الخميس، 28 مايو 2020

سورة النصر نحو صرف بلاغة

لغتك العربية فخر لك لأنها لغة الجنة والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم

.فوائد لغوية وإعرابية:
سورة النصر:
{
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}
قوله: {نَصْرُ الله}: مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه، ومفعولُه محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، أي: نَصْرُ اللَّهِ إياك والمؤمنين. وكذلك مفعولَيْ (الفتح) ومُتَعَلَّقَهُ. والفتح، أي: فَتْحُ البلادِ عليك وعلى أمتِك. أو المقصود: إذ جاء هذان الفعلان، مِنْ غير نظرٍ إلى متعلَّقَيْهما كقوله{أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44]. وأل في الفتح عِوَضٌ مِنْ الإِضافة، أي: وفَتْحُه، عند الكوفيين، والعائدُ محذوفٌ عند البصريين، أي: والفتحُ مِنْه، للدلالةِ على ذلك. والعاملُ في (إذا): إمَّا {جاء} وهو قول مكي، وإليه نحا الشيخ ونَضَرَه في مواضعَ وقد تقدَّم ذلك كما نَقَلْتُه عن مكيّ وعنه.
والثاني: أنه {فَسَبِّحْ} وإليه نحا الزمخشريُّ والحوفيُّ. وقد رَدَّ الشيخُ عليهما: بأنَّ ما بعد فاءِ الجواب لا يعملُ فيما قبلَها. وفيه بحثٌ تقدَّم بعضُه في سورةِ والضُّحى.
{
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)}
قوله{يَدْخُلُونَ} إمَّا حالٌ إنْ كان {رَأَيْتَ} بَصَريةً وفي عبارة الزمخشري: إنْ كانَتْ بمعنى أبَصَرْتَ أو عَرَفْتَ. وناقشه الشيخُ: بأنَّ رَأَيْتَ لا يُعْرَفُ كونُها بمعنى عَرَفْتَ.
قال: فيَحْتاج في ذلك إلى استثباتٍ. وإمَّا مفعولٌ ثانٍ إن كانت بمعنى عَلِمْتَ المتعدية لاثنين. وهذه قراءة العامَّةِ أعني: يَدْخُلون مبنيًا للفاعل. وابن كثير في رواية: {يُدْخَلونمبنيًا للمفعول و{في دين} ظرفٌ مجازيٌّ، وهو مجازٌ فصيحٌ بليغٌ هنا.
قوله: {أَفْوَاجًاحالٌ مِنْ فاعل {يَدْخُلون} قال مكي: وقياسُه أفْوُج. إلاَّ أنَّ الضمةَ تُسْتثقلُ في الواوِ، فشَبَّهوا فَعْلًا يعني بالسكون بفَعَل يعني بالفتح، فجمعوه جَمْعَه. انتهى. أي: إنَّ فَعْلًا بالسكون قياسُه أَفْعُل كفَلْس وأَفْلُس، إلاَّ أنه اسْتُثْقِلت الضمةُ على الواو فجمعوه جَمْعَ فَعَل بالتحريكِ نحو: جَمَل وأَجْمال؛ لأنَّ فَعْلًا بالسُّكون على أَفْعال ليس بقياسٍ إذا كان فَعْلٌ صحيحًا نحو: فَرْخ وأفراخ، وزَنْد وأزناد، ووردَتْ منه ألفاظٌ كثيرةٌ، ومع ذلك فلم يَقيسوه، وقد قال الحوفيُّ شيئًا مِنْ هذا.
قوله{بِحَمْدِ رَبِّكَ} حالٌ، أي: مُلْتبسًا بحمده، وتقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة عند قوله{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30]. اهـ.
{في دينمتعلّق بـ: {يدخلون}، {أفواجاحال منصوبة من فاعل يدخلون (الفاء) رابطة لجواب الشرط {بحمدمتعلّق بحال من فاعل سبّح أي متلبسا بحمد..
جملة: {جاء نصر اللّهفي محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: {رأيت...} في محلّ جرّ معطوفة على جملة {جاء نصر..}.
وجملة: {يدخلون...} في محلّ نصب حال من {الناس}.
وجملة: {سبّح...} لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: {استغفره...} لا محلّ لها معطوفة على جملة سبّح.
وجملة: {إنّه كان توابا...} لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: {كان توّابافي محلّ رفع خبر إنّ.

.البلاغة:
الاستعارة المكنية: في قوله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. حيث شبّه المقدور وهو النصر والفتح، بكائن حيّ، يمشي متوجها من الأزل إلى وقته المحتوم، فشبّه الحصول بالمجيء، وحذف المشبه به، وأخذ شيئا من خصائصه وهو المجيء.

.الفوائد:
- العلم يرفع صاحبه:
عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- قال: كان عمر رضي اللّه عنه يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم يدخل هذا الفتى معنا؟ فقال: إنه ممن علمتم، قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، ثم قال: ما تقولون في قول اللّه تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُإلى ختام السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟
قلت: لا، قال: فما هو؟
قلت: هو أجل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أعلمه {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُفذلك علامة أجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًاقال عمر: وما أعلم منها إلا ما تعلم.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه السورة علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعيت إليه نفسه. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:
(110) سورة النصر:
مدنيّة.
وآياتها ثلاث.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة النصر: الآيات 1- 3]
{إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا (3)}

.الإعراب:
{إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بسبّح الذي هو جوابها وجملة {جاءفي محل جر بإضافة الظرف إليها و{نصر اللّهفاعل {جاءوالفتح عطف على {نصر} والمصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف أي إياك والمؤمنين.
وقال أبو حيان: ولا يصح إعمال فسبّح في إذا لأجل الفاء لأن الفاء في جواب الشرط لا يتسلط الفعل الذي بعدها على اسم الشرط، فلا يعمل فيه بل العامل في إذا الفعل الذي بعدها على الصحيح {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجًاالواو عاطفة و{رأيت الناس} فعل ماض وفاعل ومفعول به والرؤية يجوز أن تكون بصرية فتكون جملة {يدخلونحالية ويجوز أن تكون علمية فتكون الجملة مفعولا به ثانيا لـ{رأيت} و{في دين اللّهمتعلقان بـ: {يدخلونو{أفواجاحال من الواو في {يدخلونوهو جمع فوج بسكون الواو وقد تقدم شرحها.
{
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًاالفاء رابطة لجواب الشرط وسبّح فعل أمر وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و{بحمد ربكحال، وقد اختلف في الباء فقيل: للمصاحبة والحمد مضاف للمفعول أي فسبّحه حامدا له أي نزهه عمّا لا يليق به وأثبت له ما يليق به فهي داخلة في حيّز الأمر.
فإن قلت: من أين يلزم بالحمد وهو إنما وقع حالا مقيدة للتسبيح ولا يلزم من الأمر بالشيء الأمر بحاله المقيد له وأجيب بأنه إنما يلزم ذلك إذا لم يكن الحال من نوع الفعل المأمور به ولا من فعل الشخص المأمور نحو اضرب هندا ضاحكة وإلا لزم نحو ادخل مكة محرما فهي مأمور بها وهنا من هذا القبيل وقيل للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبّحه بما حمد به نفسه كقوله الحمد للّه{واستغفره}: الواو حرف عطف و{استغفره} فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وجملة {إنه كان توّاباتعليلية وإن واسمها وجملة {كان} خبرها و{توّاباخبر {كا} ن.

