الثلاثاء، 7 أبريل 2015

أشعار الحكمة القديمة من واقع الحياة الشعبية في قصص ألف ليلة وليلة ولدى المتنبي

1-من كان يملك درهمين تعلمت شفتاه أنواع الكلام فقالا
وتقدم الاخوان فاستمعوا له ورأيته بين الورى مختالا
لولا دراهمه التي يزهو بها لوجدته في الناس اسوأ حالا
ان الغني اذا تكلم مخطئاً قالوا صدقت وما نطقت محالا
اما الفقير اذا تكلم صادقا قالوا كذبت وأبطلوا ما قالا
ان الدراهم في المواطن كلها تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السلاح لمن أراد قتالا

-2-

دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن الا خالي البال
ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال الى حال..

-3-

ما في زمانك من ترجو مودته ولا صديق اذا خان الزمان وفا
فعش فريداً ولا تركن الى أحد ها قد نصحتك فيما قلته وكفى

-4-
لا تظلمن اذا ما كنت مقتدرا ان الظلوم على حد من النقم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

-5-
أن كنت دهرك كله تحوي اليك وتجمع
فمتى بما حصلته وحويته تتمتع؟

-6-
لا يكتم السر الا كل ذي ثقة والسر عند خيار الناس كتوم

السر عندي في بيت له غلق ضاعت مفاتيحه والباب مختوم

-7-
قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون

-8-
يا سادة رحلوا والقلب يتبعهم عودوا تعود لي الاعياد بعدكم
وقفت في داركم انعى مساكنكم والدمع يدفق والاجفان تلتطم
اسائل الدار والاطلال باكية اين الذي كان منه الجود والنعم
اقصد سبيلك فالاحباب قد رحلوا من الربوع وتحت الترب قد ردموا
لا أوحش الله من رؤيا محاسنهم طولا وعرضا ولاغابت لهم شيم

-9-

بقدر الكد تكتسب المعالي ومن طلب العلى سهر الليالي
يغوص البحر من طلب الآليء ويحظى بالسيادة والنوال
ومن طلب العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال

-10-
الدهر يومان ذا أمن وذا حذر والعيش شطران ذا صفو وذا كدر
قل للذي بصروف الدهر غيرنا هل عاند الدهر الا من له خطر؟
اما ترى البحر تعلو فوقه جيف وتستقر باقصى قعره الدرر؟
احسنت ظنك بالايام اذ حسنت ولم تخف سوء ما يأتي به القدر؟

-11 –
دع الاقدار تفعل ما تشاء وطب نفساً بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن لشيء فان الشيء ليس له بقاء

-12-
ونفسك فز بها ان خفت ضيماً وخل الدار تنعي من بناها
فانك واجد ارضاً بارض ونفسك لم تجد نفساً سواها
عجبت لمن يعيش بدار ذل وارض الله واسعة فلاها

-13-
وما من كاتب الا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك يوم القيامة ان تراه

-14-
تحيرت والرحمن لا شك في أمري وحلت بي الاحزان من حيث لا ادري
سأصبر حتى يعجز الصبر من صبري واصبر حتى يقضي الله في امري
سأصبر حتى يعلم الناس انني صبرت على شيء امر من الصبر..

-15-
الصمت زين والسكوت سلامة فاذا نطقت فلا تكن مهذارا
فلئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مرارا..

-16-
وما من يد الا يد الله فوقها ولا ظالم الاسيبلى باظلم..

-17-
اضحى التنائي بديلاً عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً اليكم ولا جفت مآقينا

-18-

اقامات الغريب بكل ارض كبنيان القصور على الرياح
يهب الريح تنهدم المباني لقد عزم الغريب على الرواح

-19-
الا ايها العشاق بالله خبروا اذا اشتد عشق بالفتى كيف يصنع
يداري هواه ثم يكتم سره ويصبر في كل الامور ويخضع
لقد حال الصبر الجميل ولم يجد له غير قلب في الصبابة يوجع
فان لم يجد صبراً لكتمان سره فليس له عندي سوى الموت انفع
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي على من كان الوصل يمنع

(ملاحظة: احلى قصة حب في الف ليلة وليلة تحوي هذه الابيات (الليلة 113)...

20
لا تعذليه فان العذل يوجعه قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
استودع الله في البطحاء لي قمراً بالحي من فلك الازرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة واني لا اودعه
وكم تشفع بي يوم الفراق ضُحى وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا يستقر لجنبي مضجع وكذا لا يستقر له مذ بنت مضجعه
وقد سعى الدهر فيما بيننا بيد عسراء تمنعني حظي وتمنعه

قال أرسطو : علل الأفهام أشد من علل الأجسام

والمتنبى يقول على نحو أعم وأشمل :
 
يهون علينا أن تصاب جسومنا
وتسلم أعراض لنا وعقول
 
ومن ذلك أيضا :
يقول أرسطو : إذا لم تنصرف النفس عن شهواتها ومرادها فحياتها موت ، ووجودها عدم .
والمتنبى بعيد عن ذلك تماما ، حين يقول :

ذل من يغبط الذليـــل بعيــــش
رب عيش أخف منه الحمام
 
ولا أريد أن أطيل أكثر ، فالباحث مشكور على أية حال . وهو يفتح الباب أمام باحثين آخرين للوقوف بدقة وبتوثيق أكثر على المنابع التى يمكن أن يكون المتنبى استمد منها ضروب الحكمة لديه .
من هنا جاءت فكرة هذا البحث الاستقصائى الذى قمت به ، وغرضى منه أن أضع أمام القراء بعامة ، والباحثين فى المتنبى بخاصة (مجموع الحكم التى وردت فى شعره كله) ، وقد تطلب منى ذلك قراءة ديوانه أكثر من مرة ، قمت خلالها برصد كل ما يتعلق منه بالحكمة ، ولكى أسهل الأمر على غيرى ، صنفت ما جمعته فى ستة أقسام :

1 – الحكمة فى جملة من شطر بيت .
2 – الحكمة فى الشطر الأول من البيت .
3 – الحكمة فى الشطر الثانى من البيت .
4 – الحكمة فى بيت مفرد .
5 – الحكمة فى بيتين متتاليين .
6 – الحكمة فى عدة أبيات متتالية .

هذا من حيث الشكل الخارجى لورود الحكمة لدى المتنبى ، أما من حيث (أبطال الحكمة) فكثيرا ما يكون هو نفسه صاحب القول الفصل فى الحكمة ، وأحيانا كثيرة يجعل (الدهر أو الزمان أو بعض الأشخاص أو بعض الحيوانات وخاصة الوحوش أو بعض الطيور وخاصة الجوارح) . ومن الناحية الأسلوبية فإن الحكمة لدى المتنبى تأتى غالبا فى صيغة خبرية (تقريرية) وقليلا ما ترد فى صيغة استفهام استنكارى .

والذى يعيش طويلا مع هذا الكم الهائل من ضروب الحكمة لدى المتنبى لا يسعه إلا أن يعترف ببراعة هذا الشاعر الكبير فى اقناع القارئ بأن جميع الحكم التى أوردها صادرة بصورة طبيعية للغاية من نفسه وروحه وقلبه ، فلا شئ منها – إلا فى النادر – مصنوع أو متكلف ، ولعلنا نستحضر هنا كلمة للمفكر الفرنسى بول فاليرى يقول فيها : " إن الأسد ليس سوى عدة خراف مهضومة " ! أمر أخر ، وهو أن المتنبى قد قرب الحكمة (التى تصيب وتخطئ) من المثل الشعبى (الذى يصدق دائما) ، والذى تتداوله الأجيال وهى مقتنعة تماما بصدقه وصوابه . ولعلنا جميعا نذكر من أبيات المتنبى التى مازالت حتى اليوم تجرى على الألسنة ، ومنها قوله :


والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عــفــــة ، فلعـلـة لا يظلــــم
لا يسلم الشرف الرفيـع من الأذى
حتــى يراق على جوانبـــه الدم

وقوله :

ذو العقل يشقى فـى النعيم بعقلـه
وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم

وقوله :

أعز مكان فى الدنا سرج سابــح
وخيـر جليس فى الزمان كتاب

 
فهذه وأمثالها كثير قد تحولت بفضل المتنبى من حكمة قالها حكيم ، إلى مثل شعبى أصبح جزءا لا يتجزأ من تراث أمة بأكملها .
 
والسؤال الآن : هل يمكن استخلاص فلسفة للمتنبى من مجموع الحكم التى وردت فى أشعاره ؟ والإجابة : أجل بكل تأكيد ، خاصة وأننا قد أصبحنا نمتلك الآن : المادة الفكرية الأولى لإجراء هذا العمل . وكنت أتمنى على بعض شباب الباحثين فى الفلسفة الإسلامية أن يقوموا به ، بدلا من إضاعة جهدهم فى تلك الخلافات القديمة التى شجرت بين المتكلمين ، ولم يعد لها أى نتيجة إيجابية فى حياتنا المعاصرة .
 
