الاثنين، 29 أبريل 2013

قصص وخواطر إسلامية العلامة عمرو بسطاوي

لغتك العربية فخر لك لأنها لغة الجنة والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم
الجاهلية الأولى



الجاهلية الأولى هي ما كان عليه العرب قبل الإسلام، من عبادة للأوثان، وتقديس لموروثاتهم عن الآباء والأجداد، وانتشارٍ لتقاليدَ سيئةٍ، مثل: شرب الخمر ولعب القمار ووأد البنات، فضلا عما عُرِفَ به العربُ قديما من العصبية القبلية، وشيوع مقولة: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"؛ فكان العربيُّ يتبع قبيلته ويطيع لها في الحق والباطل دون نظر أو روية، كما عمَّ بين العرب الطيشُ والحمقُ والاقتتالُ لأتفه الأسباب؛ فنجد حروبًا تستمر سنوات طويلة من أجل ناقة، كما في حرب البسوس.

كل تلك المثالب لا تعني انتفاءَ الأخلاق عن الجاهليين؛ فقد تحلَّي العربي قديمًا بصفات مثل: النجدة والصدق والكرم والوفاء بالعهد والمروءة والشجاعة والصبر.

في سورة الأحزاب يقول الله تعالى: "ولا تبرجنَ تبرجَ الجاهليةِ الأولى"، وبمراجعة أحد كتب التفسير عرفتُ أن المرأةَ في الجاهليةِ كانت تضعُ الخمارَ على رأسها دون إحكام؛ فيظهر منها الرقبة والقرط، وبعض شعرها؛ فنهى الله عن ذلك.

عُرِفَ العربيُّ في الجاهلية بالمروءة، ومما يُروى في ذلك هجرةُ أم سلمة إلى المدينة وحيدةً هي وصغيرها، فيقابلها عند التنعيم عثمان بن طلحة - وهو يومئذ مشرك - ويسألها عن وِجْهَتِهَا، وعندما علم بهجرتها شقَّ عليه أن تقطع امرأةٌ وصغيرها هذه المسافة في الصحراء، فأخذ بخطام دابتها، وسافر معها، حتى وصلت قباء، ثم عاد وتركها، ولم تستشعر منه ريبةً، وما رأت منه إلا المروءةَ والعفةَ والشهامةَ.

وفي موقف آخر تظهر العصبية القبلية في مظهر من مظاهر النبل والشرف، عندما تعاهد بنو هاشم وبنو المطلب على نصرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولم يكن أكثرهم مسلمين، وإنما دفعهم إلى ذلك الحميةُ والقبليةُ، وعندما قررت قريش مقاطعة المسلمين وبني هاشم وبني المطلب، لم يتخلف منهم سوى أبي لهب الذي انحاز إلى قريش، أما بقيتهم فقد تحملوا الجوع والحصار ثلاث سنوات متواصلة، ولم يُظْهِرْ أحدٌ منهم ضجره برغم شركهم وعدم موافقتهم المسلمين في عقيدتهم.

وبرغم الحرب الدائرة بين المسلمين وقريش تطل علينا من حين لآخر لغة الاحترام والإنصاف بين الفريقين؛ فرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غزوة بدر يأمر أصحابه بألا يتعرضوا لأشخاصٍ بعينهم من جيش المشركين، وليس ذلك إلا لمواقفهم النبيلة تجاه المسلمين في بعض الأوقات، ومن ناحية أخرى يقف أبو سفيان أمام ملك الروم ويسأله الأخير عن ذلك النبي الذي ظهر في بلادهم، ويسأله عن صفات النبي (صلى الله عليه وسلم)، فيجيب أبو سفيان بصدق وإنصاف عن صدق النبي (صلى الله عليه وسلم)، وشرف نسبه وأمانته، وعندما عاتبه بعض أصحابه قال لهم: خشيت أن تؤثر عني العرب كذبة.

لم يسعَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى هدم ما كان عليه العرب من عادات وأخلاق بشكل عام، ولكنه نهى عن سيئ الأخلاق، وأعلى من فضائلها، وعندما سُئل (صلى الله عليه وسلم) عن معادن العرب، قال: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام.

وكان (صلى الله عليه وسلم) وهو بالمدينة يمتدح حلف الفضول بمكة، لِما كان له من دورٍ في نصرةِ الضعفاءِ والمظلومين، ولم يذمّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) مقولة: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وإنما فسرها بما يوافق منهج الإسلام، بأنْ تكون نصرةُ الأخِ ظالمًا برده عن ظلمه.
إن القارئ لسيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يدرك طريقته في معالجة الواقع الفاسد؛ إنه (صلى الله عليه وسلم) يمتدح الخير والفضائل حتى لو صدرت من غير المسلمين، ويحارب الشر والرذائل، ولو شاعت بين المسلمين: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يصحح المفاهيم، ويضرب المثلَ الحيَّ في الأخلاق، وصدق الله إذ يقول: "لقد كان لكم في رسولِ اللهِ أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرَ وذكر الله كثيرًا".
 