.البلاغة:
في قوله: {إذا جاء نصر اللّه والفتحاستعارة مكنية تبعية شبّه المقدور وهو النصر والفتح بكائن حيّ يمشي متوجها من الأزل إلى وقته المحتوم، فشبّه الحصول بالمجيء وحذف المشبّه به وأخذ شيئا من خصائصه وهو المجيء.
هذا وقد أورد الإمام الرازي فصلا ممتعا نورده لك فيما يلي لنفاسته وفائدته، قال: اتفق الصحابة على أن هذه السورة دلّت على نعي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وذلك لوجوه:
أولا: أنهم عرفوا ذلك لما خطب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عقب السورة وذكر التخيير وهو قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته لما نزلت هذه السورة: «إن عبدا خيّره اللّه تعالى بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء اللّه تعالى» فقال أبو بكر فدنياك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا.
ثانيها: أنه لما ذكر حصور النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا دلّ ذلك على حصول الكمال، والتمام يعقبه الزوال والنقصان كما قيل:

إذا تمّ أمر بدا نقصه ** توقع زوالا إذا قيل تم

ثالثها: أنه تعالى أمره بالتسبيح والحمد والاستغفار واشتغاله بذلك يمنعه من اشتغاله بأمر الأمة فكان هذا كالتنبيه على أن أمر التبليغ قد تمّ وكمل وذلك يقتضي إنجاز الأجل إذ لو بقي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لكان كالمعزول من الرسالة وذلك غير جائز. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:
سورة النصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {يدخلونحال من الناس، و{أفواجا} حال من الفاعل في {يدخلون}. اهـ.

.قال الشيخ: حميدان دعاس:
سورة النصر:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة النصر: آية 1]
{إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}
(إذا) ظرفية شرطية غير جازمة {جاءَ نَصْرُ اللَّهِماض وفاعله ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة ابتدائية لا محل لها {وَالْفَتْحُ} معطوف على ما قبله.

.[سورة النصر: آية 2]
{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجًا (2)}
{
وَرَأَيْتَ} ماض وفاعله {النَّاسَ} مفعول به والجملة معطوفة على ما قبلها {يَدْخُلُونَمضارع وفاعله {فِي دِينِ اللَّهِ} متعلقان بالفعل ولفظ الجلالة مضاف إليه {أَفْواجًاحال والجملة حال.

.[سورة النصر: آية 3]
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا (3)}
{
فَسَبِّحْالفاء رابطة وأمر فاعله مستتر والجملة جواب إذا لا محل لها {بِحَمْدِ} متعلقان بالفعل {رَبِّكَ} مضاف إليه {وَاسْتَغْفِرْهُ} أمر ومفعوله والفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها{إِنَّهُ} إن واسمها {كانَكان واسمها المستتر {تَوَّابًاخبرها والجملة الفعلية خبر إن. والجملة الاسمية تعليل لا محل لها. اهـ.

.فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قال الزيلعي:
سورة النصر ذكر فِيهَا اثْنَي عشر حَدِيثا:
1549-
الحَدِيث الأول:
رُوِيَ أَن فتح مَكَّة كَانَ لعشر مضين من رَمَضَان سنة ثَمَان وَكَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عشرَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَطَوَائِف الْعَرَب وَأقَام بهَا خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ خرج إِلَى هوَازن وَحين دَخلهَا وقف عَلَى بَاب الْكَعْبَة ثمَّ قال: «لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده» ثمَّ قال: «يأهل مَكَّة مَا ترَوْنَ أَنِّي فَاعل بكم» قالوا خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم ثمَّ قال: «اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء» فَأعْتقهُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت أخرجه ابْن هِشَام فِي السِّيرَة فِي فتح مَكَّة من قول ابْن إِسْحَاق إِلَّا أَنه قال فِيهِ إِن فتح مَكَّة كَانَ لعشر لَيَال بَقينَ من رَمَضَان.
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي فتح مَكَّة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله ابْن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج فِي رَمَضَان من الْمَدِينَة وَمَعَهُ عشرَة آلَاف من الْمُسلمين... إِلَى أَن قال قال الزُّهْرِيّ فَصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَكَّة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ وَمُحَمّد ابن علي بن الْحُسَيْن وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعَمْرو بن شُعَيْب وَعبد الله بن أبي بكر وَغَيرهم قالوا كَانَ فتح مَكَّة سنة ثَمَان لعشر بقيت من شهر رَمَضَان انْتَهَى.
وَهَذَا اخْتِلَاف رِوَايَة وَأخرج الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي الرِّوَايَتَيْنِ ذكرهمَا فِي غَزْوَة حنين.
1550-
الحَدِيث الثَّانِي:
عَن جَابر بن عبد الله أَنه بَكَى ذَات يَوْم فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقال سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقول «دخل النَّاس فِي دين الله أَفْوَاجًا وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجًا»
قلت رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا مُعَاوِيَة بن عَمْرو ثَنَا أَبُو إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ ثني أَبُو عمار ثني جَار لجَابِر بن عبد الله قال قدمت من سفر فَجَاءَنِي جَابر بن عبد الله يسلم على فَجعلت أحدثه عَن افْتِرَاق النَّاس وَمَا أحدثُوا فَجعل جَابر يبكي ثمَّ قال سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقول «إِن النَّاس دخلُوا فِي دين الله أَفْوَاجًا وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجًا» انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده ثَنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنِي الْمفضل ابْن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره من طَرِيق بَقِيَّة بن الْوَلِيد ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ ثَنَا شَدَّاد بن عمار حَدثنِي جَار لجَابِر بن عبد الله... فَذكره.
وَاخْتَصَرَهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فَرَوَاهُ فِي الْفِتَن من طَرِيق ابْن وهب ثني عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح عَن أبي الْأسود الْقرشِي عَن أبي قُرَّة مولَى أبي جهل عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لما أنزلت عَلَيْهِ هَذِه السُّورَة إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح... إِلَى آخرهَا قال عَلَيْهِ السلام «ليخرجن مِنْهُ أَفْوَاجًا كَمَا دَخَلُوهُ أَفْوَاجًا» انْتَهَى وَقال صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حَدِيث مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ بِسَنَد أَحْمد وَمَتنه.
1551-
الحَدِيث الثَّالِث:
قال أَبُو هُرَيْرَة لما نزلت قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وَجَاء أهل الْيمن رقيقَة قُلُوبهم الْإِيمَان يمَان وَالْفِقْه يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية».
قلت غَرِيب من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه من طَرِيق أبي عوَانَة عَن هِلَال ابْن خباب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قال لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله...} إِلَى آخرهَا قال نعيت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَفسه حِين أنزلت فَأخذ فِي أَشد مَا كَانَ اجْتِهَادًا فِي أَمر الآخر وَقال بعد ذَلِك جَاءَ الْفَتْح وَجَاء نصر الله وَجَاء أهل الْيمن فَقال رجل يَا رَسُول الله وَمَا أهل الْيمن قال: «رقيقَة قُلُوبهم الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية وَالْفِقْه يمَان» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي النَّوْع الْحَادِي عشر من الْقسم الثَّالِث، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم مُخْتَصرا رَوَاهُ فِي كتاب الْإِيمَان من حَدِيث مُحَمَّد بن سِرين عَن أبي هُرَيْرَة قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «جَاءَ أهل الْيمن لَهُم أرق أَفْئِدَة الْإِيمَان يمَان وَالْفِقْه يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية»انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه من طَرِيق عبد الرَّزَّاق ثَنَا هِشَام بن حسان عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قال لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح...} إِلَى آخر لفظ المُصَنّف.
1552-
الحَدِيث الرَّابِع:
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أجد نَفْس ربكُم من قبل الْيمن» قلت رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَزَّار فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من حَدِيث عبد الله بن سَالم الْحِمصِي ثَنَا إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الْأَفْطَس ثَنَا الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن الجرشِي عَن جُبَير بن نفير عَن سَلمَة بن نفَيْل السكونِي قال دَنَوْت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول الله تركت الْخَيل وَأُلْقِي السِّلَاح وَزعم قوم أَلا قتال فَقال صلى الله عليه وسلم: «كذبُوا الْآن حَان الْقِتَال لَا تزَال من أمتِي أمة قَائِمَة عَلَى الْحق ظَاهِرَة» قال وَهُوَ مول ظَهره إِلَى الْيمن «أَنِّي أجد نَفْس الرَّحْمَن من هَاهُنَا وَالْخَيْل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْلهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا» انْتَهَى.
قال الْبَزَّار هَذَا حَدِيث رِجَاله شَامِيُّونَ مَشْهُورُونَ إِلَّا إِبْرَاهِيم ابْن سُلَيْمَان الْأَفْطَس انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي كِتَابه مُسْند الشاميين ثَنَا أَبُو زرْعَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة قالا ثَنَا علي بن عَيَّاش الْحِمصِي ثَنَا حريز بن عُثْمَان عَن شبيب أبي روح عَن أبي هُرَيْرَة قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية وَأَجد نَفْس الرَّحْمَن من قبل الْيمن» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ فِي المعجم الْوسط ثَنَا أَبُو زرْعَة عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو ثَنَا أَبُو الْيَمَان ثَنَا حريز بن عُثْمَان عَن شبيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية وَأَجد نَفْس ربكُم من قبل الْيمن» مُخْتَصر.
