هي مما يساعد على إعادة النظر والتنظيم أدى إلى هذه الظاهرة!
 
والشاعر يلجأ للوصف السريع لما يستغني له عن أهله:

ثَلاَثَةُ أصْحَابٍ : فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْرَاءُ عَيْطَلُ
هَتُوفٌ مِنَ المُلْسِ المُتُونِ تَزِينُها
رَصَائِعُ قد نِيطَتْ إليها وَمِحْمَلُ
إذا زَلَّ عنها السَّهْمُ حَنَّتْ كأنَّها
مُرَزَّأةٌ عَجْلَى تُرنُّ وَتُعْوِلُ
 
فهو يسترسل في وصف قوسه وإظهار محاسنها الضئيلة التي لا تستحق الذكر، فهي ذات صوت حين يطلق بها السهم، وملساء لا خشونة فيها تؤذي اليدين، ومرصعة بما يزين به، وقد ذكر القوس والسيف بأوصافهما دون تصريح بالأسماء، إذ يحرص على إظهار المحاسن! إذ يبدو في وصفه حيل الدفاع النفسي تجاه بني قومه الذين استعاض عنهم بهذه الأشياء، فعمل على تقديم الوصف، وأنها تفيده أكثر منهم إذ حين تمر عليه ليلة برد شديد يصطلي بها:
وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها
وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ

ولعله يقارن بين حنين الأم (القوس) لولدها (السهم) حين خرج من حضنها وهجرها فتصرخ وتولول عكس قومه الذين لم يأسفوا عليه حين هجرهم!


ويهول في وصف قوة عدْوه فهو حين يعدو تتطاير الحجارة الصغيرة من حول قدميه، فيضرب بعضها بحجارة أخرى، فيتطاير شرر نار وتتكسَّر.
إذا الأمْعَزُ الصَّوّانُ لاقَى مَنَاسِمِي
تَطَايَرَ منه قَادِحٌ وَمُفَلَّلُ

وتبدو حياة الصعلكة حين يتغلب على الجوع ويتناساه ويماطله حتى ييأس منه!
أُديمُ الجُوعِ حتّى أُمِيتَهُ
وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً فأُذْهَلُ

ويفضل أن يستفَّ تراب الأرض على أن يمدّ أحد إليه يده بفضل أو لقمة يمنّ بها عليه:
وَأَسْتَفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَهُ
عَلَيَّ مِنَ الطَّوْلِ امْرُؤٌ مُتَطَوِّلُ

ورغم سوق الشنفرى لمحاسنه فإنه يقع في التناقض، ولا عجب فالكذب لا يفلح وحتما ينكشف صاحبه، فهو إذ يؤكد أنه لولا تجنُّبه الذم وسوء السيرة لحصل على ما يريده من مأكل ومشرب بطرق غير كريمة:
ولولا اجْتِنَابُ الذَأْمِ لم يُلْفَ مَشْرَبٌ
يُعَاشُ به إلاّ لَدَيَّ وَمَأْكَلُ

"وإذا كان الجوع أقسى ما يصبه الفقر من سياط على جسد الفقير فإن هناك سياطا أخرى لا تقل قسوة عن سياط الجوع ولكنها سياط نفسية عصبية يصبها الفقر على نفس الفقير"[20].


بيد أنه في أبيات أخرى يتفاخر بإغارته على الناس وسلبهم، فيبطش بهم فيرمل نساءهم وييتم أطفالهم!

وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها
وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ
دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي
سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
ويسرد محاسنه فهو حليم لا يستخفه الجهلاء، متعفِّف عن سؤال الناس، بعيد عن النميمة وإثارة الفتن بين الناس، صبور، شجاع، حازم، لا الفقر يجعلني أبتئس مظهراً ضعفي، ولا الغنى يجعلني أفرح وأختال.

ونجد في وصف البرد والجوع تلاعبا في الألفاظ من جناس وتقارب في الحروف بتنسيق يعطي سيمفونية تطرب لها الآذان:

دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي
سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
فهو يغير بشدة على قوم ليلا، في ظلام ومطر مع أصحابه الذين سعّر الجوع أجوافهم في برد ورعدة وارتعاش، فرمل ويتم وعاد كما بدأ دون أن يخسر أو يصاب والليل ما زال شديد الظلمة، ما يدل على سرته الشديدة في الإغارة والعودة وتنفيذ المهمة على أكمل وجه دون خسائر!