الخميس، 21 مارس، 2013


في مناقب الفشل





كل الناس يكرهون الفشل، ويتمنون بصورة دائمة النجاح، وعلى هذا مدار حياة البشر جميعا، ولكن لم يتطرق أحد إلى مزايا الفشل للإنسان.

إن الإنسان الذي اعتاد النجاح في جميع مراحل حياته يصبح – من حيث لا يدري – أسيرا له، ويدفعه خوفه من الفشل إلى الحرص الزائد، والبعد التام عن أية مغامرة غير مأمونة العواقب، الأمر الذي يجعله ناجحا نجاحا محدودا، أما هؤلاء المغامرون الذين ألفوا الفشل كما ألفوا النجاح، فهم يقومون بعد كل فشل ينفضون عن أنفسهم غبار اليأس والإحباط، متجاوزين أخطاء الماضي، ليبدأوا محاولة جديدة، وإن حققوا النجاح فإن نجاحهم – في الغالب- غير عادي. . . نجاحهم مدهش ومبهر. . . مفيد لأنفسهم ولمن حولهم.

والتاريخ حافل بعدد كبير من العظماء الذي صنعوا التاريخ، ولا أعتقد أن أحدا منهم لم يذق طعم الفشل في حياته أبدا، وراجع سيرة: صلاح الدين الأيوبي، وتوماس إديسون، وأينشتين، وغيرهم.

رب فشل أيقظ همة الإنسان وإرادته خير من نجاح قلل طموحه وقتل آماله.

السبت، 9 مارس، 2013


أحمد أمين





أحمد أمين: أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب مصري، ولد في أكتوبر 1886 م، في حي المنشية بالقاهرة، تدرج في تعليمه من الكُتَّاب إلى المدرسة الابتدائية إلى الأزهر، إلى مدرسة القضاء الشرعي، حيث نال منها شهادة القضاء سنة 1911 م، درّس بعدها سنتين في مدرسة القضاء الشرعي، ثم انتقل في 1913م إلى القضاء فعمل قاضيا مدة ثلاثة أشهر عاد بعدها مدرسا بمدرسة القضاء.
في 1926م عرض عليه صديقه طه حسين أن يعمل مدرسا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فعمل فيها مدرسا ثم أستاذا مساعدا إلى أن أصبح عميدا لها في 1939م.
أنشأ مع بعض زملائه سنة 1914م لجنة التأليف والترجمة والنشر، وبقي رئيسا لها حتى وفاته 1954م، شارك في إخراج مجلة الرسالة (1936م)، كذلك أنشأ مجلة الثقافة الأدبية الأسبوعية (1939م).
وفي 1946م بعد توليه الإدارة الثقافية بوزارة المعارف، أنشأ ما عرف باسم: الجامعة الشعبية، وكان هدفه منها نشر الثقافة بين الشعب عن طريق المحاضرات والندوات، في الفترة نفسها أنشأ معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية.
أشهر مؤلفات أحمد أمين موسوعته الإسلامية فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، ويوم الإسلام، وفيها اهتم بدراسة الجانب العقلي والفكري في الحضارة الإسلامية.
أصيب أحمد أمين قبل وفاته بمرض في عينه، ثم بمرض في ساقه فكان لا يخرج من منزله إلا لضرورة قصوى، ورغم ذلك لم ينقطع عن التأليف والبحث حتى توفاه الله في (27 رمضان 1373 هـ/30 مايو 1954م) فبكاه الكثيرون ممن يعرفون قدره.

الجمعة، 1 مارس، 2013


مصطفى صادق الرافعي


ولد مصطفى صادق الرافعي على ضفاف النيل في قرية بهتيم من قرى محافظة القليوبية بمصر في يناير عام 1880م، لأبوين سوريَّين؛ والده الشيخ عبد الرزاق سعيد الرافعي  رئيس المحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها عاش مصطفى صادق وإخوته.
لهذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي مصطفى صادق وفي فنائها درج، وعلى الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلى تعاليم الدين، وجمع القرآن حفظا وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عاماً أصابه مرض التيفوئيد فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثرا ووقرا في أذنيه لم يزل يعاني منه حتى فقد حاسة السمع وهو بعد لم يجاوز الثلاثين. 
وكانت بوادر هذه العلة هي التي صرفته عن إتمام تعليمه بعد الابتدائية، فانقطع إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية؛ فاستوعبها وراح يطلب المزيد، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره: يقرأ كل يوم ثماني ساعات لا يكل ولا يمل.
استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي، ومن أشهر مؤلفاته: (وحي القلم)، وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.
توفي الرافعي في مايو سنة 1937 عن عمر يناهز 57 عاماً وكان الرافعي إذ ذاك ما يزال يعمل كاتبا ومحصلاً ماليا في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية عام 1900م.


