الخميس، 14 مايو 2015

المعنى المعجمي والدلالي والسياقي واللغوي والصرفي والنحوي

 التحليل المعجمي يتعلَّق بالبحث عن معنى الكلمة داخل المعجم ، و جمع جميع المعاني التي يرِدُ بها اللفظ و المسجَّلة في المعجم .
- أما التحليل الدلالي فيتعلَّق بالدلالات المتنوعة التي يأخذها اللفظ في اللغة :
فهناك الدلالة النحوية : التي نستنبطها من ترتيب الكلمات ترتيباً معيّنا ، و هذا التركيب النحوي للكلمات مهم جداً ، إذ أفهم منه دلالة معينة لا أفهمها مع ترتيب نحوي آخر ، مثل قوله سبحانه و : إياك نعبد و إياك نستعين حيث قُدِّم المفعول به ، فالدلالة النحوية لهذه الآية أن هناك تخصيصاً لله سبحانه و بالعبادة و الاستعانة دون غيره و يظهر لنا الفرق جلياً حين نحاول تغيير ترتيب الكلمات في الآية فلا نحصلُ على المعنى نفسه .
و هناك الدلالة الصرفية : التي أصل إليها عن طريق الصيغ الصرفية المستعملة في الجملة أو الآية كقوله سبحانه و : و إني لغفَّار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً فاستعمال صيغة ( غفار ) له دلالتُه و هي المبالغة و الإكثار من المغفرة ، و ليس فعل المغفرة فقط .
و هناك الدلالة السياقية : التي استمدُّها من معنى الكلمة في تجاوُرها مع كلمات أخرى ، لأن السياق له دور كبير في تحديد المعنى ، مثلا ً فعل ( ضربَ ) تتعدد دلالاته حسب ما جاوره من ألفاظ فنقول : ضرب زيدٌ عمرواً ، ضرب زيدٌ الخيمةَ ، ضرب زيدٌ النقدَ ، ضرب زيدٌ على يد الظالم ، ضرب زيدٌ في الأرض . و هكذا كلما غيَّرنا في الكلمات المجاورة لضرب في السياق حصلْنا على معنى و دلالة جديدة .
وتناول الباحثون المحدثون أسباب التغير الدلالي بما لا يتسع المقام لمزيد من التفصيل فيه، ولكنهم في معظمهم جعلوها في أسباب داخلية في اللغة، تتصل من حيث الأصوات، والصرف، والنحو، والدلالة، وفي أسباب خارجية تتعلق بالعوامل الاجتماعية، والتاريخية، والثقافية، والأدبية، والنفسية، التي تؤثر في



 المعنى، وتؤدي إلى تغييره





وعلى الرغم من أن بعض الباحثين العرب القدماء أشار إلى التطور الدلالي





الاثنين، 11 مايو 2015

التناص الاقتباس التضمين التلميح السرقة الشعرية والأدبية

اختلفت المصطلحات والمعنى هو أخذ كلام من آخر نسبت له أم لم تنسب فهو تأثر وسلم تركيبي لإكمال بعضنا بعضا شعوري أم غير شعوري وكلها من الثقافة المتسعة من تاريخ ودين وأدب وعلوم وأساطير ورموز وغيرها من قصص وأمثال وحكم متنوعة من مخزون التراث العالمي الذي لا حصر له فمن ترجم ومن عرب ومن نسب ومن أبدع على سبق إبداع من الآخرين .
الجاحظ الذي رأى أن المعاني مطروحة في الطريق، وأن الصياغة هي الأساس، وقدامة ابن جعفر الذي لم تشغله السرقات.
5) نتائج انشغال العرب بالسرقات:
كان لانشغال العرب ونقادهم بالسرقات نتيجتان:
- أولاهما: أن كل هذه الجهود لم تفد الأدب إلا قليلا.
- وثانيهما أنها شغلتهم عن دخول مجالات أخرى من النقد أكثر خطراً وأطيب جنى مثل البحث عن تأثر الشاعر بالبيئة الطبيعية والاجتماعية وبتربيته وبزمانه وعصره والبحث عن انعكاس نفسيته في شعره، ولأضرب مثلاً واحداً لذلك:
في ديوان «كثير» بيتان من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن مروان، وقيل عبد الملك بن مروان هما:
ومازالت رقاك تسل ضغني
ويرقيني لك الراقون حتى
وتخرج من مكاني ضبابي
أجابت حية تحت الثياب
فانهال النقاد على كثير، فقالوا: ليس هذا الشعر مما يمدح به الملوك، وقالوا: لقد اشتط «كثير» في الدلال . . . . وأمثال هذا النقد، والمؤسف أن النقاد لم يربطوا بين نفسية «كثير» وبين هذا الشعر، ولذلك اعتبروه خروجاً عن قاعدة مدح الملوك.