ومن جانبى أود أن أسجل هنا بعض انطباعاتى عن فلسفة المتنبى ، من خلال معايشتى لمجموع الحكم لديه . وسوف ألخصها فى الملاحظات التالية :
أولا : أن فلسفة المتنبى ليست ذهنية ، كما نجدها لدى فلاسفة المسلمين من أمثال الكندى والفارابى وابن سينا .. بقدر ما هى فلسفة أخلاقية ، تتصل مباشرة بالسلوك الإنسانى ، وتفسر دوافعه .
 
ثانيا : أن هذه الفلسفة الأخلاقية تنبع وترتبط بحياة المتنبى وشعره معا . وبالتالى فإنه لا يمكن الفصل بين شخصية المتنبى وبين مختلف المواقف التى تعرض لها ، والقصائد التى أنشدها فيها .
 
ثالثا : أن محور هذه الفلسفة الأخلاقية تتمثل أساسا فى تمجيد الكرامة الإنسانية ، وعزة النفس ، مع إدانة الذل فى كل صوره .
 
رابعا : أن الإنسان إنما يعيش حياته مرة واحدة ، لذلك ينبغى عليه أن يحقق فيها أعلى ما يمكن من الصفات ، مستخدما فى ذلك وسيلتين : صواب الرأى ، وشجاعة الفروسية .
 
خامسا : أن الأعمال العظيمة لا يمكن للإنسان أن يحققها إلا فى مرحلة الشباب ، حيث تتوافر الفتوة والقوة والعزيمة ، أما الشيخوخة فهى خريف العمر ، الذى يضطر صاحبه إلى بدء الانسحاب ، ويقع فيه الانكسار .
 
سادسا : أن تحقيق المطالب الكبرى فى الحياة لا ينبغى أن يتوصل إليه الإنسان بالمكر والتحايل والاستجداء ، وإنما بالاقدام ، والاستيلاء عليها بالقوة ، كما تفعل الوحوش الكاسرة ، والطيور الجارحة .
 
سابعا : أن الإنسان العاقل هو الذى يتنبه جيدا لظروف الدهر وأحوال الدنيـــا ، التى لا تبقى دائما على حــال واحد ، وإنما هى سريعة التقلب ، تسلب اليوم ما أعطته بالأمس .
 
ثامنا : هناك نوعان من الأخلاق ، أحدهما خاص باللئام ، وهو يقوم على الكذب والنفاق والمذلة والخيانة ، والثانى أخلاق الكرام التى تتميز بالصدق والكرم والشجاعة والعفو عند المقدرة .
 
تاسعا : أن الصداقة الحقيقية أفضل من القرابة المزيفة ، كما أن اعتماد الإنسان على نفسه هو الذى يحدد قيمته الحقيقية ، وليس الاعتماد على حسب أو نسب ، أو الاتكاء على سيرة الأسلاف .
 
عاشرا : أن الحاكم هو رأس الدولة ، وهو أيضا القدوة لرعاياه ، ولذلك ينبغى أن يتحلى بالقوة والشجاعة والكرم والعدل ، وأن يخلو تماما من أضدادها .

1 – الحكمة فى جزء من شطر بيت :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ والحــــــــر لا يـغـــدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ والمـتلف الشئ غارمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ من يزحم البحر يغرق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ ومن الســـرور بـكـاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ والمـــــــوت اضـطرار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ ليس للدنيـــــا خليـــل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ والدنيـــــا لمن غلبـــا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ بعض المالكين عنيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ والقتل الشريف شريف


 
2 – الحكمة فى الشطر الأول من البيت :



أعلى الممالك ما يبنى على الأســل
(الأسل : الرماح)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان شـعر فالنســـيب المقــــدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القلب أعلم يـــا عزول بدائـــــــه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بـاد هـــواك صبرت أم لـم تصبـرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحيا وأيسـر مــا قاســيت مـا قتـلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليــوم عهـدكم فأيــن الموعــد ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحـــب مــا منـع الكــلام الألسـنـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفاضل الناس أغراض لذى الزمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكـل امرئ مـن دهره مـا تعــودا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كفى بك داء أن ترى الموت شـافيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنــمـا التـهـنـئــــات للأكـفــــــــاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أود مـــن الأيــام مـــــا لا توده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا خيل عنــدك تهديها ولا مـــال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهوى النفـــوس سريرة لا تعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 – الحكمة فى الشطر الثانى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشد من السقم الذى أذهب السقما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولابد دون الشهد من ابر النـحـــل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنى رأيت الطيب : الطيب الأصل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن المنيـــــة عنـد الذل قـنــــديـــد
(القنديد : عسل قصب السكر)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفـى التقــرب مـا يدعو إلى الهـم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فــإن الـرفـــــق بالجــــانى عتـاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومــن وجـد الإحســان قيـد تقيــدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعبـــــد يقبــح إلا عنـد ســــيده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحلم الفتى فى غير موضعه جهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكــن معـدن الذهب الرغـــــام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقـدر الشهـــادة قـدر الشهــــود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظر العــدو بمـــا أسر يبـــــوح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن القليـــل من المحب كثيــــــر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يستطيع لأمر فائت طلبـــــا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجوع يرضى الأسود بالجــــيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومــن يعــش يـلذ لـــه الغـــرام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبـضدهـــا تتبيــن الأشيــــــاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومـا خيـر الحيـاة بـــــلا سرور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هيهات تكتم فى الظلام مشاعل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن النفيـس غريب حيثما كانـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكل اغتياب،جهد من ماله جهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا كـــــل مـا يـطيــــر بـبــــــاز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفى عنق الحسناء يستحسن العقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس التكحل فـى العينين كالكحـــل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فربمــا صحت الأجســــام بالعـــلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا الغريق فما خوفى مـــن البـــلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن المعارف فـى أهل النـــــهى ذمم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فليـس يأكـــل إلا الميتــة الضبــــع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكــــل حـب صبــــابـة وولــــــــه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والـــدر در بـرغــم مـن جهـلـــــه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يحمد السيف كـل مـن حملـــــه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا رأى فـــى الحــب للعـــاقـــــل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل مــا يمنح الشريــف شريــــف



4– الحكمة فى بيت مفرد :


ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله
وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم
ومن البلية عذل من لا يرعوى
عن جهله وخطاب مـن لا يفهم
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفــة ، فـلعـلــة لا يـظــــلــم
يؤذى القليل من اللئـام بطبعــه
من لا يقـــل كما يقـــل ويلــــؤم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتــى يراق على جوانبــــه الدم
لا يخـدعنــك مـــن عــدو دمعـــه
وارحم شبابك مــن عدو ترحــم
والهــم يختـرم الجسيـم نحــافــة
ويشيب ناصيـة الصبى ويهــرم
ولقـد رأيـت الحـادثــــات فلا أرى
يققا بميـت ، ولا ســرورا يعصم
(اليقق : البياض)
لـــو فـكـر العاشـق فـــى منتــهى
فـؤاده يخفــق مـــن رعـبـــــــه
وغايــــة المفــرد فـــى سـلـمــــه
كفايــــة المفرط فــى حربـــــــه
فـــلا قـضـى حاجـتـــــه طــــالـب
حســن الذى يســبيه لـم يســبه
(الرعب : المقصود به هنا الخوف الشديد من الموت)
يـدخـل صبـر المـرء فــى مدحـــه
ويـدخـل الإشـفـــاق فــى ثـلبــه
(الإشفاق : الخوف – الثلب : الذم)
وليس حياء الوجه فى الذئب شيمة
ولكنـه من شيمة الأســـد الورد
كدعواك ، كل يدعى صحة العقل
ومن ذا الذى يدرى بما فيه من جهل
وليس الذى يتبع الوبل رائدا
كمن جاءه فى داره رائد الوبل
ومن جهلت نفسه قدره
رأى غيره منه ما لا يرى
إذا ما عدمت الأصل والعقل والندى
فما لحياة فى جنابك طيب
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة
بين الرجال ولو كانوا ذوى رحم
أتى الزمان بنوه فى شبيبته
فسرهم ، وأتيناه على الهرم
ومن ضاقت الأرض عن نفسه
حرىّ أن يضيق بها جسمه
إذا أتت الإساءة من وضيع
ولم ألم المسئ فمن ألوم
لا تشترى العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
وهل ينفع الجيش الكثير التفافه
على غير منصور وغير معان
وفى الجسم نفس لا تشيب بشيبه
ولو أن ما فى الوجه منه حراب
وما العشق إلا غرة وطماعة
يعرض قلب نفسه فيصاب
أعز مكان فى الدنا سرج سابح
وخير جليس فى الزمان كتاب
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن
لحى الله ذى الدنيا مناخا لراكب
فكل بعيد الهم فيها معذب
وكل امرئ يولى الجميل محبب
وكل مكان ينبت العز طيب
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا
لمن بات فى نعمائه يتقلب
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
سرور محب ، أو مساءة مجرم
وإذا الحلم لم يكن عن طباع
لم يكن عن تقادم الميلاد
(الحلم هنا بمعناه الخلقى)
وما كل هاو للجميل بفاعل
ولا كل فعال له بمتمم
وفى الناس من يرضى بميسور عيشه
ومركوبه رجلاه ، والثوب جلده
وإذا لم تجد من الناس كفءا
ذات خدر أرادت الموت بعلا
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
وإذا الرماح شغلن مهجة ثائر
شغلته مهجته عن الإخوان
وكثير من السؤال اشتياق
وكثير من رده تعليل
وإذا العذل فى الندى زار سمعا
ففداه العذول والمعذول
وجرم جره سفهاء قوم
وحل بغير جارمه العذاب
وإذا خامر الهوى قلب صب
فعليه لكل عين دليل
وما فى سطوة الأرباب عيب
ولا فى ذلة العبدان عار
وما يوجع الحرمان من كف حازم
كما يوجع الحرمان من كف رازق
نبكى على الدنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
وجائزة دعوى المحبة والهوى
وإن كان لا يخفى كلام المنافق
ما الذى عنده تدار المنايا
يهون علينا ان تصاب جسومنا