الثلاثاء، 12 فبراير، 2013


من أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم)




الصدق
قال أبو جهل للنبي (صلى الله عليه وسلم): إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
وروى غيره: لا نكذبك ولا أنت فينا بمكذب.
وقيل إن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا تخبرني عن محمد: صادق هو أو كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط.
وسأل هرقل أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا.
وقال النضر بن الحارث لقريش: قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر لا والله ما هو بساحر.
وعندما نزل قوله تعالى: }وأنذر عشيرتك الأقربين{ ، صعد رسول الله  (صلى الله عليه وسلمجبل الصفا ، وجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فقال (صلى الله عليه وسلم):أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
الأمانة
قال تعالى: {مطاع ثم أمين} ،أكثر المفسرين أنه محمد (صلى الله عليه وسلم).
ولما اختلف قريش وتحازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر حكموا أول داخل عليهم فإذا النبي (صلى الله عليه وسلمداخل، وذلك قبل نبوته فقالوا: هذا محمد الأمين قد رضينا به.
وعن الربيع بن خيثم: كان يتحاكم إلى رسول الله  (صلى الله عليه وسلمفي الجاهلية قبل الإسلام.
وقال  (صلى الله عليه وسلم): والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض.
   تأخر علي – كرم الله وجهه – عن النبي (صلى الله عليه وسلمفي الهجرة لرد الودائع والأمانات التي كانت عند رسول الله لأصحابها.
رجاحة العقل
لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه فقالت كل قبيلة: نحن نضعها ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم فقالوا: جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه (صلى الله عليه وسلم).
عند هجرته (صلى الله عليه وسلممن مكة لم يتجه شمالا حيث المدينة، وإنما اتجه جنوبا، ومكث بغار ثور ثلاثة أيام، حتى تهدأ حركة قريش في البحث عنه (صلى الله عليه وسلم).
من مظاهر رجاحة عقله (صلى الله عليه وسلممشاورته أصحابه في كل أموره مثل: أخذه برأي الحباب بن المنذر في موقع جيش المسلمين ببدر.
وكذلك أخذه برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب.
صلح الحديبية، وطريقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في التفاوض مع مبعوثي قريش، وبصفة خاصة: سهيل بن عمرو الذي أصر على عدم كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم، ومحمد رسول الله).
وأيضا في بنود الصلح، كان بعض الصحابة يرون في هذه البنود إجحافا للمسلمين وقد ظهر بعد ذلك أن تلك البنود كانت في صالح المسلمين، ونزل قول الله تعالى: }إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
العدل
في غزوة بدر كان رسول الله (صلى الله عليه وسلميعدل صفوف المسلمين بقدح له، وكان سواد بن غزية مستنصلا من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استو يا سواد، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، فأقدني، فكشف عن بطنه، وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له الرسول (صلى الله عليه وسلمبخير.
عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكلمه أسامة فقال رسول الله  (صلى الله عليه وسلم): أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
الشجاعة
قال علي رضي الله عنه: إنا كنا إذا حمي البأس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا .
عن أنس: كان النبي (صلى الله عليه وسلمأحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله (صلى الله عليه وسلمراجعا قد سبقهم إلى الصوت، واستبرق الخبر على فرس لأبي طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعوا.
ثبت رسول الله (صلى الله عليه وسلمفي حنين، ولم يفر ومعه من الصحابة: أبو بكر وعمر وعلي وعمه العباس وابناه: الفضل وقثم وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر وآخرون وهو (صلى الله عليه وسلميومئذ راكب بغلته، وهو يركضها إلى وجه العدو، والعباس آخذ بحكمتها يكفها عن التقدم، وهو (صلى الله عليه وسلمينوه باسمه يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.
الرحمة
الرسول (صلى الله عليه وسلمنبي الرحمة، والله يقول: }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
كان (صلى الله عليه وسلميتجوز في صلاته (يخفف فيها) إذا سمع بكاء الرضيع.
رفع إليه ولده إبراهيم، وهو مريض يجود بنفسه، فوضعه بين يديه وبكى (صلى الله عليه وسلم)، وقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
قبل النبي (صلى الله عليه وسلمالحسن بن على - رضي الله عنهما – وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلموقال: من لا يرحم لا يرحم.
لما افتتح رسول الله (صلى الله عليه وسلمالقموص حصن بني أبي الحقيق أتي بصفية بنت حيي بن أخطب وأخرى معها فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلمقال لبلال: أنزعت منك الرحمة يا بلال؛ حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما.
عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلمحدثته أنها قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم): هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به عليك وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.