- التضمين هو أن يضمّن الشاعر كلامه من شعر غيره لشدّة جماله أو لشدّة علاقته بما يقول، نحو قول الحريري على لسان الغلام الذي عرضه أبو زيد للبيع:

على أنّي سأنشد عند بيعـي *** أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
حيث ضمّن الشاعر صدر بيت العرجيّ القائل:

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا*** ليوم كريـــــه وســـداد ثغر

الاقتباس هو أن يضمّن المتكلّم كلامه شعرا كان أم نثرا شيئا من القرآن الكريم، أو الحديث الشريف، من غير دلالة على أنّه منهما ،ويجوز أن يكون هناك بعض التغيير في ما اقتبس، نحو قول الشاعر: "قد كان ما خفت أن يكونا.... إنّا إلى الله راجعونا" حيث اقتبس من قوله تعالى "إنّا للّه وإنّا إليه راجعون" (سورة البقرة آية 156)"
 ذكرنا في المقال الأول ان الاقتباس عند علماء البلاغة القدماء يكاد يكون مقصوراً على اقتباس الشاعر من القرآن الكريم أو الحديث الشريف..
وذكرنا أن أكثر العلماء لا يجيزون ذلك، وخاصة من القرآن، تنزيهاً لآي الذكر الحكيم، ومنهم من أجازه بشرط أن يكون المعنى شريفاً والغاية نبيلة..
أما التضمين فهو أن يدخل الشاعر في أبيانه بيتاً (أو أبياناً) مشهورة، وكأنه يستشهد بها، وعادة ما يضع ما ضمن بين قوسين، كما أنه قد يضمن شعره الأمثال أو الحكم السائرة ليعطيه رونقاً وقوة..
وفي النقد الحديث دخل مصطلحا (الاقتباس والتضمين) تحت مصطلح (التناص) عند أكثر النقاد، بمعنى دخول النصوص بعضها في بعض، سواء أكان ذلك عمداً وقصداً أم من فيض العقل الباطن، إذ يشبهون النص الأدبي (بالفسيفساء) التي تتكون من عدة أحجار وألوان بشكل منسق جميل يمنحها شخصية رائعة مستقلة ننسى فيها تفاصيل الأحجار والألوان، والتي يقابلها في الشعر الألفاظ والصور..
* من أمثلة التضمين في الشعر الشعبي قول محسن الهزاني من رباعية له:
وان زرفل المسيوق وارخو العنّه
والجيش هربد والرمك يشعفنّه
واهوى على ركن من الخيل كنّه:
(جلمود صخر حطّه السيل من عالِ)
* وقول ابن لعبون:
«ينشدني يوم انتوى الكل برحيل:
(هل عند رسم دارس من معول»؟
فضمن بيته نصف بيت لامرئ القيس.. وكذلك فعل ابن لعبون مع زهير بن أبي سلمى في قوله - ولكنه هذه المرة ضمن شعر زهير صدر البيت):
(تبصّر خليلي هل ترى من ظعاين)
تقازى بهم فوق الشفا من حزومها؟
«تقازى» تسير بهم مسرعة نوعاً معاً بما يشبه لفظة (المناقز وتناقز «والشفا» المرتفع من الحزوم جمع حزم وهو الهصبة.
* ويقول الشاعر (جري) من قصيدة بليغة:
«وترى روضة الجثجاث لوزان نبتها
مر ولو هو كل يوم يسيل
وعظم الندى يندى ولو كان بالي
يندى ولو هو بالمراح محيل
فان كان ما تعطي والايام عدله
فالايام لازم عدلهن يميل
والعوشزه ما ياقع الحرّ فوقها
لابها لسمحين الوجيه مقيل
وان كان ما نفع الفتى في حياته
ترى النفع من بعد الممات قليل
(ألا ما أكثر الخلان يوم نعدهم
كثير وعند الموجبات قليل)
فضمن البيت الفصيح - مع بعض التعديل -
(فما أكثر الإخوان حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل)
* والشاعر فلاح القرقاح القحطاني كثيراً ما يضمن شعره الأمثال والحكم بشكل متلاحم لا تكلف فيه مثل قوله:
نقطة من حبر تكتبها تحل أكبر قضيّه
وانت حر صيرمي (والحر تكفيه الاشاره)
جابنا صدق الولا الموروث و(النيّه مطيه)
جعل بيت العز ما يهجر ولا يهدم جداره)
الله يسوّد وجيه اللي نواياهم رديه
ولَّعوا نار الفتن (والنار تالع من شراره)
اصبحوا بين الظهر والبطن (علّه باطنيه)
(والثعل يبقى ثعل) في حجر وإلا في مغاره
فضمن في شعره الجميل الكثير من الأمثال العربية والشعبية بشكل انسيابي يدخل في نسيج شعره.. كأنه ينسج سجادة أصيل..