كالذى عنده تدار الشمول
وتسلم اعراض لنا وعقول

وما الحسن فى وجه الفتى شرفا له
إذا لم يكن فى فعله ، والخلائق
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا
إذا لم يكن فوق الكرام كرام
وما بلد الإنسان غير الموافق
ولا أهله الأدنون غير الأصادق
وكم ذنب مولده دلال
وكم بعد مولده اقتراب
وأتعب من ناداك من لا تجيبه
وأغيظ من عاداك من لا تشاكل
ووضع الندى فى موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف فى موضع الندى
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم
ومن لك بالحر الذى يحفظ البدا
وأتعب خلق الله من زاد همه
وقصر عما تشتهى النفس وحده
فلا مجد فى الدنيا لمن قل ماله
ولا مال فى الدنيا لمن قل مجده
فما الحداثة من حلم بمانعة
قد يوجد الحلم فى الشبان والشيب
(الحلم هنا بمعنى العقل)
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفى البداوة حسن غير مجلوب
وللنفس أخلاق تدل على الفتى
أكان سخاء ما أتى أم تساخيا
إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه
تصيده الضرغام فيما تصيدا
إذا كان بعض الناس سيفا لدولة
ففى الناس بوقات لها وطبول
إذا لم تكن لليث إلا فريسة
غذاه ، ولم ينفعك أنك فيل
ووجه البحر يعرف من بعيد
إذا يسجو ، فكيف إذا يموج
فما ترجى النفوس من زمن
أحمد حاليه غير محمود
ومن الحلاوة فى الزمان مرارة
لا تختطى إلا على أهواله
يدفّن بعضنا بعضا ، وتمشى
أواخرنا على هام الأوالى
وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر فى الهلال
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت فى مرادها الأجسام
وما كل سيف يقطع الهام حده
وتقطع لزبات الزمان مكارمه
(لزبات الزمان : شدائده)
مشيب الذى يبكى الشباب مشيبه
فكيف توقيه ، وبانيه هادمه
وقد يتزيّا بالهوى غير أهله
ويستصحب الإنسان من لا يلائمه
غيرى بأكثر هذى الناس ينخدع
ان قاتلوا جبنوا او حدثوا شجعوا
وما الحياة ونفسى بعدما علمت
أن الحياة كما لا تشتهى طبع
(الطبع : الدنس والعيب)
إن السلاح جميع الناس تحمله
وليس كل ذوات المخلب السبع
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى
وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
وفى تعب من يحسد الشمس نورها
ويجهد أن يأتى لها بضريب
ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت
على عينه حتى يرى صدقها كذبا
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخى الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن ان الليث يبتسم
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألا تفارقهم فالراحلون هم
شر البلاد مكان لا صديق به
وشر ما يكسب الإنسان ما يصم
(يصم : يعيب)
وما صبابة مشتاق على أمل
من اللقاء كمشتاق بلا أمل
خذ ماتراه ودع شيئا سمعت به
فى طلعة البدر مايغنيك عن زحل
وليس يصح فى الأفهام شئ
إذا احتاج النهار إلى دليل
وأحلى الهوى ماشك فى الوصل ربه
وفى الهجر ، فهو الدهر يرجو ويتقى
ونهب نفوس أهل النهب أولى
بأهل المجد من نهب القماش
إذا مالبست الدهر مستمتعا به
تخرقت ، والملبوس لم يتخرق
وإطراق طرف العين ليس بنافع
إذا كان طرف القلب ليس بمطرق
ومن قبل النطاح وقبل يأتى
تبين لك النعاج من الكباش
والغنى فى يد اللئيم قبيح
قدر قبح الكريم فى الإملاق
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم
فقد يظن شجاعا من به خرق
وقد يظن جبانا من به زمع
(الخرق : الخفة والطيش – الزمع : الارتعاد)
وكل شجاعة فى المرء تغنى
من لا يرى فى الدهر شيئا يحمد
يرى الجبناء أن العجز عقل
وتلك خديعة الطبع اللئيم
من خصّ بالذم الفراق فإننى
ولا مثل الشجاعة فى الحكيم
وما تقر سيوف فى ممالكها
حتى تقلقل دهرا قبل فى القلل
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بدّ
ولكن حبا خامر القلب فى الصبا
يزيد على مر الزمان ويشتد
وشيخ فى الشباب ، وليس شيخا
يسمى كل من بلغ المشيبا
وإنى رأيت الضر أحسن منظر
وأهون من مرأى صغير به كبر
إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقص
على هبة فالفضل فيمن له الشكر
ليس الجمال لوجه صح مادنه
أنف العزيز بقطع العز يجتدع
(المادن : أرنبة الأنف – يجتدع : يقتطع)
ومن ينفق الساعات فى جمع ماله
مخافة فقر ، فالذى فعل الفقر
وإذا أتتك مذمتى من ناقص
فهى الشهادة لى يأتى كامل
كل حلم أتى بغير اقتدار
حجة لاجئ إليها اللئام
ومكايد السفهاء واقعة بهم
وعداوة الشعراء بئس المقتنى
وأنفس ما للغنى لبّه
وذو اللب يكره إنفاقه
ما كل من طلب المعالى نافذا
فيها ولا كل الرجال فحولا
تلف الذى اتخذ الجراءة خلة
وعظ الذى اتخذ الفرار خليلا
والعار مضاض وليس بخائف
من حتفه من خاف مما قيلا
(مضاض : مؤلم)
ومن يك ذا فم مرّ مريض
يجد مرا به الماء الزلالا
أبلغ ما يطلب النجاح به الطبع ، وعند التعمق الزلل
وما كل بمعذور ببخل
ولا كل على بخل يلام
لعنت مقارنة اللئيم فإنها
ضيف يجر من الندامة ضيفنا
(الضيفن : الذى يتبع الضيف)
وشبه الشئ منجذب إليه
وأشبهنا بدنيانا الطعام
إذا كان الشــــــــــــــــــــــــــــــــباب السكر ، والشيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب هما ... فالحياة هى الحمام
أعيذكم من صروف دهركم
فإنه فى الكرام متهم
وإنما الناس بالملوك وما
تفلح عرب ملوكها عجم
خير الطيور على القصور وشرها
يأوى الخراب ويسكن الناووسا
( الناووس : المقبرة)
تذلل لها واخضع على القرب والنوى
فما عاشق من لا يذل ويخضع
وكاتم الحب يوم البين منهتك
وصاحب الدمع لا تخفى سرائره
ورب مال فقيرا من مروءته
لم يثر منها ، كما أثرى من العدم
ومن العداوة من ينالك نفعه
ومن الصداقة مايضر ويؤلم
على ذا مضى الناس : اجتماع وفرقة
وميت ومولود ، وقال ووامق
(القالى : المبغض الكاره – الوامق : المحب)
وإذا سحابة صد حب أبرقت
تركت حلاوة كل حب عقلما
إذا اشتبهت دموع فى خدود
تبين من بكى ممن تباكى
والذل يظهر فى الذليل مودة
وأود منه لمن يود الأرقم
فقر الجهول بلا قلب إلى أدب
فقر الحمار بلا رأس إلى رسن
وما الجمع بين الماء والنار فى يدى
بأصعب من أن أجمع الجد والفهما
(الجد : الحظ)
إذا لم تكن نفس النسيب كأصله
فما الذى تغنى كرام المناصب
(النسيب : الشريف – المناصب : الأصول)
هذا الوداع وداع الوامق الكمد
هذا الوداع وداع الروح للجسد
من يهن يسهل الهوان عليه
مالجرح بميت إيلام



5 – الحكمة فى بيتين متتاليين :