ثم يستدرك الشاعر كيف نظرة القوم الذين أغار عليهم ودهشتهم وعدم شعورهم بما حدث نتيجة السرعة في تنفيذ العملية:
وأصْبَحَ عَنّي بالغُمَيْصَاءِ جَالساً
فَرِيقَانِ: مَسْئُولٌ وَآخَرُ يَسْألُ
فَقَالُوا: لَقَدْ هَرَّتْ بِلَيْلٍ كِلَابُنَا
فَقُلْنَا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ
فَلَمْ يَكُ إلاَّ نَبْأةٌ ثُمَّ هَوَّمَتْ
فَقُلْنَا: قَطَاةٌ رِيعَ أمْ رِيعَ أجْدَلُ
فَإِنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لأبْرَحُ طارِقاً
وإنْ يَكُ إنْسَاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
فيسترسل في ذكر حديث القوم في الصباح وتعجبهم من نباح كلابهم ليلا لمدة قصيرة ثم هدأت! وهذا لسرعة عدو الشنفرى لدرجة أن الكلاب لم تلحظه مدة طويلة حتى توقع القوم أن تكون نبحت لرؤية شيء سريع لن يكون إلا صقر أو قطاة، فقد تعوَّدوا أن يقوم بالغارة جماعة من الرجال لا فرد واحد، وأن يشعروا بها فيدافعوا عن أنفسهم وحريمهم، أمَّا أن تكون بهذه الصورة الخاطفة فهذا الأمر غير مألوف، ولعل الذين قاموا بها من الجنّ لا من الإنس!

وبعد ذكره لتحمله الشديد ليوم شديد البرودة، يذكر مدى تحمله للحر الشديد، فربّ يوم شديد الحرارة تضطرب فيه الأفاعي رغم اعتيادها شدة الحرّ، واجهت لفح حره دون أي ستر على وجهي، وعليّ ثوب ممزّق لا يردّ من الحر شيئاً قليلاً:

وَيومٍ مِنَ الشِّعْرَى يَذُوبُ لُعَابُهُ
أفاعِيهِ في رَمْضائِهِ تَتَمَلْمَلُ
نَصَبْتُ له وَجْهي ولا كِنَّ دُونَهُ
ولا سِتْرَ إلاَّ الأتْحَمِيُّ المُرَعْبَل
 
ثم يأتي في وصف جسده النحيل لا أجد سببا في هذه الوصف الوضيع إلا الندب والحزن الذي لا يتفق مع الوصف المتعالي الذي قابلناه من قبل، فوصفه نفسه بالشجاعة والعدو السريع وقوة البطش في الإغارة والقتل لا يتفق مع جسد نحيل ضعيف هزيل جائع!! وما ذلك إلا لتنكشف حقيقة الشنفرى وهي أن وصفه المتعالي كان حيلة دفاعية تلقاء نبذ قومه له وعلاقته السيئة بالناس!

وآلَفُ وَجْهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِها
بأَهْدَأَ تُنْبِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ
وَأعْدِلُ مَنْحُوضاً كأنَّ فُصُوصَهُ
كعَابٌ دَحَاهَا لاعِبٌ فَهْيَ مُثَّلُ

ويطوي أمعاءه على الجوع فتصبح لخلوّها من الطعام يابسة ينطوي بعضها على بعض كأنها حبال أُتقن فتلها..