* ومن الشعر الفصيح في التضمين قول صالح بن عبدالقدوس:
إذا ما وترت امرءاً فاحذر عواقبه
(من زرع الشوك لم يحصد به العنبا)
يريد المثل العربي (انك لا تجني من الشوك العنب)..
* وقول أبي تمام يعزي صديقاً له:
وقال عليُّ في التعازي لأشعث
وخاف عليه بعض تلك المآثم:
(أتصبر للبلوى عزاءً وحسنة
فتؤجر، أم تسلو سلو البهائم)
فنظم قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه حين قال يعزي أشعث بن قيس في ولد له: (إن صبرت صبر الأحرار) والا سلوت سلوَّ البهائم)..
* وقد يحل الناثر بيت شعر، قال الصولي «ما اتكلت قط في مكاتبتي إلا على ما يجيش به صدري أو يجلبه خاطري إلا قولي «فافبدلوه آجالا من آمال» فإني حللت فيه قول مسلم بن الوليد:
«موف على منهج في يوم ذي رهج
كأنه أجل يسعى إلى أمل»
والتضمين قد يكون تلميحاً وفيه بلاغة لأنه يحتاج إلى استنباط، كقول أبي تمام:
«لعمر مع الرمضاء والنار تلتظي
أرق واحفى منك في ساعة الكرب»
يلمح للبيت المشهور:
«والمستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار»
وفي علم البلاغة يفردون التضمين عن التلميح، والأخير أجمل إذا تساوت العناصر الأخرى.. وكلاهما من (فن البديع) في البلاغة..
*يقول الأخيطل:
ولقد سما للخرمي فلم يقل
يوم الوغى: (لكن تضايق مقدمي)
فضمن جزءاً من بيت عنترة:
«إذا يتقون بي الأسنة لم أخم
عنها ولكني تضايق مقدمي»
* ويقول ابن العميد - والبيت الأخير ضمنه من شعر أبي تمام):
وصاحب كنت مغبوطاً بصحبته
دهراً فغادرني فرداً بلا سكن
هبت له ريح اقبال فطار بها
نحو السرور والجاني إلى الحزن
كأنه كان مطوياً على أحن
ولم يكن في ضروب الشعر أنشدني:
«إن الكرام إذا ما اسهلوا ذكروا
من كاد يعتادهم في المنزل الخشن»
 عرّف البلاغيون الاقتباس بأنه (تضمين النثر أو الشعر شيئاً من القرآن الكريم أو الحديث الشريف من غير دلالة على أنه منهما، ويجوز أن يُغَيَّر في الأثر المقتبس قليلاً) أنظر الايضاح للقزويني ص٤٢٢ بشرح البرقوقي، أما التضمين فهو أن يضمن شعره شيئاً من شعر غيره مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهوراً عند البلغاء بوضعه بين قوسين..
واختلف العلماء في جواز تضمين الشعر بالذات شيئاً من القرآن أو السنة، فأكثرهم يحرم ذلك إجلالاً للقرآن وأنه ليس بشعر بل هو كلام الله جل وعلا..
أما تضمين الشعر أمثالاً أو شعراً آخر فليس مجال نقاش ديني، بل أدبي وبلاغي، وذلك كقول الشاعر:
على أني سأنُشد حين بيعي
(أضاعوني وأي فتى أضاعوا)
فضمن بيته صدر البيت المشهور وقلبَهُ:
«أضاعوني وأي فتي أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر»
* ويقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في شرح البلاغة عن تضمين القرآن: (وأما إذا كان التضمين في الشعر فهو وإن طابق المعنى المراد فالذي يظهر لي أنه لا يجوز وأنه ممنوع لأنه يتحول القرآن شعراً، ولأنه يسقط من أعين الناس تعظيمه وتكريمه..»
قلت: علماء الشرع لدينا - وفي مقدمتهم الشيخ ابن عثيمين - درسوا واتقنوا قواعد النحو والصرف والبلاغة لأن ذلك ضرورة لفهم القرآن والسنة، وأذكر ونحن طلبة في كلية اللغة العربية أن زملاءنا الذين ذهبوا لكلية الشريعة كانوا يقولون نحن ندرس أكثر منكم: اللغة والشريعة معاً، وهذا صحيح إلى حدّ ما، فكلية اللغة أيضاً فيها تفسير وحديث وتوحيد ولكن من ناحية لغوية ومنطقية، كما أنها تمتاز بدراسة النقد الحديث والبلاغة القديمة..
أما تضمين النثر شيئاً من القرآن فهو جائز على أن يكون المعنى شريفاً.. وبعيداً عن التحريف..