الصبر والحلم
تعرض الرسول (صلى الله عليه وسلملأنواع شتى من الإيذاء، فصبر، ومن ذلك:
السخرية والتحقير، واتهامه بالجنون والكذب والسحر وقول الشعر.
   كانت أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك في طريقه  (صلى الله عليه وسلم).
كان نفر من قريش يؤذون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، منهم: أبو لهب والعاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط، فكانوا يطرحون على النبي (صلى الله عليه وسلم) رحم الشاة وهو يصلي.
عن عبد الله بن مسعود  أن النبي (صلى الله عليه وسلمكان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذا قال بعضهم لبعض أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به فنظر حتى سجد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ووضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغير شيئا لو كان لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض ورسول الله (صلى الله عليه وسلمساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره.
وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلملما كسرت رباعيته، وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه، وقالوا: لو دعوت عليهم! فقال: إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم أهد قومي فإنهم لايعلمون.
قال له رجل: اعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ـ فقال: و يحك! فمن يعدل إن لم أعدل! خبت وخسرت إن لم أعدل!  ونهى من أراد من أصحابه قتله.
عن أنس رضي الله عنه: كنت مع النبي (صلى الله عليه وسلموعليه برد غليظ الحاشية فجبذه الأعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ومال أبيك، فسكت النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم قال: المال مال الله وأنا عبده، ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟ قال: لا، قال: لم؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم أمر أن يحمل له على بعيره شعير وعلى الآخر تمر.
قالت عائشة رضي الله عنهما: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلممنتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله، وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما ضرب خادما قط ولا امرأة.
جيء إليه برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): لن تراع لن تراع، ولو أردت ذلك لم تسلط علي.
جاءه زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقضاه دينا عليه، فجبذ ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه، وأغلظ له ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل، فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي (صلى الله عليه وسلميبتسم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر: تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي، ثم قال: لقد بقي من أجله ثلاث وأمر عمر يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه فكان سبب إسلامه. ذلك أنه كان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما فاختبره بهذا فوجده كما وصف.
العفو والتسامح
لما تصدى له غورث بن الحارث ليفتك به ورسول الله  (صلى الله عليه وسلممنتبذ تحت شجرة وحده قائلا والناس قائلون في غزاة فلم ينتبه رسول الله (صلى الله عليه وسلمإلا وهو قائم والسيف صلتا في يده فقال: من يمنعك مني؟ فقال: الله، فسقط السيف من يده فأخذه النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ؛ فتركه وعفا عنه فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلميوم فتح مكة: يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما خير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله (صلى الله عليه وسلملنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها.
الوفاء
وفاؤه (صلى الله عليه وسلمللأنصار حينما قالوا في بيعة العقبة: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالا وإنا قاطعوها يعني اليهود فهل عسيت إن أظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم وقال: بل الدم الدم الهدم الهدم: أنتم مني وأنا منكم، وبعد فتح مكة عاد رسول الله  (صلى الله عليه وسلممع الأنصار إلى المدينة.
قال حذيفة بن اليمان: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلمفأخبرناه فقال انصرفا - من الوفاء - نفي ضد الغدر لهم بعهودهم، ونستعين الله عليهم.
وفاؤه (صلى الله عليه وسلملعهد قريش في الحديبية، ورده لمن لحق به من قريش ومن هؤلاء: أبو بصير وأبو جندل.
وفاؤه (صلى الله عليه وسلملعثمان بن طلحة، وإعطاؤه مفتاح الكعبة يوم فتح مكة.
وفاؤه (صلى الله عليه وسلمللسيدة خديجة – رضى الله عنها - فعن أنس: كان النبي (صلى الله عليه وسلمإذا أتي بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة، إنها كانت تحب خديجة.
وعن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة لما كنت أسمعه يذكرها، وإن كان ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها، واستأذنت عليه أختها فارتاح إليها.
ودخلت عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها، فلما خرجت قال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان.
الكرم
عن ابن عباس كان رسول الله (صلى الله عليه وسلمأجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن فلرسول الله (صلى الله عليه وسلمأجود بالخير من الريح المرسلة.
قال جابر بن عبد الله: ما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلمشيئا قط، فقال: لا.
عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلملم يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
خرج (صلى الله عليه وسلميوما وعليه حلة من أجمل الحلل، فرآه أحد أصحابه، فعزم أن يطلبها ليلبسها فتمس جلده بعد أن مست جلد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، أعطنيها، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وسلمبيته، فخلع الحلة وأتاه بها.
حُمل إليه تسعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلا حتى فرغ منها.