إذا ما الناس جربهم لبيب
فإنى قد أكلتهم ، وذاقا
فلم أرى ودهم إلا خداعا
ولم أر دينهم إلا نفاقا
يموت راعى الضأن فى جهله
ميتة جالينوس فى طبه
وربما زاد على عمره
وزاد فى الأمن على سربه
سوى وجع الحساد داو فإنه
إذا حل فى قلب فليس يحول
ولا تطمعن من حاسد فى مودة
وإن كنت تبديها له وتنيل
ولابد للقلب من آلة
ورأى يصّدع صمّ الصفا
وكل طريق أتاه الفتى
على قدر الرجل فيه الخطى
( يصدع : يشق – صم الصفا : الصخور الصلدة )
حتى رجعت وأقلامى قوائل لى :
المجد للسيف ليس المجد للقلم
اكتب بنا أبدا بعد الكتاب به
فإنما نحن للأسياف كالخدم
تصفو الحياة لجاهل أو غافل
عما مضى فيها وما يتوقع
ولمن يغالط فى الحقائق نفسه
ويسومها طلب المحال فيطمع
لا يدرك المجد إلا سيد فطن
لما يشق على السادات فعّال
لا وارث جهلت يمناه ما وهبت
ولا كسوب بغير السيف سأّال
تمتع من سهاد أو رقاد
ولا تأمل كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى
سوى معنى انتباهك والمنام
( السهاد : السهر – الكرى : النوم – الرجام : حجارة تنصب على القبر – والمقصود بثالث الحالين : الموت )
مما أضر بأهل العشق أنهم
هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم
فى إثر كل قبيح وجهه حسن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث
مادام يصحب فيه روحك البدن
فما يديم سرور ما سررت به
ولا يرد عليك الفائت الحزن
وما الخيل إلا كالصديق قليلة
وإن كثرت فى عين من لا يجرب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها
وأعضائها ، فالحسن عنك مغيب
( الشيات : الألوان )
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق مايعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته
وأصبح فى ليل من الشك مظلم
وكلام الوشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاة ليس على الأحبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب سلطانه على الأضداد
إنما تنجح المقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالة فى المرء إذا وافقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت هوى فى الفـــــــــــــــــــؤاد
فأحسن وجه فى الورى وجه محسن
وأيمن كف فيهم كف منعم
وأشرفهم من كان أشرف همه
وأكثر إقداما على كل معظم
إذا كنت فى شك من السيف فابله
فإما تنقيه وإما تعدّه
وما الصارم الهندى إلا كغيره
إذا لم يفارقه النجاد وغمده
على قدر أهل العزم تأتى العزائم
وتأتى على قدر الكرام الكرائم
وتعظم فى عين الصغير صغارها
وتصغر فى عين العظيم العظائم
إذا ماتأملت الزمان وصرفه
تيقنت أن الموت ضرب من القتل
وما الدهر أهل أن تؤمل عنده
حياة ، وأن يشتاق فيه إلى النسل
وما الموت إلا سارق دقّ شخصه
يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
يرد أبو الشبل الخميس عن ابنه
ويسلمه عند الولادة للنمل
( أبو الشبل : الأسد – الخميس : الجيش )
فذى الدار أخون من مومس
وأخدع من كفّة الحابل
تفانى الرجال على حبها
وما يحصلون على طائل
( كفة الحابل : شرك الصائد )
ومن لم يعشق الدنيا قديما
ولكن لا سبيل إلى الوصال
نصيبك فى حياتك من حبيب
نصيبك فى منامك من خيال
إلف هذا الهــــــــــــــــــــــــــــــــــــواء أوقع فى الأنفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــس أن الحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام مرّ المذاق
والأسى قبل فرقة الروح عجر
والأسى لا يكون بعد الفراق
إذا غامرت فى مشرق مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت فى أمر حقير
كطعم الموت فى أمر عظيم
كثير حياة المرء مثل قليلها
يزول ، وباقى عيشه مثل ذاهب
إليك فإنى لست ممن إذا اتقى
عضاض الأفاعى نام فوق العقارب
( أى لست ممن إذا خاف من الهلاك صبر على الذل )
أذم إلى هذا الزمان أهيله
فأعلمهم فدم ، وأحزمهم وغد
وأكرمهم كلب ، وأبصرهم عم
وأسهدهم فهد ، وأشجعهم قرد
( الفهد : يضرب به المثل فى كثرة النوم )
إنى لأعلم واللبيب خبير
أن الحياة وإن حرصت غرور
ورأيت كلا ما يعلل نفسه
بتعلة ، وإلى الفناء يصير
فإن الجرح ينفر بعد حين
إذا كان البناء على فساد
وإن الماء يجرى من جماد
وإن النار تخرج من زناد
إن بعضا من القريض هراء
ليس شيئا وبعضه أحكام
منه ما يجلب البراعــــــــــــــــــــــــــــــــة والفضــــــــــــــــــــــــــــــــــــل ، ومنه ما يجــــــــــــــــــــــــــــــلب البرســـــــــــــــــــــام
( البرسام : مرض فى الصدر )
كذا الدنيا على من كان قبلى
صروف لم يدمن عليه حالا
أشد الغم عندى فى سرور
تيقن عنه صاحبه انتقالا
قصدتك والراجون قصدى إليه
كثير ، ولكن ليس كالذنب الأنف
ولا الفضة البيضاء والتبر واحدا
نفوعان للمكدى وبينهما صرف
( التبر : الذهب – المكدى : الفقير – الصرف : الفضل )
خليلك أنت ، لا من قلت خلى
وإن كثر التجمل والكلام
ولو حيز الحفاظ بغير عقل
تجنب عنق صيقله الحسام
( الصيقل : الذى يجلو السيف )
فالموت آت والنفوس نفائس
والمستغر بما لديه الأحمق
والمرء يأمل والحياة شهية
والشيب أوقر و الشبيبة أنزق



6 – الحكمة فى عدة أبيات متتالية :

أ – ثلاثة أبيات :


صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
وعناهم من شأنه ما عنانا
وتولوا بغصــــــــــــــــــــــــــــة كلهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم منه ، وإن سرّ بعضـــــــــــــــــــــــــــــهم أحيـــــــــــــــــــــــــانا
ربما تحســــــــــــــــــــــــــــن الصنيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع لياليــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ، ولكن تكـــــــــــــــــــدر الإحسانا
ولذيذ الحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــاة أنفس فى النفـــــــــــــــــــــــس وأشهــــــــــــــــــــى من أن يمــــــــــــــــلّ وأحلى
وإذا الشيخ قـــــــــــــــــــــــــــــــــــال : أفّ ، فمـــــــــــــــــــــــــا ملّ الحيــــــــــــــــــــــــاة ، وإنما الضعف ملاّ
آلة العيش صحة وشباب
فإذا وليّا عن المرء ولّى
وما ماضى الشباب بمسترد
ولا يوم يسّر بمستعاد
متى لحظت بياض الشيب عينى
فقد وجدته منها فى السواد
متى ما ازددت من بعد التناهى
فقد وقع انتقاصى فى ازديادى
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلة
فلا تستعدن الحسام اليمانيا
ولا تستطيلّن الرماح لغارة
ولا تستجيدن العتاق المذاكيا
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى
ولا تتقى حتى تكون ضراريا
( تستعدن : تتخذه عدة – تستجيدن : تختار – العتاق : الخيل الطويلة – المذاكى :التى اكتملت اسنانها – الطوى : الجوع – الضوارى : المفترسة )
إنما أنفس الأنيس سباع
يتفارسن جهرة واغتيالا
من أطاق التماس شئ غلابا
واغتصابا لم يلتمسه سؤالا
كل غاد لحاجة يتمنى
أن يكون الغضنفر الرئبالا
أرى كلنا يبغى الحياة لنفسه
حريصا عليها مستهاما بها صبا
فحب الجبان النفس أورده البقا
وحب الشجاع الحرب أورده العطبا
ويختلف الرزقان ، والفعل واحد
إلى أن إحسان هذا لذا ذنبا
إنما تستــــــــــــــــــــــــــــــرد ما تهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب الدنيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ، فياليت جودها كان بخلا
وهى معشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوقة على الغدر ، لا تحفـــــــــــــــــــــــظ عهــــــــــــــــــــــــــــدا ولا تتمم وصلا
شيم الغانيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات فيها ، فما أدرى لذا أنــــــــــــــــــــّث اسمها النــــــــــــــــــــــــــــــــــــاس أم لا
ولا تحسبنّ المجد زقا وقينة
فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
وتضريب أعناق الملوك وأن ترى
لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك فى الدنيا دويا كأنما
تداول سمع المرء أنمله العشر
( الزق : وعاء الخمر – الفتكة : البطن – البكر : غير المسبوقة – الهبوات جمع هبوة : الغبار المتصاعد من المعركة )



ب – أربعة أبيات :