قال الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا الْخَبَر إِن كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه أَلا إِنِّي أجد الْفرج من قبل الْيمن وَهُوَ كَقوله صلى الله عليه وسلم: «من نَفْس عَن مُؤمن كربَة نَفْس الله عَنهُ كربَة» أَي فرج ثمَّ نقل عَن الْأَزْهَرِي أَنه قال فِيهِ وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب لَا تسبوا الرّيح فَإِنَّهَا من نَفْس الرَّحْمَن إِن النَّفس فِي هذَيْن الْحَدِيثين اسْم وضع مَوضِع الْمصدر لِأَن مصدر نَفْس تَنْفِيس فَوضع النَّفس مَوضِع التَّنْفِيس كَمَا وضع الْفرج مَوضِع التَّفْرِيج انْتَهَى.
والْحَدِيث بِلَفْظ الْكتاب فِي الفردوس من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة وَأنس.
1553-
الحَدِيث الْخَامِس:
رَوَت أم هَانِئ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما فتح بَاب الْكَعْبَة صَلَّى صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات قلت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى قال مَا أخبرنَا أحد أَنه رَأَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الضُّحَى غير أم هَانِئ فَإِنَّهَا ذكرت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم فتح مَكَّة اغْتسل فِي بَيتهَا وَصَلى ثَمَانِي رَكْعَات فَلم يره أحد صَلَّاهُنَّ بعد. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي سُنَنهمَا وَرَوَاهُ بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه.
وَرَوَاهُ احْمَد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي من نَحْو ثَلَاثِينَ طَرِيقا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه والطبري فِي تَفْسِيره وَلَيْسَ عِنْد أحد مِنْهُم أَنه صلاهَا لما فتح بَاب الْكَعْبَة وَإِنَّمَا يَقولونَ يَوْم الْفَتْح أَو يَوْم فتح مَكَّة وَالله أعلم.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد انه عَلَيْهِ السلام كَانَ يسلم يَوْم الْفَتْح من كل رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا يَنْفِي انه صلاهَا بِتَسْلِيمَة واحدة رَوَاهُ من حَدِيث كريب عَن أم هَانِئ.
وَبَعض الْعلمَاء أنكر أَن هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الضُّحَى قالوا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السلام لم يواظب عَلَيْهَا كَيفَ يُصليهَا فِي ذَلِك الْيَوْم مَعَ أَنه لم ينْو الْإِقَامَة بِمَكَّة وَمكث بهَا تِسْعَة عشر يَوْمًا من رَمَضَان يقصر الصَّلَاة وَيفْطر هُوَ وَجَمِيع الْجَيْش وَكَانُوا نَحوا من عشرَة آلَاف قالوا وَإِنَّمَا كَانَت صَلَاة الْفَتْح وَاسْتَحَبُّوا لأمير الْجَيْشاذا فتح بَلَدا أَن يُصَلِّي فِيهَا ثَمَان رَكْعَات وَهَكَذَا فعل سعد بن أبي وَقاص يَوْم فتح الْمَدَائِن لَكِن يرد هَذَا تَسْمِيَتهَا فِي الحَدِيث صَلَاة الضُّحَى كَمَا تقدم فِي لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم لكنه من كَلَام الرَّاوِي.
وَقد ورد من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي تَارِيخ أَصْبَهَان الثَّاء الْمُثَلَّثَة بِسَنَدِهِ إِلَى أم هَانِئ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى حِين فتح مَكَّة ثَمَان رَكْعَات قالت فَقلت يَا رَسُول الله مَا هَذِه الصَّلَاة قال: «هَذِه صَلَاة الضُّحَى».
وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَنه قد رُوِيَ من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي النَّوْع الثَّالِث عشر من الْقسم الْخَامِس من حَدِيث عَائِشَة قالت دخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَيْتِي فَصَلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات انْتَهَى.
فقد اتفقَا فِي التَّسْمِيَة وَالْوَقْت وَالْعد.
قال السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف هَذِه صَلَاة الضُّحَى وَقد صَلَّى سعد بن أبي وَقاص حِين افْتتح الْمَدَائِن وَدخل إيوَان كسْرَى صَلَاة الْفَتْح قال وَهِي ثَمَان رَكْعَات لَا يفصل بَينهَا وَلَا يُصَلِّي بِأمام وَلَا يجْبر فِيهَا بِقراءة قاله الطَّبَرِيّ انْتَهَى.
وَلَفظ أبي دَاوُد أَيْضا يرد هَذَا عَن أم هَانِئ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفَتْح صَلَّى سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى.
قال النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة سَنَده عَلَى شَرط البُخَارِيّ.
1554-
الحَدِيث السَّادِس:
عَن عَائِشَة «كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يكثر قبل مَوته أَن يَقول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك»
قلت رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي التَّفْسِير وَمُسلم فِي أَوَائِل الصَّلَاة فِي بَاب مَا يُقال فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَاللَّفْظ لمُسلم عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة قالت «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أَن يَقول قبل أَن يَمُوت سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك قالت فَقلت يَا رَسُول الله مَا هَذِه الْكَلِمَات الَّتِي أَرَاك تَقولها قال قد جعلت لي عَلامَة فِي أمتِي إِذا رَأَيْتهَا قلتهَا {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح...} إِلَى آخر السُّورَة» انْتَهَى.
وَلَفظ البُخَارِيّ قالت «مَا صَلَّى النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَاة بعد أَن نزلت عَلَيْهِ إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح إِلَّا يَقول فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك رَبنَا اللَّهُمَّ اغْفِر لي» انْتَهَى.
1555-
الحَدِيث السَّابِع:
وَعَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: «إِنِّي لاستغفر الله فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مائَة مرّة»,
قلت رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه فِي كتاب الذّكر وَالدُّعَاء من حَدِيث أبي بردة عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّه ليغان عَلَى قلبِي وَإِنِّي لاستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة» انْتَهَى.
1556-
الحَدِيث الثَّامِن:
رُوِيَ «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما قرأ هَذِه السُّورَة اسْتَبْشَرُوا وَبكى الْعَبَّاس فَقال عَلَيْهِ السلام مَا يبكيك يَا عَم قال نعيت إِلَيْك نَفسك قال إِنَّهَا لَكمَا تَقول فَعَاشَ بعْدهَا سنتَيْن لم ير فِيهَا ضَاحِكا مُسْتَبْشِرًا».
وَقيل إِن ابْن عَبَّاس هُوَ الَّذِي قال ذَلِك فَقال عَلَيْهِ السلام «لقد أُوتِيَ هَذَا الْغُلَام علما كَبِيرا».