وَأَطْوِي على الخَمْصِ الحَوَايا كَما انْطَوَتْ
خُيُوطَةُ مارِيٍّ تُغَارُ وتُفْتَلُ
إن الشنفرى الصعلوك لم يتعال على قومه الذين فارقهم ونبذوه فقط! بل يتعالى على الطبيعة نفسها وما فيها، بل تعالى على الإنس والجن والطير والحيوان والليل والنهار والبرد والحر!! فهو يستطيع التصرف في الليلة الباردة الشديدة بمنتهى القوة دون التأثر بالظروف، وفي اليوم الصائف الشديد الحرارة ينصب وجهه لذلك اليوم متحديا إياه دون ستر رغم أن ملابسه ممزقة لا تقيه منه، وطيور القطا المعروفة بالسرعة والخفة يسبقها الشنفرى إلى الماء حتى أنها تدرك سؤره المتساقط خارج المنبع:
وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَاً أحْنَاؤها تَتَصَلْصَل

 
والتعسف في وصف بعده عن النظافة لا أجد له تفسيرا سوى ندب الحال، فإن الإنسان مهما حاول إظهار التعالي والصبر والتجلد لا يلبث أن يبدو في كلامه ما يدل على إحساسه بالدونية والقهر:

وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّرَتْ
لبائِدَ عن أعْطَافِهِ ما تُرَجَّلُ
بَعِيدٌ بِمَسِّ الدُّهْنِ والفَلْيِ عَهْدُهُ
له عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسْل مُحْوِلُ
 
فهو يصف شعره بأنه منذ زمن بعيد لم يعرف الدهن والفَلْي وهو إخراج الحشرات من الشَّعر، حتى جفت عليه الأوضار كما يجف الروث المتعلق بأذناب الدواب عليها! فلماذا يذكر هذه الأوصاف؟ ليس للفخر بالطبع ولا لإثبات تعاليه على شيء من الطبيعة ولا استغنائه عن شيء، إنما لم يحتمل كتمان ما يشعر به الصعلوك من القهر فطاشت المعاني المكبوتة كلمات يلوكها في قصيدته، ما يدل على مدى المشاعر المتناقضة بداخله والاضطراب النفسي الذي يعيشه!
 
ثم لم يلبث أن عاد لذكر قوته وصيره وتعاليه:

وَخَرْقٍ كظَهْرِ التُّرْسِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ
بِعَامِلَتَيْنِ ظَهْرُهُ لَيْسَ يُعْمَلُ
فألْحَقْتُ أُوْلاَهُ بأُخْرَاهُ مُوفِيَاً
عَلَى قُنَّةٍ أُقْعِي مِرَارَاً وَأمْثُلُ
 
فمن شدة سرعته على أرض خالية مقفرة ألحق أولها بآخرها!

تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْمُ حَوْلي كأنّها
عَذَارَى عَلَيْهِنَّ المُلاَءُ المُذَيَّلُ
ويَرْكُدْنَ بالآصَالِ حَوْلِي كأنّني
مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ
 
ليختتم القصيدة بذكر أنسه بالوعول في الصحراء مؤكدا على استغنائه بهم عن قومه!

"ولقد مثل شعر الصعاليك في العصر الجاهلي نتوءا ثقافيا آخر في جسد الأعراف الثقافية، من حيث عدم خضوعه المطلق للتقاليد الفنية المتعارف عليها، مثل البنية الهيكلية للقصيدة في مطلعها وترتيب أغراضها، فقد فرض شعر الصعاليك أعرافا خاصة وتقاليد مغايرة تماما، ربما أهمها رفض فكرة الأطلال وإلغاؤها من القصيدة بوصف أن الطل دلاليا ورمزيا محور الانتماء والالتصاق بالأرض/الوطن"[21]. فالصعلوك فاقد الانتماء للوطن، ملتصق أشد الالتصاق بأقرانه من المنبوذين، وحيوانات الصحارى، فقد استعاض عن أهله ووطنه بأي مكان يمكن أن يحويه:

وفي الأَرْضِ مَنْأَى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ
لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئ
سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ
 
وأي حيوان يلاقيه يشاركه البيئة:

وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون: سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ
 
ونجد افتقاد الحب والعاطفة في شعرهم، إذ المجتمع في نظرهم مفرغ منها.
 
"صحيح أن شعرهم حافل بالوصف، ولكنه وصف حوشي -إن جاز التعبير- لمظاهر الطبيعة من حولهم"[22] فهو لا يستقصي في الوصف، إذ إن حديثه عن النمر والضبع والقطا وغيرها ليس الغرض منه الوصف وإنما التكامل معه في ظروفه وحياته، فكما هو طريد جنايات جائع عطشان هب أيضا تمر بما يمر به، فهو يرى نفسه في ظواهر الطبيعة وحيواناتها.