لا افتخار إلا لمن لا يضام
مدرك أو محارب لا ينام
ليس عزما مامرّض المرء فيه
ليس همّا ما عاق عنه الظلام
واحتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال الأذى ورؤية جانيــــــــــــــــــــــــــــــــــه قذى تضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوى به الأجسام
ذل من يغبط الذليل بعيش
رب عيش أخف منه الحمام
لا تعذل المشتاق فى أشواقه
حتى يكون حشاك فى أحشائه
إن القتيل مضرجا بدموعه
مثل القتيل مضرجا بدمائه
والعشق كالمعشوق يعذب قربه
للمبتلى ، وينال من حوبائه
لو قلت للدنف الحزين : فديته
مما به لأغرته بفدائه
( الحوباء : الروح )
انعم ولذّ فللامور أواخر
أبدا إذا كانت لهنّ أوائل
مادمت من أرب الحسان فإنما
روق الشباب عليك ظل زائل
للهو آونة تمر كأنها
قبل يزوّدها حبيب راحل
جمح الزمان ، فلا لذيذ خالص
مما يشوب ولا سرور كامل
ففى فؤاد المحب نار جوى
آخر نار الحجيم أبردها
شاب من الهجر فرق لمته
فصار مثل الدمقس أسودها
يا عاذل العاشقين دع فئة
أضلها الله كيف ترشدها
ليس يحيك الملام فى همم
أقربها منك عنك أبعدها
( اللمة : الشعر الذى يجاوز الأذن – الدمقس : الحرير الأبيض )
إذا غدرت حسناء وفت بعهدها
فمن عهدها ألا يدوم لها عهد
وإن عشقت كانت أشد صبابة
وإن فركت فاذهب فمافركها قصد
وإن حقدت لم يبق فى قلبها رضا
وإن رضيت لم يبق فى قلبها حقد
كذلك أخلاق النساء ، وربما
يضل بها الهادى ويخفى بها الرشد
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتّال
وإنما يبلغ الإنسان طاقته
ماكل ماشية بالرجل شملال
إنا لفى زمن ترك القبيح به
من أكثر الناس إحسان وإفضال
ذكر الفتى عمره الثانى وحاجته
مافاته ، وفضول العيش أشغال



ج – خمسة أبيات :


الرأى قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهى المحل الثانى
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه
بالرأى قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان
ولما تفاضلت النفوس ودبرت
أيدى الكماة عوالى المران
( المران : الرماح اللدنة )
لابد للإنسان من ضجعة
لا تقلب المضجع عن جنبه
ينسى بها ما كان من عجبه
وما أذاق الموت من كربه
نحن بنو الموتى ، فما بالنا
نعاف ما لابد من شربه
تبخل أيدينا بأرواحنا
على زمان هنّ من كسبه
فهذه الأرواح من جوّه
وهذه الأجسام من تربه
وقد فارق الناس الأحبة قبلنا
وأعيا دواء الموت كل طبيب
سبقنا إلى الدنيا فلوعاش أهلها
منعنا بها من جيئة وذهوب
تملكها الآتى تملك سالب
وفارقها الماضى فراق سليب
ولا فضل فيها للشجاعة والندى
وصبر الفتى لولا لقاء شعوب
وأوفى حياة الغابرين لصاحب
حياة امرئ خانته بعد مشيب
( الشعوب : الموت )


د – ستة أبيات :



عش عزيزا أو مت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود
فرؤوس الرمــــــــــــــــــــــــــــــــاح أذهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب للغيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــظ وأشفى لغل صدر الحقود
لا كما قد حييت غير حميد
وإذا متّ متّ غير مفيد
فاطــــــــــــــــــــــــــــــــلب العــــــــــــــــــــــــــــــــــز فى لظى ، ودع الذل ، وإن كـــــان فى جنان الخلود
يقتل العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاجز الجبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان ، وقد يعجز عن قطع بخنق المولود
ويوقّى الفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتى المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــخش وقد خوّض فى ماء لبــــــــــــــــــــــــــــــــــّه الصنديد
( البخنق : خرقة قماش يقنع بها رأس المولود وتشد تحت الحنك – المخش : الجرئ – اللبة : أعلى الصدر – الصنديد : الشجاع )
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء فى القناة سهاما
ومراد النفوس أصغر من أن
تتعادى فيه وأن نتفانى
غير أن الفتى يلاقى المنايا
كالحات ولا يلاقى الهوانا
ولو ان الحياة تبقى لحىّ
لعددنا أضلنا الشجعانا
وإذا لم يكن من الموت بدّ
فمن العجز أن نموت جبانا
كل ما لم يكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن من الصعـــــــــــــــــــــــــــــــب فى الأنفــــــــــــــــــس سهل فيها إذا هو كانا



ه – ثمانية أبيات :



فلا تنلك الليالى إن أيديها
إذا ضربن كسرن النبع بالغرب
ومن تفكر فى الدنيا ومهجته
فإنهن يصدن الصقر بالخرب
وإن سررن بمحبوب فجعن به
وقد أتينك فى الحالين بالعجب
وربما احتسب الإنسان غايتها
وفاجأته بأمر غير محتسب
وما قضى أحد منها لبانته
ولا انتهى أرب إلا إلى أرب
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
إلا على شجب والخلف فى الشجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة
وقيل تشرك جسم المرء فى العطب
ولا يعنّ عدوا أنت قاهره
أقامه الفكر بين العجز والتعب


و – تسعة أبيات :



ولما صار ود الناس خبا
جزيت على ابتسام بابتسام
وصرت أشك فيمن أصطفيه
لعلمى أنه بعض الأنام
يحب العاقلون على التصافى
وحب الجاهلين على الوسام
وآنف من أخى لأبى وأمى
اذا ما لم أجده من الكرام
أرى الأجداد تغلبها كثيرا
على الأولاد أخلاق اللئام
ولست بقانع من كل فضل
بأن أعزى إلى جد همام
عجبت لمن له قد وح
وينبو نبوة القضم الكهام
ومن يجد الطريق إلى المعالى
فلا يذر المطىّ بلا سنام
ولم أر فى عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام


 الشعر العربي القديم يحوي الكثير من الحكمة، وكلها تساعد قارئها على تحمل صعوبة الحياة.. وشظف العيش..
ربما، في عصرنا فقط ، صار لدينا مال النفط.. ولكنه كذلك اطمع الناس فينا.. وربما يمكن ان نختم هذه الرحلة مع الشعر العربي بابيات ضاحكة:
رأيت الناس قد مالوا الى من عنده مال ومن ليس عنده مال فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس قد ذهبوا الى من عنده ذهب ومن ليس عنده ذهب، فعنه الناس تذهب
رأيت الناس منفضة الى من عنده فضة ومن ليس عنده فضه فعنه الناس منفضة..
وعسى الله يعطي القارئ المال.. وما هو أهم: راحة البال..