قلت الأول ذكره الثَّعْلَبِيّ من قول مقَاتل قال لما نزلت هَذِه السُّورَة قرأهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابه وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعَمْرو وَسعد بن أبي وَقاص فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا... إِلَى آخِره وَسَنَده إِلَى مقَاتل أول كِتَابه.
1557-
الحَدِيث التَّاسِع:
رُوِيَ أَن السُّورَة لما نزلت خطب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقال: «إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَبَين لِقَائِه فَاخْتَارَ لِقَاء الله» فَعلم أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقال فَدَيْنَاك بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالنَا وَآبَائِنَا وَأَوْلَادنَا قلت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا فِي الْفَضَائِل من حَدِيث عبيد ابْن حنين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس يَوْمًا فَقال: «إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَأَن يعِيش فِيهَا مَا شَاءَ وَبَين لِقَائِه فَاخْتَارَ لِقَاء الله» فَبَكَى أَبُو بكر وَبكى وَقال فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا وَكَانَ عَلَيْهِ السلام هُوَ الْمُخَير وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا بِهِ.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث بسر بن سعيد عَن الْخُدْرِيّ نَحوه وَوَقع لَهُ فِي الصَّلَاة عَن عبيد بن حنين عَن بسر بن سعيد عَن الْخُدْرِيّ قال الْفربرِي الرِّوَايَة هَكَذَا وَصَوَابه عَن عبيد بن حنين وَبسر بن سعيد.
1558-
الحَدِيث الْعَاشِر:
عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَانَ يُدْنِيه وَيَأْذَن لَهُ مَعَ أهل بدر فَقال عبد الرَّحْمَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أيأذن لهَذَا الْفَتَى مَعنا وَفِي أَبْنَائِنَا من هُوَ مثله فَقال إِنَّه مِمَّن قد علمْتُم قال ابْن عَبَّاس فَأذن لَهُم ذَات يَوْم وَأذن لي مَعَهم فَسَأَلَهُمْ عَن قوله تعالى: {إِذا جَاءَ نصر...} وَلَا أرَاهُ سَأَلَهُمْ إِلَّا من أَجلي فَقال بَعضهم أَمر الله تعالى نبيه إِذا فتح عَلَيْهِ أَن يَسْتَغْفِرهُ وَيَتُوب إِلَيْهِ فَقلت لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن نعيت إِلَيْهِ نَفسه صلى الله عليه وسلم فَقال عمر مَا أعلم فِيهَا إِلَّا كَمَا تعلم ثمَّ قال كَيفَ تَلُومُونَنِي عَلَيْهِ بعد مَا ترَوْنَ.
قلت رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بتغيير يسير من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قال كَانَ عمر يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدر فَكَأَن بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقال لم تدخل هَذَا مَعنا وَلنَا أَبنَاء مثله فَقال عمر إِنَّه من قد علمْتُم قال فدعاني ذَات يَوْم فَأَدْخلنِي مَعَهم فَأريت أَنه إِنَّمَا دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ فَسَأَلَ مَا تَقولونَ فِي قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْحفَقال بَعضهم أمرنَا بِحَمْد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا وَسكت بَعضهم فَلم يقل شَيْئا فَقال لي أَكَذَلِك تَقول يَا ابْن عَبَّاس فَقلت لَا قال فَمَا تَقول قلت هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعلمهُ لَهُ قال: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْحوَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًافَقال عمر مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تَقول انْتَهَى.
وَوهم الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فَرَوَاهُ فِي الْفَضَائِل وَقال علي شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده وَزَاد فِيهِ ثمَّ قال عمر كَيفَ تَلُومُونَنِي عَلَيْهِ بعد مَا ترَوْنَ انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات.
1559-
الحَدِيث الْحَادِي عشر:
عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه دَعَا فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَقال لَهَا «يَا ابنتاه إِنَّه قد نعيت إلى نَفسِي فَبَكَتْ فَقال لَا تبْكي فَإنَّك أول أَهلِي لُحُوقا بِي».
قلت رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي أَوَاخِر كِتَابه دَلَائِل النُّبُوَّة من حَدِيث هِلَال بن خباب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قال لما نزلت إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقال لَهَا «إِنَّه قد نعيت إلى نَفسِي فَبَكَتْ» فَقال لَهَا «اصْبِرِي فَإنَّك أول أَهلِي لُحُوقا بِي».
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره حَدثنَا سُلَيْمَان بن احْمَد ثَنَا احْمَد بن يَحْيَى الْحلْوانِي ثَنَا سعيد بن سُلَيْمَان عَن عباد بن الْعَوام عَن هِلَال بن خباب بِهِ سندا ومتنا زَاد فِيهِ فَقال لَهَا بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُك بَكَيْت ثمَّ ضحِكت قالت إِنَّه قال: «قد نعيت إلى نَفسِي فَبَكَيْت» فَقال لَا تبْكي فَإنَّك أول أَهلِي لُحُوقا بِي فَضَحكت انْتَهَى.
وَبَعضه فِي الصَّحِيحَيْنِ رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَمُسلم فِي الْفَضَائِل من حَدِيث مَسْرُوق عَن عَائِشَة قالت اجْتَمعْنَ نسَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يُغَادر مِنْهُنَّ امْرَأَة فَجَاءَت فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كَأَن مشيتهَا مشْيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقال: «مرْحَبًا بِابْنَتي» ثمَّ أَجْلِسهَا عَن شِمَاله وَأسر إِلَيْهَا حَدِيثا فَبَكَتْ فَاطِمَة ثمَّ سَارهَا فَضَحكت فَقلت لَهَا مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ فَرحا اقْربْ من حزن فَقالت مَا كنت لأفشي سر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأحد حَتَّى إِذا قبض سَأَلتهَا فَقالت إِنَّه قال: «إِن جِبْرِيل كَانَ يُعَارضهُ بِالقرآن فِي كل عَام مرّة وَإنَّهُ عَارضه بِهِ الْعَام مرَّتَيْنِ وَلَا أَرَانِي إِلَّا قد حضر أَجلي وَإنَّك لأوّل أَهلِي لُحُوقا بِي وَنعم السّلف أَنا لَك» فَبَكَيْت ثمَّ إِنَّه سَارَّنِي فَقال: «أَلا ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ أَو نسَاء هَذِه الْأمة» فَضَحكت لذَلِك انْتَهَى.
وَقد تعَارض هَذَا بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه فِي الْفَضَائِل من حَدِيث عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «أَسْرَعكُنَّ لحَاقًا بِي أَطْوَلكُنَّ يدا» قالت فَكُن يَتَطَاوَلْنَ أيتهن أطول يدا حَتَّى توفيت زَيْنَب فَعرفنَا أَنه الصَّدَقَة وَكَانَت زَيْنَب امْرَأَة صناعًا تعْمل بِيَدَيْهَا وَتَتَصَدَّق.
وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بالأهل فِي الأول الْأَقَارِب وَالْخطاب فِي الثَّانِي لِلزَّوْجَاتِ.