التواضع
خُير (صلى الله عليه وسلم) بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا، فقال له إسرافيل عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق الأرض عنه وأول شافع.
عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلممتكئا على عصا فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا.
وقال إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.
وكان يركب الحمار ويردف خلفه ويعود المساكين ويجالس الفقراء ويجيب دعوة العبد ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس.
وعن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء جاءته فقالت: إن لي إليك حاجة قال: اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك، قال: فجلست فجلس النبي (صلى الله عليه وسلمإليها حتى فرغت من حاجتها.
قال أنس: وحج (صلى الله عليه وسلمعلى رحل رث وعليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم فقال: اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة.
ولما فتحت عليه مكة ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ على رحله رأسه حتى كاد يمس قادمته تواضعا الله تعالى.
وفي حديث عمر عنه: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله.
ومن تواضعه (صلى الله عليه وسلمقوله: لا تفضلوني على يونس بن متى، ولا تفضلوا بين الأنبياء، ولا تخيروني على موسى ونحن أحق بالشك من إبراهيم، وقال للذي قال له: يا خير البرية: ذاك إبراهيم.
وكان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق.
وعن أنس: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وسلمفتنطلق به حيث شاءت حتى تقضي حاجتها.
ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له: هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد.    
الزهد
توفي (صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله وهو يدعو ويقول: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.
عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله. وفي رواية أخرى: من خبز شعير يومين متواليين ولو شاء الله لأعطاه ما لا يخطر ببال.
قالت عائشة: ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا، ولقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، وقالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا إن هو إلا التمر والماء.
وعن عمرو بن الحارث: ما ترك إلا سلاحه وبغلته وأرضا جعلها صدقة.                            
قالت عائشة: وقال لي: إني عُرض علي أن تُجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما؛ فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك.
وعن أنس: ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق ولا رأى شاة سميطا قط.
وعن عائشة: إنما كان فراشه الذي ينام عليه أدما حشوه ليف.
وعن حفصة قالت: كان فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيته مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه، فثنيناه له ليلة بأربع فلما أصبح قال: ما فرشتم لي الليلة؟ فذكرنا ذلك له فقال: ردوه بحاله فإن وطأته منعتني الليلة صلاتي.
وعن عائشة قالت: لم يمتلئ جوف النبي (صلى الله عليه وسلم) شبعا قط، ولم يبث شكوى إلى أحد، وكانت الفاقة أحب إليه من الغنى، وإن كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع، فلا يمنعه صيام يومه، ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها، ولقد كنت أبكي له رحمة مما أرى به وأمسح بيدي على بطنه مما به من الجوع، وأقول: نفسي لك الفداء، ولو تبلغت من الدنيا بما يقوتك! فيقول: يا عائشة، ما لي وللدنيا، إخواني من أولى العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم، فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم، فأجدني أستحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غدا دونهم، وما من شيء هو أحب إلي من اللحوق بإخواني وأخلائي، قالت: فما أقام بعد إلا شهرا حتى توفى (صلى الله عليه وسلم).
حسن العشرة
قال الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
عن قيس بن سعد قال زارنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذكر قصة في آخرها: فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا وطأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم قال سعد: يا قيس اصحب رسول الله، قال قيس: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اركب فأبيت فقال: إما أن تركب وإما أن تنصرف فانصرف، وفي رواية أخرى: اركب أمامي فصاحب الدابة أولى بمقدمها .
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء.
قال علي رضي الله عنه في وصفه (صلى الله عليه وسلم): كان أوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة.
قال ابن أبي هالة: كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤنس منه.
قال أنس: ما التقم أحد أذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له، و كان يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادا رجليه بين أصحابه، يكرم من يدخل عليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى ويكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم؛ تكرمة لهم ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز.
قال أنس: خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟
الحياء
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أشد حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء قال الله سبحانه {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحيي من الحق{.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشد حياء من  العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
وكان (صلى الله عليه وسلم) لطيف البشرة رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس.
وعن عائشة رضي الله عنهما: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقـول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا! ينهى عنه ولا يسمى فاعله.