الحب عند القدماء

الحب أشعاره لا تنتهي منذ القدم فكل من وقع فيه نوعان :
الصريح : امرؤ القيس وغيره نجد الوجد والمغامرة من أجل المتعة واللذة بلا ألم قلبي أو نفسي بل راحة وسعادة في الفوز بالمغامرة .
أما أصحاب الغزل العفيف : فهم في غيبوبة ذهنية ونفسية وعقلية عن الواقع يصل بهم الحب والوجد والعشق والهيام للجنون ثم الموت سواء موتا عن واقع الحياة ومخالطة الناس وتحقيق أي نفع وبين الموت المرضي الهزال والأصفرار والنحول ثم الجفاف والموت ، وهؤلاء هم وصمة في جبين الإنسانية التي خلقها الله حتى لو كان هذا الحب في الله فقد وصل للحلول والاتحاد الحلجي وهو ما ليس بصورة صحيحة للحب الإلهي المرسوم في مخالطة الناس والبشر وتحمل الأذى والشر منهم وفي دعوة الأنبياء وفي قصص القرآن ، أما التوهان عن البشر في حب أنثى فهذا شرك بالله لأنه جعلها إله تعبد يهيم في عالمها بعيدا عن الناس ، وليس هذا نقصا من حق المرأة التي تسلب عقل الرجل بل العيب في الرجل الذي يرفعها لمكانة الإله ، المرأة مخلوق جميل خلقه الله لآدم ليخرجه من الحزن ويسليه ويسر عند النظر له ويذيل الوحشة منه ، لا أن يجعلها كل ما في الأمر فمن خلقها أجمل ، وخلق لكل إنسان ما يسره من جمال يتعلق به مثل خيل سليمان التي شغلته عن ذكر الله ، ومثل الإبل انظر كيف خلقت ؟ والسماء والنجوم والأرض والزهور والفاكهة والهوايات وغيرها من الأمور التي يتعلق بها الإنسان حتى تصرفه عن الفراغ العقلي في التفكير في صورة غمرأة أحبته ، ولو خدع بذلك فلماذا يأكل ويشرب ويعيش فليمت إذن ، ولكن أغلب المرض النفسي أنه لا يريد علاجا ويترك نفسه ليصعب على محبوبه حتى يرق له وما وجدنا أمراة ذابت من العشق في رجل ولا كتبت الهيام والوجد وغيرها ، ولكن من اندمج مع محبوب فهو بسبب الشفقة أو الرغبة لديها أو ضعف الشخصية في الانجرار  لدهاء الرجل مع رغبتها ، وما زليخة يوسف ببعيد سجن يوسف سنين ما أخرجته من السجن وما تعذبت ببعده ولا ماتت بل عاشرت وخلفت وأنجبت وعزمت وضحكت ، الأمر كله أن شاعر الحب العفيف يريد الضياع لأنه فشل في التوافق مع علاقات متنوعة من البشر ، لو تعددت علاقات هؤلاء الشعراء بعيدا عن جو البداوة وعادات إخفاء المرأة وتدليلها وغيرها ، ما حدث ذلك ، ولعلنا نرى في قرى مصر المرأة تخرج ثديها لترضع في الشارع ، وما جذبت رجل ولا معتوه يتغذل فيها ، والمعتوه الهائم على وجهه يتلصص ويتخفى وهو مريض نفسي نريد علاجه بالتوافق مع الصحاب والأقران ، فمن اعتزل أصحابه في الجامعة ليحب على إنقراد وترك الصحاب فهذا لديه خلل فيه منذ الصغر في البعد والعزلة ، وليس معنى الكلام الاختلاط والفحش والعري ، أبدا ولكن هو إخراج العاشق من العزلة والتلصص والوحدة والهروب والابتعاد عن الناس أشعار الغزل قريبه من الحب الإلهي كلاهما في وادي والحياة التي يريدها الله هي الامتزاج والتحمل والعمل والحياة وليس الحبس في محراب الترهات في عين ونهد ومشية وكلام ولمسة المرأة وأثرها ولو انشغل بالعمل والتقدم وإصلاح الحياة والاهتمام بمساعدة الآخر لصرف وقته في الفائدة التي يدفعنا الله لها وهي صلاح الدنيا لصلاح الآخرة .
حدثني صاحبنا أبا بكر (...) أن يوسف بن هارون الشاعر المعروف بالرمادي كان مجتازاً عند باب العطارين بقرطبة، وهذا الموضع كان مجتمع النساء، فرأى جارية أخذت بمجامع قلبه وتخلل حبها جميع أعضائه، فانصرف عن طريق الجامع وجعل يتبعها وهي ناهضة نحو القنطرة(...)، نظرت منه منفرداً عن الناس لا همة له غيرها فانصرفت إليه فقالت له: مالك تمشي ورائي؟ فأخبرها بعظيم بليته بها. فقالت له: دع عنك هذا ولا تطلب فضيحتي فلا مطمع لك في النية ولا إلى ما ترغبه سبيل فقال: إني أقنع بالنظر. فقالت: ذلك مباح لك، فقال لها: يا سيدتي: أحرة أم مملوكة؟ قالت: مملوكة. فقال لها: ما اسمك؟ قالت: خلوة. قال: ولمن أنت؟ فقالت له: علمك والله بما في السماء السابعة أقرب إليك مما سألت عنه، فدع المحال. فقال لها: يا سيدتي، وأين أراك بعد هذا؟ قالت: حيث رأيتني اليوم في مثل تلك الساعة من كل جمعة. فقالت له: إما أن تنهض أنت وإما أنا، فنهضت نحو القنطرة ولم يمكنه أتباعها، يقول: فوالله لقد لازمت باب العطارين والربض من ذلك الوقت إلى الآن فما وقعت لها على خبر ولا أدري أسماء لحستها أم أرض بلعتها، وإن في قلبي منها لأحر من الجمر. وهي خلوة التي يتغزل بها في أشعاره، ثم وقع بعد ذلك على خبرها بعد رحيله في سببها إلى سرقسطة
كتاب طوق الحمامة أو طوق الحمامة في الألفة والألاف هو كتاب لابن حزم الأندلسي وصف بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه. ترجم الكتاب إلى العديد من اللغات العالمية.
واسم الكتاب كاملاً طوق الحمامة في الألفة والأُلاف. ويحتوي الكتاب على مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين، ويتناول الكتاب بالبحث والدَّرس عاطفة الحب الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسي من خلال الملاحظة والتجربة. فيعالج ابن حزم في أسلوب قصصي هذه العاطفة من منظور إنساني تحليلي. والكتاب يُعد عملاً فريدًا في بابه.
يشمل الكتاب نصائح وفوائد كبيرة يوزعها في أبواب، فمثلا في باب من أحب من نظرة واحدة يحذر من الوقوع في الحب في الوهلة الأولى ويسرد قصة أحد اصحابه:
   
طوق الحمامة
كثيراً ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة. وهو ينقسم قسمين، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا، وهو أن يعشق المرء صورة لا يعلم من هي ولا يدري لها اسما ولا مستقراً، وقد عرض هذا لغير واحد
   
طوق الحمامة
.
   
طوق الحمامة

   
طوق الحمامة
.قسم ابن حزم كتابه طوق الحمامة إلى ثلاثين بابا بدء بباب علامات الحب وقد ذكر منها إدمان النظر والإقبال بالحديث عن المحبوب والإسراع بالسير إلى المكان الذي يكون فيه المحبوب والاضطراب عند رؤية من يحب فجأة وحب الحديث عن المحبوب بالإضافة إلى الوحدة والأنس بالانفراد والسهر.
باب ذكر من أحب في النوم وذكر فيه كثرة رؤية المحبوب في المنام ثم باب من أحب بالوصف وفيه ذكر وقوع المحبة بأوصاف معينة حتى لو لما يرى المحبوبين بعضهما فقد تقع المحبة لمجرد سماع صوت المحبوب من وراء جدار.
باب من أحب من نظرة واحدة وفيه ذكر وقوع الحب في القلب لمجرد نظرة واحدة ثم باب من لا يحب إلا المطاولة وفيه ذكر المحب الذي لا تصح محبته إلا بعد طول كتمان وكثرة مشاهدة للمحب ويصرح المحب بحبه بعد مقابلة الطبائع التي خفيت مما يشابهها من طبائع المحبوب ثم ذكر باب من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها مما يخالفها وذكر فيه أنه من أحب صفه كانت في محبوبته لم يرغب بصفة غيرها فمن أحب شقراء الشعر مثلا لا يرضى بالسوداء الشعر.
باب التعريض بالقول وذكر فيه أن أول ما يستعمله أهل المحبة في كشف ما يجدونه إلى أحبتهم بالقول إما بإنشاد الشعر أو طرح لغز أو تسليط الكلام.
باب الإشارة بالعين وذكر فيه إشارات المحبوب لمحبوبه بالعين فالإشارة بمؤخرة العين الواحدة تعني النهي عن الأمر وإدامة النظر دليل على التوجع والأسف وكسر نظرها دليل على الفرح والإشارة الخفية بمؤخرة العين تعني سؤال وترعيد الحدقتين من وسط العينين تعني النهي العام واعتبر ابن حزم أن العين أبلغ الحواس وأصحها دلالة وأوعاها عملا عن بقية الحواس.
باب المراسلة وذكر فيه المراسلة بالرسائل وقد ذكر فيه صفات الرسائل بين المحبين وشعورالمحب بالسرور عند تلقيه رسالة من محبوبه.
باب السفير وذكر فيه صفات الوسيط بين المحبوبين كالكتمان والوفاء للعهد والنصح ثم باب طي السر ويذكر فيه صفات المحب حين يخفي حبه كجحود المحب إن سئل والتصنع بإظهار الصبر ويكون سبب الكتمان الحياء الغالب على الإنسان وحتى لا يشمت به الأعداء.
باب الإذاعة وتحدث فيه عن أسباب إذاعة الحب ويكون ذلك حتى يظهر صاحب هذا الفعل في عداد المحبين ويكون ذلك بسبب غلبة الحب ثم باب الطاعة ويذكر فيه أسباب طاعة المحب لمحبوبه وفي باب المخالفة أسباب مخالفة المحب لمحبوبه مثل غلبه الشهوة.
باب العاذل وفيه ذكر اللوم للمحبوب وأثره في النفس ثم باب المساعد من الإخوان وفيه ذكر صفات الصديق المخلص الذي يعلم بأمر المحبوبين ويكتم السر ثم باب الرقيب وفيه ذكر صفات المراقب للمحبوبين ومحاولة الرقيب إظهار سرهما والبوح بوجودهما ثم باب الواشي وقد ذكر فيه صفات الواشي الذي يريد القطع بين المتحابين والإطلاع على أسرار المحبوبين وذكر الوشاة الكاذبين وذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال والأشعار التي تنهى عن الكذب.
باب الوصل وفيه ذكر وصل المحبوب والمواعيد بين المحبوبين وانتظار الوعد من المحب ثم باب الهجر وذكر فيه هجر المحبوب لمحبوبه عندما يكون هناك رقيب حاضر وقد يكون من اجل التذلل وقد يكون من أجل إبعاد الملل أو بسبب العتاب لذنب يقع من المحب.
باب الوفاء وفيه ذكر وفاء المحب لمحبوبه وذكر صفات الوفاء بين المحبوبين ثم ذكر باب الغدر ثم ذكر باب البين وهو افتراق المحبوبين عن بعضهما وذكر صفات مفارقة المحبوبين لبعضهما ثم باب القنوع وذكر فيه قناعة المحب بما يجد إذا حرم الوصل بين المتحابين وذلك من خلال الزيارة بين المتحابين من خلال النظر والحديث الظاهر ثم باب الضني وقد ذكر فيه معاناة المحب بعد فراق محبوبه وعلامات الضعف التي تصيب المحب بعد الفراق ثم باب السلو وقد ذكر فيه اليأس الذي يدخل إلى النفس من عدم بلوغها أملها وقد قسمه ابن حزم إلى النسيان والملل والاستبدال.
باب الموت وذكر فيه الموت بسبب الحب وذكر قصص من ماتوا من أجل مفارقتهم من يحبون.
باب قبح المعصية وفيه ذكر العفة وترك المعاصي والابتعاد عن موافقة الشيطان والابتعاد عن الفتن والفجور وغض البصر والنهي عن المعصية وذكر الزنا في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة.
باب التعفف وقد ذكر فيه البعد عن المعصية والفاحشة والخوف من الله وقد ذكر أبيات شعرية تحث على التعفف.