وَوَقع فِي البُخَارِيّ أَن سَوْدَة كَانَت أول أَهله لُحُوقا بِهِ رَوَاهُ فِي الزَّكَاة من حَدِيث مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم قُلْنَ لَهُ أَيّنَا أسْرع بك لُحُوقا فَقال: «أَطْوَلكُنَّ يدا» فَأخذُوا قَصَبَة يَذْرَعُونَهَا فَكَانَت سَوْدَة أَطْوَلهنَّ يدا فَقُلْنَا بعد إِنَّمَا كَانَ طول يَدهَا الصَّدَقَة وَكَانَت أَسْرَعنَا لُحُوقا بِهِ وَكَانَت تحب الصَّدَقَة. انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَإِذا تَأَمَّلت تَجدهُ غير مُنْتَظم فَإِن سَوْدَة كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا من حَيْثُ الْخلقَة وَزَيْنَب كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا من حَيْثُ الصَّدَقَة فَجمع بَينهمَا لسودة فِي متن البُخَارِيّ وَهَذَا وهم ظَاهر وَنسب إِلَى البُخَارِيّ نَفسه وَقد رَوَاهُ مُسلم عَن الصَّوَاب وَالله أعلم.
وَرَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أخبرنَا عَفَّان بن مُسلم ثَنَا أَبُو عوَانَة عَن فراس عَن عَامر عَن عَائِشَة... فَذكره بِلَفْظ البُخَارِيّ ثمَّ قال قال مُحَمَّد بن عمر يَعْنِي الْوَاقِدِيّ هَذَا الحَدِيث وَهل فِي سَوْدَة وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَب بنت جحش فَإِنَّهَا كَانَت أول نِسَائِهِ لُحُوقا بِهِ توفيت فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَبقيت سَوْدَة بنت زَمعَة فِيمَا حَدثنَا بِهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم عَن أَبِيه أَن سَوْدَة توفيت فِي شَوَّال سنة أبع وَخمسين بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ الثبت عندنَا انْتَهَى.
قال ابْن الْجَوْزِيّ وَهَذَا بِلَا شكّ وهم من بعض الروَاة قال وَالْعجب من البُخَارِيّ كَيفَ لم يُغَيِّرهُ وَلَا نبه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ زَيْنَب فَإِنَّهَا كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا فِي الصَّدَقَة وَالعطَاء وَزَيْنَب توفيت سنة عشْرين وَسَوْدَة إِنَّمَا توفيت سنة أَربع وَخمسين انْتَهَى.
وَقال عبد الْحق فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لما ذكر حَدِيث البُخَارِيّ فِي الْفَضَائِل وَالْمَعْرُوف أَن زَيْنَب كَانَت أول من مَاتَ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَاتَت أَيَّام عمر ابْن الْخطاب انْتَهَى.
والْحميدِي عده فِيمَا اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى مَتنه بِسَنَدَيْنِ وَلم يبين وهم البُخَارِيّ فِيهِ.
1560-
الحَدِيث الثَّانِي عشر:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سُورَة إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح أعطي من الْأجر كمن شهد مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فتح مَكَّة»
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره من حَدِيث سَلام بن سليم ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أمامة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم... فَذكره.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه فِي آل عمرَان.
وَبِسَنَد الثَّعْلَبِيّ رَوَاهُ الواحدي فِي الْوَسِيط. اهـ.
سورة الفتح
{إِذَا جَاء نَصْرُ الله والفتح} يقتضي الاستقبال
جملة المعجزات من حيث إنه خبر وجد مخبره بعد حين مطابقًا له، والإخبار عن الغيب معجز.
فإن قيل: لم ذكر النصر مضافًا إلى الله تعالى، وذكر الفتح بالألف واللام؟
الجواب: الألف واللام للمعهود السابق، فينصرف إلى فتح مكة.
{رأيت} يحتمل أن يكون معناه أبصرت، وأن يكون معناه علمت، فإن كان معناه أبصرت كان يدخلون في محل النصب على الحال، والتقدير: ورأيت الناس حال دخولهم في دين الله أفواجًا، وإن كان معناه علمت كان {يدخلون في دين الله} مفعولًا ثانيًا لعلمت، والتقدير: علمت الناس داخلين في دين الله.
ظاهر لفظ الناس للعموم، فيقتضي أن يكون كل الناس كانوا قد دخلوا في الوجود مع أن الأمر
 إن إيمان المقلد صحيح، واحتجوا بهذه الآية، قالوا: إنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج وجعله من أعظم المنن على محمد عليه السلام، ولو لم يكن إيمانهم صحيحًا لما ذكره في هذا المعرض
فِى دِينِ الله} ولم يقل: في دين الرب، ولا سائر الأسماء لوجهين الأول: أن هذا الاسم أعظم الأسماء لدلالته على الذات والصفات، فكأنه يقول: هذا الدين إن لم يكن له خصلة سوى أنه دين الله فإنه يكون واجب القبول.
الفوج: الجماعة الكثيرة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحدًا واحدًا وإثنين اثنين، وعن جابر بن عبد الله أنه بكى ذات يوم فقيل له: ما يبكيك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دخل الناس في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا» نعوذ بالله من السلب بعد العطاء.
إذا فرغ العبد عن تنزيه الله عما لا ينبغي فحينئذ
يشتغل بحمده على ما أعطى من الإحسان والبر، ثم حينئذ يشتغل بالاستغفار لذنوب نفسه
لاستدلال بالأصل على التبع يكون أقوى من الاستدلال بالتبع على الأصل، وإذا ثبت هذا فنقول: الآية دالة على هذه الطريقة التي هي أشرف الطريقين وذلك لأنه قدم الاشتغال بالخالق على الاشتغال بالنفس فذكر أولًا من الخالق أمرين أحدهما: التسبيح.
والثاني: التحميد، ثم ذكروا في المرتبة الثالثة الاستغفار وهو حالة ممزوجة من الالتفات إلى الخالق وإلى الخلق.
واعلم أن صفات الحق محصورة في السلب والإيجاب والنفي والإثبات، والسلوب مقدمة على الإيجابات فالتسبيح إشارة إلى التعرض للصفات السلبية التي لواجب الوجود وهي صفات الجلال، والتحميد إشارة إلى الصفات الثبوتية له، وهي صفات الإكرام، ولذلك فإن القرآن يدل على تقدم الجلال على الإكرام، ولما أشار إلى هذين النوعين من الاستغفار بمعرفة واجب الوجود نزل منه إلى الاستغفار لأن الاستغفار فيه رؤية قصور النفس، وفيه رؤية جود الحق، وفيه طلب لما هو الأصلح والأكمل للنفس، ومن المعلوم أن بقدر اشتغال العبد بمطالعة غير الله يبقى محرومًا عن مطالعة حضرة جلال الله،
{فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} إشارة إلى التشبه بالملائكة في قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ} وقوله ههنا: {واستغفره} إشارة إلى قوله تعالى: {وَنُقَدّسُ لَكَ} لأنهم فسروا قوله: {وَنُقَدّسُ لَكَ} أي نجعل أنفسنا مقدسة لأجل رضاك والاستغفار يرجع معناه أيضًا إلى تقديس النفس، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ادعوا لأنفسهم أنهم سبحوا بحمدي ورأوا ذلك من أنفسهم، وأما أنت فسبح بحمدي واستغفر من أن ترى تلك الطاعة من
فإن قلت: ما الفرق بين النصر والفتح حتى عطف عليه؟
قلت: النصر الإغاثة والإظهار على العدوّ. ومنه: نصر اللّه الأرض غاثها. والفتح: فتح البلاد. والمعنى: نصر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على العرب. أو على قريش وفتح مكة.
و{أفواجًا}: جمع فوج.
قال الحوفي: وقياس جمعه أفوج، ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدّل إلى أفواج، كأنه يعني أنه كان ينبغي أن يكون معتل العين كالصحيح.
فكما أن قياس فعل صحيحها أن يجمع على أفعل لا على أفعال، فكذلك هذا؛ والأمر في هذا المعتل بالعكس.
القياس فيه أفعال، كحوض وأحواض، وشذ فيه أفعل، كثوب وأثوب، وهو حال.
ويدخلون حال أو مفعول ثان إن كان {أرأيت} بمعنى علمت المتعدية لاثنين.
وقال الزمخشري: إما على الحال على أن أرأيت بمعنى أبصرت أو عرفت، انتهى.
ولا نعلم رأيت جاءت بمعنى عرفت، فنحتاج في ذلك إلى استثبات.
قيل: الباء للبدل أي ائت بالتسبيح بدل الحمد الواجب عليك في مقابلة نعمة النصر والفتح لأن الحمد لا حصر له {وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها}