وإذا تعرض لليل فكلام سريع لا وصف فيه ولا استقصاء:
فقد حمت الحاجات والليل مقمر
 
مع أن الليل من أشد الأوقات التي يجتمع الهم على الإنسان فيها فجدير بأن ينظر لنفسه من خلاله إذ يعاني النبذ والوحدة! عكس ما نجد في الشعر الجاهلي:

وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ
عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي
فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ
وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي
بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ
بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ
كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها
بِأَمراسِ كِتّانٍ إِلى صُمِّ جَندَلِ
 
والتشبيهات بعيدة كتشبيه اضطراب الذئاب بسهام الميسر!
مُهَلَّلَةٌ شِيبُ الوُجُوهِ كأنَّها
قِدَاحٌ بأيدي ياسِرٍ تَتَقَلْقَلُ

 
وهي تشبيهاته نابعة من بيئته، فهو يشبه الذئاب بالقداح، والقطا بالقبائل المسافرة، ومرة يشبهها بالإبل، إذ يبحث عن النماذج التي يراها حوله فيشبهها بعضها!

كأنَّ وَغَاها حَجْرَتَيْهِ وَحَوْلَهُ
أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ
تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيْهِ فَضَمَّهَا
كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ
فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
واللغة قاسية تنم عن بيئة عربية قحة صحراوية جافة لا تجد فيها بغيتك من ألفاظ تعينك على الاستمتاع بالقصيدة، فلا بد من مجاورة المعجم لقارئها، إذ يلجأ إلى ذكر صفات الشيء بدلا من مسماه فالذئب أرقط، والضبع عرفاء، والسيف أبْيَضُ إصْلِيتٌ، والقوس َصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ، الخَشْرَمُ المَبْعُـوثُ، مَحَابِيضُ.. وهو ما يدل على طبيعة البيئة الوحشية التي يعيشها الصعاليك.


المراجع
1- ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 19.
2- اللغة الشعرية عند الشنفرى دراسة وصفية تحليلية، البشير مناعي.
3- سلسلة تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، شوقي ضيف، ص 375.
4- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.
5- شعر الصعاليك منهجه وخصائصه، عبد الحليم حنفي.
6- الذئب والقطـا في لامية العرب للشنفرى دراسة تحليلية، د.عبد الجليل حسن صرصور.
7- نهاية الأرب في شرح لامية العرب، عطاء الله بن أحمد الأزهري.
8- محاضرات في الثقافة العربية قبل الإسلام، د.ثناء أنس الوجود.
9- الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، يوسف خليف، طـ دار المعارف.


[1] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 19.
[2] اللغة الشعرية عند الشنفرى دراسة وصفية تحليلية، البشير مناعي.
[3] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 15، 16.
[4] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 16، 17.
[5] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 18.
[6] سلسلة تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، شوقي ضيف، ص 375.
[7] السابق نفسه.
[8] ديوان الشنفرى جمع وتحقيق: إميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي.
[9] شعر الصعاليك منهجه وخصائصه، عبد الحليم حنفي.
[10] السابق نفسه.
[11] السابق نفسه بتصرف بسيط.
[12] السابق نفسه.
[13] الذئب والقطا في لامية العرب للشنفرى دراسة تحليلية، د.عبد الجليل حسن صرصور.
[14] السابق نفسه.
[15] السابق نفسه.
[16] نهاية الإرب في شرح لامية العرب، عطاء الله بن أحمد الأزهري.
[17] ديوان عروة بن الورد أمير الصعاليك، دراسة وشرح وتحقيق أسماء أبو بكر محمد، ص89، طـ دار الكتب العلمية.
[18] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي. يوسف خليف ص268، طـ دار المعارف.
[19] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي. يوسف خليف ص276، 277، طـ دار المعارف.
[20] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي. يوسف خليف ص31، طـ دار المعارف.
[21] محاضرات في الثقافة العربية قبل الإسلام، د.ثناء أنس الوجود.
[22] السابق نفسه.