الاثنين، 6 أبريل 2015

خصائص وسمات وومميزات اللغة العربية عن سائر اللغات

اللغات هي مرآة الفكر وأداته، وثمرة العقل ونتاجه، ثم هی معرض الثـقافة الإنسانیة وحضارتها،  ووسیلة للتواصل البشری یعبر بها الإنسان عمـا یختلج في صدره من أفكار ومشاعر، أمـا اللغة العـربیة فهی واسطة عقد اللغــات العالمیة لمسایرتها الزمن وطواعیتها للنمو والتـقدم، وقدرتهـا الفطــری علی التعبیرعن الذات والموجــودات، وفوق مــا تتصف أنها لغة رسالة اﷲ الخالدة، ووعاء  سنـة نبیه المطهرة، ومعلم في طریق العلم، ومفتاح التـفقّه في الدین، تنتمی اللغة العــربیة إلی أسرة اللغــات السامیة المنبثـقة من مجمـوعـــة اللغــات الأفریقیة الآسیویة، منها الكنعـانیة كما منها الآرامیة والعربیة، إلا أن العربیة أكثر اللغات السامیة تداولاوأكثرها انتشارا واستخدامًا، وذلك لاحتـفاظها علی مقومات اللغة  السامیة الأم أكثرمن أي لغة سامیة أخری، فالعربیة لغة نابضة متدفقة یتحدثها عشرات ملایین كلغة رسمیة وكذلك مئات الملایین كلغة دینیة، وقد تمتعت هذة اللغة بخصائصها العجیبة ومعجزاتها الفریدة منها الخصائص الصوتیة والصرفية والنحویة والدلالیة كما منها خصائص حروفها وإعرابها، وتعدد أبنیتها وصیغها، ووفرة مصادرها وجموعها وجودة مفرداتها واشـتـقاقها والدقة في تعابیرهــا وتراكیبها، وفي ذلك یقول أرنست رینان العالم الفـرنسی: «إن هذه اللغة قد بلغت حد الكمال في قلب الصحراء عند أمــة من الرحل ففاقت اللغـات بكثرة مفرداتها، ودقة معانیها، وحسن نظـام مبانیها»، كما یقول عبد الرزاق السعدي أحد أعلام اللغة والأدب: «العربیة لغة كاملة معجبة تكاد تصورألفاظها مشاهد الطبیعة، وتمثل كلماتها خطـوات النـفوس، وتكاد تنجلي معــانیها في أجـراس الألفاظ، كأنمــا كلماتها خطوات الضمیر، ونبضات القلوب، و نبرات الحیاة».(1)
لمحات عن أهم ممیزات اللغة العربیة:
(1) الإعراب:
     إن الإعراب هو تغییرالحالة النحــویة للكلمات بتغیر العوامل الداخلة علیها، فالإعراب من أقوی عناصراللغة العــربیة وأخص خصائصهـا به یعـرف فاعل من مفعول، وأصل من دخیل، وتعجب من استـفهــام، فظاهرة الإعراب من خصائص التمدن القدیم الذي جاءت معظـم لغاته معربة مثل البابلیة والیونانیة واللاتینیة والألمانیة وخاصة العربیة التي اختصت بالإعراب عن غیرها من  اللغات المتحضرة، والإعراب له أهمیة بالغة في حمل الأفكار، ونـقل المفاهیم ، ودفع الغموض، وفهم المراد والتعبیر عن الذات، فابن فارس یری أن الإعراب هو الفارق بین المعـاني المتكافئة في اللفظ، یهدي إلی التمییز بین المعاني والتوصل إلی أغراض المتكلم عن مجمل عواطفه وأفكاره ومعـانیه، وذلك أن قائلا لو قال: «مـا أحسن زید»، غیر معرب، لم یوقف علی مراده، فإذا قال: «ما أحسَنَ زیدا» أو «ما أحسَنُ زیدِِ» أو «ما أحسَنَ زیدٌ» أبان بالإعراب عن المعنی الذی أراده»(2).
(2) الاشتـقاق:
     الاشتـقاق في اللغـــة أخذ شيء من شيء، هو اقتطاع فرع من أصل، ولفظ من لفظ، أو صیغة من صیغــــة أخــری مــع التوافق والتناسب بینهمـا في الـمعنی والمـادة الأصلیة، فالاشتـقاق من خصائص نادرة تتـفوق بها اللغة العربیة علی لغات العالم أجمع، حیث ترجع صیغها إلی أصل واحد علی قدر من المدلول المشترك، وهو المــــــادة الأصلیة التي تتـفرع منها فروع الكلمـات والمعاني  یطلق علیهــا المشتـقات منهــا اسم الفاعــل، واسم المفعول، واسم التـفضیل، واسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلـة والصفة المشبهة وغیرها، فجمیع هذه الأسماء والصفات تعود  إلی أصــل واحد یحدد مادتهــا ویوحي معانیهـــا المشترك الأصیل، وهذا ما سمــــاه اللغویون بالاشتـقاق الأصغر، ونضــرب المثل لذلك من مادة «س ل م» ومنها یشتق نحو: سَلَم، سلّم، وسالم، وسلمان، ومسلم، وسلمي، والسلامــة، والسلم، فتعطی جمیعهــــا معنی السلامـة علی تصاریفها، وكذلك مادة «ع ر ف» حیث یشتق منها نحو: عَــرَف، وعـرّف، وتعرّف، وتعارف، وعُرف، وعُـــــرفٌ، وإعراف، وعـرّاف، وتعریف، وعـرفان، ومعرفة، فتـفيد جمیهـا معنی الظهور والكشف عن أمر.
     ومن سنن العرب في تولید الألفاظ والمعاني كذلك «الاشتـقاق الأكبر» وهوأن یؤخذ أصل من الأصول الثلاثیة، فيعقد علیه وعلی تصاریفه الستـة معنی عامـا مشتركا، ومن أمثلة ذلك مـادة «قول» فتـقلیباتهـا: قلو، وَقَل، وَلَق، لقو، لوق، وتأتی كلها بمعنی القـوة والشدة، و «سمل» وتـقلیباتها: سلم، مسل، ملس، لمس، لسم، وتأتي كلها بمعنی الإصحاب والملاینـة(3).
(3) المترادفات والأضداد:
     الترادف مظهر من مظاهر اللغة العربیة التي ارتـفعت به حتی بزت اللغات اتساعا وتشعبا، فاللغة العــربیة فسیحة الآفاق، مترامیة الأطراف تتمیز بالثراء، وغزارة الألفاظ والمفردات التي لیست لها في اللغــات الحیة شبیها، وقد اتسمت هذه المفردات بحلاوة الجرس، وسلامة النطق والعذوبة حیث تمتاز بمرونة ومطواعیة، ولنأخذ مثالا لخضم المفردات في لسان العرب من كلمة «الـعسل»، وقد بلغ عدد أسمــائه المـرادفة ثمــانون اسمـا منها: الضرب، والضربة، والضریب، والشوب، والذوب، والــحمیت، والتحمـویت، والجَلس، والورس، والشَّهد، والشُّهد، والمــاذي، ولعاب النحل، والرحیق وغیرها، ولـكلمة «سیف» عشرات من الأسمـاء المترادفة مثل الصارم، والـرداء، والـقضیب، والصفيحة، والمفقّر، والصمصامة، والكهام، والمشرفي، والحسام، والعضب، والمذكر، والمهند، والــصقیل، والأبیض ومـــا إلی ذلك، وممـــا یكشف عن تعدد المترادفـات وتنوع الدلالات في الـعربیة أن یقـول جرجی زیدان الأدیب الفاضل: «في كل لغـة مترادفات أي عدة ألفـاظ للمعنی الواحد، ولكن العـرب، فاقوا في ذلك سائر أمم الأرض، ففي لغتهــم للسنة 24 اسما، وللنور 21 اسما، وللظــلام 52 اسما، وللشمس 29 اسما، وللسحــاب 50، وللمطــر64، وللبئر 88، وللمــاء 170 اسمـا، وللبن 13 اسما، وللعسل نحــو ذلك، وللخمر مئة اسم، وللأسد 350 اسما، وللحیة مئة اسم ومثل ذلك للجمل، أما الناقة فأسمائها 255 اسما، وقس علی ذلك أسماء الثور والفرس والحمــار وغیرهــا من الحیوانات التي كانت مألوفة عند العرب، وأسماء الأسلحة كالسیف والرمح وغیرهمــا، ناهیك بمترادفات الصفات، فعندهـــم للطویل 91 لفظا، وللقصیر160 لفظا، ونحو ذلك  للشجاع  والكریم والبخیل مما یضیق المقام عن استیفائه»(4).