والفتح فتح البلاد، وقال الرازي: الفرق بين النصر والفتح أنّ الفتح هو الإعانة على تحصيل المطلوب الذي كان متعلقًا به، والنصر كالسبب فلهذا بدأ بذكر النصر وعطف الفتح عليه.
فإن قيل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائمًا منصورًا بالدلائل والمعجزات فما المعنى: بتخصيص لفظ النصر بفتح مكة؟.
أجيب: بأنّ المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع..
فإن قيل: النصر لا يكون إلا من الله تعالى، قال الله تعالى: {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} (آل عمران) فما فائدة التقييد بنصر الله؟
أجيب: بأنّ معناه نصر لا يليق إلا بالله تعالى، كما يقال هذا صنعة زيد إذا كان مشهورًا بإحكام الصنعة والمقصود منه تعظيم حال تلك الصنعة فكذا ههنا..
فإن قيل: الذين أعانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة هم أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم إنه تعالى سمى نصرتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم نصر الله فما السبب في ذلك؟
أجيب: بأنّ النصر وإن كان على يد الصحابة لكن لابد له من داع وباعث وهو من الله تعالى.
فإن قيل: فعلى هذا الجواب يكون فعل العبد مقدّمًا على فعل الله تعالى، وهذا بخلاف النصر لأنه تعالى قال: {إن تنصروا الله ينصركم} (محمد) فجعل نصره مقدّمًا على نصره لنا؟
أجيب: بأنه لا امتناع في أن يكون فعل العبد سببًا لفعل آخر يصدر عن الله تعالى، فإنّ أسباب الحوادث ومسبباتها على ترتيب عجيب تعجز عن إدراكه العقول البشرية.
في الآية سؤالات أحدها أنّ قوله تعالى: {كان توابًا} يدل على الماضي وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل. ثانيها: هلا قال غفارًا كما قال في سورة نوح عليه السلام. ثالثها: أنه قال تعالى: {نصر الله} وقال تعالى: {في دين الله} وقال تعالى: {بحمد ربك} ولم يقل بحمد الله؟
الثاني: قال الرازي: إذا حملنا الفتح على فتح مكة، فللناس في وقت النزول هذه السورة قولان:
وقال ابن القيم في (الهدى) كأنه أخذه من قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْهُ} لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور؛ فيقول إذا سلم من الصلاة: «أستغفر الله» ثلاثًا. وإذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك». وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ} [البقرة: 199] الآية. اهـ.
وأسلوب الآيات توقيتي إذا صح التعبير، أي أنه يوجب التسبيح والاستغفار حينما يجيء نصر اللّه وفتحه ويدخل الناس في دين اللّه أفواجا. غير أن روحها يلهم أن ذلك الواجب قد وجب وأن ذلك المجيء قد جاء. والروايات والأحاديث التي أوردناها في صدد نزولها تؤيد ذلك كما هو المتبادر.
نرجح أن يكون ما عنته الآيات ليس فتح مكة وحسب بل مجموعة الانتصارات والفتوحات الضخمة التي يسرها اللّه لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى قبيل وفاته والتي بلغت ذروتها بفتح مكة الذي شرحنا قصته في سورة الحديد وبغزوة تبوك الكبرى التي شرحنا قصتها في سورة التوبة وبفتح الطائف التي ظلت مستعصية إلى السنة الهجرية التاسعة و
ابن عاشور
ضافة {نصر} إلى {اللَّه} تشعر بتعظيم هذا النصر وأنه نصر عزيز خارق للعادة اعتنى الله بإيجاد أسبابه ولم تجر على متعارف تولد الحوادث عن أمثالها.
و{جاء} مستعمل في معنى: حصَل وتحقق مجازًا.
والتعريف في (الفتح) للعهد وقد وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم به غير مرة من ذلك قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 85] وقوله: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحًا قريبًا} [الفتح: 27].
وهذه الآية نزلت عام الحديبية وذلك قبل نزول سورة {إذا جاء نصر الله} على جميع الأقوال.
وقد اتفقت أقوال المفسرين من السلف فمَن بعدهم على أن الفتح المذكور في هذه السورة هو فتح مكة إلا رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس هو فتح المدائن والقصور، يعنون الحصون.
وقد كان فتح مكة يخالج نفوس العرب كلهم فالمسلمون كانوا يرجونه ويعلمون ما أشار به القرآن من الوعد به وأهل مَكة يتوقعونه وبقية العرب ينتظرون ماذا يكون الحال بين أهل مكة وبين النبي صلى الله عليه وسلم ويتلومون بدخولهم في الإِسلام فتحَ مكة يقولون: إنْ ظهر محمد على قومه فهو نبيء.
وتكرر أنْ صَدَّ بعضُهم بعضًا ممن يريد اتباع الاسلام عن الدخول فيه وإنظاره إلى ما سيظهر من غلب الإِسلام أو غلب الشرك.
مراد مَن قال من المفسرين {إذا} بمعنى (قد)، فهو تفسير حاصل المعنى، وليست {إذا} مما يأتي بمعنى (قد).
والرؤية في قوله: {ورأيت الناس} يجوز أن تكون علمية، أي وعلمت علم اليقين أن الناس يدخلون في دين الله أفواجًا وذلك بالأخبار الواردة من آفاق بلاد العرب ومواطن قبائلهم وبمَنْ يحضر من وفودهم.
فيكون جملة {يدخلون} في محل المفعول الثاني لـ: {رأيت}.
ويجوز أن تكون رؤية بصرية بأن رأى أفواج وفود العرب يردون إلى المدينة يدخلون في الإِسلام وذلك سنة تسع، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ببصره ما علم منه دخولهم كلهم في الإِسلام بمن حضر معه الموقف في حجة الوداع فقد كانوا مائة ألف من مختلف قبائل العرب فتكون جملة {يدخلون} في موضع الحال من الناس.
و{دين اللَّه} هو الإِسلام لقوله تعالى: {إن الدين عند اللَّه الإسلام} [آل عمران: 19] وقوله: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت اللَّه التي فطر الناس عليها} [الروم: 30].
والدخول في الدين: مستعار للنطق بكلمة الشهادة والتزام أحكام الدين الناشئة عن تلك الشهادة.
فشُبه الدين ببيت أو حظيرة على طريقة المكنية ورمز إليه بما هو من لوازم المشبه به وهو الدخول، على تشبيه التلبس بالدين بتلبس المظروف بالظرف، ففيه استعارة أخرى تصريحية.
و{الناس}: اسم جمع يدل على جماعة من الآدميين، وقد تقدم عند قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا باللَّه} في سورة [البقرة: 8].
وإذا عُرّف اسم ناس باللام احتملت العهد نحو: {الذين قال لهم الناس} [آل عمران: 173]، واحتملت الجنس نحو: {إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] واحتملت الاستغراق نحو: {ومن الناس من يقول} [البقرة: 8] ونحو: {قل أعوذ برب الناس} [الناس: 1].
والتعريف في هذه الآية للاستغراق العرفي، أي جميع الناس الذين يخطرون بالبال لعدم إرادة معهودين معينني ولاستحالة دخول كل إنسان في دين الله بدليل المشاهدة، فالمعنى: ورأيتَ ناسًا كثيرين أو ورأيت العرب.
وقَرن التسبيح بالحمد بباء المصاحبة المقتضية أن التسبيح لاحقٌ للحمد لأن باء المصاحبة بمعنى (مع) فهي مثل (مع) في أنها تدخل على المتبوع فكان حمد الله على حصول النصر والفتح ودخول الناس في الإِسلام شيئًا مفروغًا منه لا يحتاج إلى الأمر بإيقاعه لأن شأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد فعله، وإنما يحتاج إلى تذكيره بتسبيح خاص لم يحصل من قبل في تسبيحاته وباستغفار خاص لم يحصل من قبل في استغفاره.
ويجوز أن يكون التسبيح المأمور به تسبيحَ ابتهاج وتعجب من تيسير الله تعالى له ما لا يخطر ببال أحد أن يتم له ذلك، فإن سبحان الله ونحوه يستعمل في التعجب كقول الأعشى:
قد قلتُ لما جاءني فخرُه ** سبحانَ من علقمةَ الفاخِر