     أما الأضداد فهو دلالة اللفظ الواحد علی معنیین متضادین أو تسمیة المتضادین باسم واحد، كقول العرب الصریم: للیل والنهار، والصــارح: للمغیث والمستغاث، والسدفة للظلمة والنور، والقـروء: للحیض والأطهــار، والزوج: للذكـــر والأنثی، والبسل: للحــلال والحرام، والسارب: للمتواري والظاهر، والناهل: للعطشان والریان، والجون: للأبیض والأسود، والخیلولة: للشك والیقین وهلم جرا(5).
(4) الأصوات:
     بلغت اللغة العربیة منتهی الإعجاز والكمال في مدارجها الصوتیة حیث ثبتت بنطـق حروفها ومخارجها طوال العصور دون أن یصیبها من السقم والانحدار الداخلي مـا أصابه كآفة اللغات السامیة مثل العبریة والآرامیة والحبشیة، فاللغــة العـربیة تنـفرد بین جمیع أخـواتها بالإحفاظ علی مقوماتها الصوتیة علی الرغم من تـقلباتها الصرفية، ومن هذه المقومات مخارج الحروف وصفاتها المحسّنة مثل الهمس والجهــــر، والشدة والرخاوة، والاستعلاء والاستفعال، والتفخیم والترقیق، والقلقلة واللین والغنة، والانـفتاح والإطباق وغیرها، أما مخارج الحروف فتتوزع بین الشفتین إلی أقصی الحلق، ومن هذه الحروف ما تخــــرج بین وسط اللسان وطرفه ورأسه، كما منها ما تخـــرج بین جوف الصدر وبین الشفتین والحلق، وبین اللسان ومــــا فوقه من الحنك فتختلف جمیعها في المدرج الصوتی اختلافا واضحا، فمثلا لا تجتمع السین مع الصاد والثاء، والضاد مع الذال، والعین مع الألف، والحاء مع الهاء، والتاء مع الطاء وعلی هذا النحو بقیة الأحرف الهجائیة.
(5) دقة التعبیر:
     وثمــة محاسن اللغة العربیة التخصص في المعاني والدقة في التعبیر، فتلك المیزة تعطیها الملكة علی التمییز بین الأنواع المتباینة والأحوال المختلفة من الأمور الحسیة والـمعنویة علی السواء، فالكلمــة إذا كانت تحمــل معنی معینا موافقا لمقتضی الحال ومناسبا للـواقع كان له أحسن الوقع في النـفوس وأجـل تأثیرا في القلوب، ونلاحظ أن اللغـة العـربیة أوسع اللغــات في دقتها للتعبیرعن الأحوال والصفـات، تتـفجر ینابیعها بالجودة والفصاحة وسلامة التراكیب والرصانة، وإلی القاریٔ نمـاذج من هذا القبیل كما یلي: تـقول العرب في تـقسیم الاشتهاء: فلان جـائع إلی الخبز، قرِم إلی اللحم، عـطشان إلی المـاء، عیمـان إلی اللبن، قَرِد إلی التمر، جعـم إلی الفاكهة، شبق إلی النكاح، كمـا تـقول في تـقسیم قطع الأعضاء وتـقسیم ذلك علیهـا: فلان جدع أنـفه، فقأعینه، شترجفنه، شرم شفته، جذم یده، جب ذكره، ومن حسن دقة التعبیر في العربیة اختلاف الأسماء والأوصاف باختلاف أحوالها، فمثلا تـقول العرب في ترتیب النوم:- أول النوم: النعاس وهوأن یحتاج الإنسان إلی النوم، ثم الوسن: وهو ثـقل النعاس، ثم التزنیق: وهو مخالطة النعاس العین، ثم الكری والغمض: وهو أن یكون الإنسان بین النائم والیقظان، ثم التغفيق: وهو النوم وأنت تسمع كلام القوم، ثم الإغفاء: وهوالنوم الخفيف، ثم الهجود: وهوالنوم الغرق ثم التسبیخ: وهو أشد النوم(6).
(6) التعریب:
     التعریب هو عملیة تهذیب كلمة خارجیة وفقا لأوزان العربیة وأبنیتها، وهوصیغ كلمة أجنبیة بصبغــة عـربیة أو رسم لفظــة أعجمیة بأحرف عـربیة عند انتـقالها حتی تتـفوه بها العرب علی مناهجها، فالعربیة لها القدرة الفائـقة علی تمثیل الكلام الأجنبي وتعریبه حسب قوالبها والذي یعد من أخص خصـائصها، وكان اتساع دائرة اللغـة العربیة وتنمیة عــلاقات العرب بالأجانب ونـقلهـم العلــوم عن الثـقافات المستجدة مثل الفارسیة والــهندیة والیونانیة ممــا دفعهـم علی الأخذ منها كلمات وتعبیرات متنوعـة ومصطلحات مستحدثة متطورة، فالعــربیة اقتبست من هذه الثـقافات الاصطلاحات العلمیة والأدبیة والإداریة والطبیة والفلسفية وغیرها من التـقنیات والمعارف من الدرجـــة الأولی، ومما عربت العربیة عـن الأعــاجم علی سبیل المثال: التریاق، والطلسم، والقولنج، والسرسام، والـقبان، والقنطار، والأصطـرلاب، والـفــردوس، والــقسطاس وغیرها عن الرومیة، والیاقوت، والجلنار، والبلور، والكافور، والزنجبیل، والدسكرة، والاستبرق، والدیباج، والسندس، والسكـنجبین، والبركار، والــصابون، والتنور عن الفارسیة، والأنسون والسقمونیا،  والمصطكی، والبقدونس، والزیدفون من الیونانیة، والفلفل، والجاموس، والشطرنج، والصندل وغیرها من اللغة الهندیة والسنسكریتیة(7).
     وأما المنهج الذی توخته العربیة في التعامل مع الألفاظ الأجنبیــة والأعجمیــة في تعریبها فإنه یقوم كما یلي:
     1- التحویل من حروف الدخیل بطریقة النـقص منها أو الزیادة فيها، كقول العرب: الدرهم وهو في أصله درم، وبرنامج وهو برنامه.
     2- إبدال السین من الشین، واللام من الزای، كقولهم: نیسابور وهو بالفارسیة نیشابور، وإسماعیل وهو إشمائیل.
     3- التعریب بطـریقـة الجمع بین كلمتین مركبتین بكلمــة واحـدة مثل «جاموس» وهومعرب من «كاو» بمعنی بقرة، و«میش» بمعنی مختلط، وكذلك «سكباج» وهو مركب من «سك» أي خل و «با» أي طعام.
     4- تغییر الحروف الأعجمیة وفقا للأوزان العربیة، كقولهم «فردوس» وهو في أصله «برادایس»، و «كعك» وهو تعریب «كاك».
     5- ربما یبدل الكاف جیمــا والجیم كافا أو قافا لقرب أحدهما إلی الاخر، كـقولهم: «جورب» وهو في الأصل «كورب»، و «كربج» وهو «قربق»(8).
*  *  *
الهوامش:
(1)      عبد الرزاق السعدي، مقومات العالمیة في اللغة العربیة وتحدیاتها في عصر العولمة، بحث  منشورفي مجلة آفاق الثـقافة والتراث،العدد الثالث والستون،1429، ص/47.
(2)      ابن فارس : الصاحبي في فقه اللغة، دار الكتب العلمیة بیروت، ط/1، 1997م ص/161.
(3)      للاستزادة راجع: الخصائص لابن  جني، المكتبة العلمیة دارالكتب المصریة : ج/1، ص67-68، 490-493.
(4)      جرجي زیدان: تاریخ آداب اللغة العربیة، دارالهلال، ص/45.
(5)      راجع: كتاب الأضداد لأبي بكر محمد الأنباري، طبع بلیدن،۱۸۸۱م .
(6)      أبومنصور الثعالبي: فقه اللغة وأسرار العربیة المكتبة العصریة، صیدا، ط/1، 1420هـ، ص/205-206.
(7)      فقه اللغة وأسرار العربیة، ص/338.
(8)      راجع: محمد بن ابراهیم الحمد، فقه اللغة: مفهومه، موضوعاته، قضایاه، دار ابن خزیمه، ط/1، 2005م، ص/169.