وفي تقديم الأمر بالتسبيح والحمد على الأمر بالاستغفار تمهيد لإجابة استغفاره على عادة العرب في تقديم الثناء قبل سؤال الحاجة كما قال ابن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يومًا ** كفاه عن تعرضه الثناء

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخلو عن تسبيح الله فأريد تسبيح يقارن الحمد على ما أعطيه من النصر والفتح ودخول الأمة في الإِسلام.
وعطف الأمر باستغفار الله تعالى على الأمر بالتسبيح مع الحمد يقتضي أنه من حَيِّز جواب {إذا}، وأنه استغفار يحصل مع الحمد مثل ما قرر في {فسبح بحمد ربك} فيدل على أنه استغفار خاص لأن الاستغفار الذي يعم طلب غفران التقصير ونحوه مأمور به من قبل وهو من شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال: «إنه لَيُغَانَ على قلْبي فأستغفر اللَّه في اليوم والليلة مائة مرة» فكان تعليق الأمر بالتسبيح وبالاستغفار على حصول النصر والفتح إيماءً إلى تسبيح واستغفار يحصل بهما تقرب لم يُنْو من قبل، وهو التهيّؤ للقاء الله، وأن حياته الدنيوية أوشكت على الانتهاء، وانتهاء أعمال الطاعات
تذييل للكلام السابق كله وتعليل لما يقتضي التعليل فيه من الأمر باستغفار ربه باعتبار الصريح من الكلام السابق كما سيتبين لك.
وتوّاب: مثال مبالغة من تاب عليه.
وفعل تاب المتعدي بحرف (على) يطلق بمعنى: وفّق للتوبة، أثبته في (اللسان) و(القاموس)، وهذا الإِطلاق خاص بما أسند إلى الله.
وقد اشتملت الجملة على أربع مؤكدات هي: إنّ، وكانَ، وصيغة المبالغة في التوّاب، وتنوين التعظيم فيه.
وحيث كان توكيد بـ: (إنَّ) هنا غير مقصودٍ به ردُّ إنكار ولا إزالة تردد إذ لا يفرضان في جانب المخاطب صلى الله عليه وسلم فقد تمحض (إنَّ) لإفادة الاهتمام بالخبر بتأكيده.
وقد تقرر أن من شأن (إنَّ) إذا جاءت على هذا الوجه أن تغني غَناء فاء الترتيب والتسبب وتفيد التعليل وربط الكلام بما قبله كما تفيده الفاء، وقد تقدم غير مرة، منها عند قوله تعالى: {إنك أنت العليم الحكيم} في سورة [البقرة: 32]، فالمعنى: هو شديد القبول لتوبة عباده كثير قبوله إياها.
وإذ قد كان الكلام تذييلًا وتعليلًا للكلام السابق تعين أن حذف متعلق {توابًا} يُقدر بنحو: على التائبين.
وهذا المقدر مراد به العموم، وهو عموم مخصوص بالمشيئة تخصصه أدلة وصف الربوبية، ولما ذكر دليل العموم عَقب أمرِه بالاستغفار أفاد أنه إذا استغفره غفر له دلالة تقتضيها مستتبعات التراكيب، فأفادت هذه الجملة تعليل الأمر بالاستغفار لأن الاستغفار طلب لغفر، فالطالب يترقب إجابة طلبه، وأما ما في الجملة من الأمر بالتسبيح والحمد فلا يحتاج إلى تعليل لأنهما إنشاء تنزيه وثناء على الله.
أن من عُرف بكثرة قبول توبة التائبين شأنه أن يكرم وفادة الوافدين الذين سَعوْا جهودهم في مرضاته بمنتهى الاستطاعة، أو هو مجاز بعلاقة اللزوم العرفي لأن منتهى ما يخافه الأحبة عند اللقاء مرارة العتاب، فالإِخبار بأنه توّاب اقتضى أنه لا يخاف عتابًا.
فهذه الجملة بمدلولها الصريح ومدلولها الكنائي أو المجازي ومستتبعاتها تعليل لما تضمنته الجملة التي قبلها من معنى صريح أو كنائي يناسبه التعليل بالتسبيح والحمد باعتبارهما تمهيدًا للأمر بالاستغفار كما تقدم آنفًا لا يحتاجان إلى التعليل، أو يغني تعليل الممهد له بهما عن تعليلهما ولكنهما باعتبار كونهما رمزًا إلى مداناة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ما في قوله: {إنه كان توابًا} من الوعد بحسن القبول تعليلًا لمدلولهما الكنائي، وأما الأمر بالاستغفار فمناسبة التعليل له بقوله: {إنه كان توابًا} ناهضة باعتبار كلتا دلالتيه الصريحة والكنائيّة، أي إنه متقبل استغفارك ومتقبلك بأحسن قبول، شأنَ من عهد من الصفح والتكرم.
وفعل {كان} هنا مستعمل في لازم معنى الاتصاف بالوصف في الزمن الماضي.
وهو أن هذا الوصف ذاتي له لا يتخلف معموله عن عباده فقد دل استقرأء القرآن على إخبار الله عن نفسه بذلك من مبدأ الخليقة قال تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [البقرة: 37].
ومقتضى الظاهر أن يقال: إنه كان غفّارًا، كما في آية: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} [نوح: 10] فيُجرى الوصف على ما يناسب قوله: {واستغفره}، فعُدل عن ذلك تلطفًا مع النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ أمره بالاستغفار ليس مقتضيًا إثبات ذنب له لما علمت آنفًا من أن وصف (تواب) جاء من تاب عليه الذي يستعمل بمعنى وفقه للتوبة إيماء إلى أن أمره بالاستغفار إرشاد إلى مقام التأدب مع الله تعالى، فإنه لا يُسأل عما يفعل بعباده، لولا تفضله بما بيَّن لهم من مراده، ولأن وصف (توّاب) أشد ملاءمة لإقامة الفاصلة مع فاصلة {أفواجًا} لأن حرف الجيم وحرف الباء كليهما حرف من الحروف الموصوفة بالشدة، بخلاف حرف الراء فهو من الحروف التي صفتها بين الشدة والرِّخوة.
يلاحظ أن النصر هنا جاء بلفظ نصر الله، وفي غير هذا جاء نصر الله، وما النصر إلا من عند الله.
ومعلوم أن هذه الإضافة هنا لها دلالة تمام وكمال، كما في بيت الله. مع أن المساجد كلها بيوت لله، فهو مشعر بالنصر كل النصر، أو بتمام النصر كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والفتح، هنا قيل: هو فتوج مكة، وقيل فتح المدائن وغيرها.
وتقدمت الإشارة إلى فتوحات عديدة، قبل مكة.