والقرآن الكريم هو أفصح وأبلغ من كل كلام.. بل هو معجز، ومن حفظه، أو بعضه، فإنه ينعكس على حديثه وكتابته نوراً، إذا كان واعياً موهوباً..
* * *
* أما الشيخ سلمان العودة فقد قال في موقعه الالكتروني (الإسلام اليوم) رداً على هذا السؤال:
«ما حكم اقتباس آيات من القرآن الكريم وإدراجها ضمن أبيات شعرية؟ أفتونا مأجورين؟
فرد فضيلته «التضمين معروف لدى علماء البلاغة، وهو إدراج مقاطع من القرآن الكريم ضمن أبيات شعرية مثل قولهم:
«فإنَّ الله خلاق البرايا
عنت لجلال هيبته الوجوه
يقول إذا تدانيتم بدين
إلى أجل مسمى فأكتبوه»
.. وقد يسمى اقتباساً وقد يكون من القرآن أو من الحديث أو من الشعر أو من غيره، ولا مانع منه إذا كان في سياق لا يعرِّض النص الأصلي للسخرية أو النقص أو الامتهان، أما تضمين بلاغات القرآن وأساليبه اللفظية فهو أوسع من ذلك، المقصود بها أن يضع الشاعر أو المتكلم أو الكاتب عبارة من عنده على دفق عبارة قرآنية تنتمي إليها من حيث الأصل وتفترق عنها بالتصرف الكبير في لفظها وسياقها، والمقصود ألا يكون ذلك عبثاً بالقرآن ولا تلاعباً ولا تعريضاً له بالسخرية والله أعلم». ٣/٦/١٤٢٢.
هذا وقد شغل كثير من نقاد العرب قديماً بموضوع (السرقات الشعرية) وبالغ بعضهم في الاتهام إما بدافع التقعر أو الغيرة والحسد، فأرجع بعضهم جل أن لم يكن كل شعر المتنبي مثلاً إلى أنه مسروق من أشعار غيره أو من حكم (ارسطو وأفلاطون) حتى ألف القاضي الجرجاني (الوساطة بين المتبني وخصومه) فكان منصفاً، فالسرقة واضحة، أما التشابه النسبي في المعاني مع الإبداع في الصياغة فهو من توارد الخواطر، وقديماً قال الجاحظ (المعاني ملقاة في الطريق وإنما الفضل للأسلوب) أو نحوه، ودافع المتنبي عن اتهامه بالسرقة في مناظرة فقال: «كلام العرب أخذ بعضه برقاب بعض، والمعاني تختلف في الصدور، وتخطر للمتقدم تارة وللمتأخر أخرى، ولا أعلم شاعراً جاهلياً أو إسلامياً إلاَّ وقد أحتذى واقتفى، واجتذب واجتلب» بل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «لولا أن الكلام يعاد لنفد» وقديماً قال عنترة: «هل غادر الشعراء من متردم»؟
فتشابه المعاني مع اختلاف الصياغة وإبداع المعنى لا يعتبر سرقة، وإنما يسمى في النقد الحديث (التّناص) وهو خروج نص قديم من العقل الباطن بإبداع جديد، وحين سأل شاب موهوب أبا تمام: كيف أصبح شاعراً؟ قال له: أحفظ ألف بيت من أجود شعر العرب ثم تعال، وحيث حفظها وقرأها عليه قال: انسها كلها الآن، فأبو تمام الموهوب يعرف أنه إذا عمل على نسيانها فقد هضمها في عقله الباطن وصارت جزءاً من ثقافته توسع مداركه ومعانيه وألفاظه، وأمره بنسيانها لكي تكون له (شخصية) وأسلوب متفرد وإن أثرت فيه النصوص التي قرأها لأنه يكون قد هضمها بوجدانه وتفرده كما يهضم الجسم السليم أنواع الطعام المختلفة فيبني بها صحته ونضارته..
كما أن الصياغة إذا فاقت الأصل تغلبت عليه، فقد كان بشار بن برد يفخر بقوله:
«من راقب الناس لم يظفر بحاجته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج»
فسار بيته حتى قال تلميذه سلم الخاسر:
«من راقب الناس مات هماً
وفاز باللذة الجسورُ»
فلما سمع بشار هذا البيت لطم وجهه وصرخ: لقد ضاع والله بيتي!
* وعوداً للتضمين فإنه قد يشمل الأمثال والأشعار السائرة كقول الحارثي:
وقائلة والدمع سكب مبادر
وقد شرقت بالماء منها المحاجر
وقد أبصرت نعمان من بعد أنسها
بنا، وهي موشحات دوائر:
(كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر)
فقلت لها والقلب مني كأنما
يُقَلِّبهُ بين الجوانح طائر:
(بلى، نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثرُ)
فضمن بيتين لمضاض بن عمرو الجرهمي بشكل منساب، حيث مهد لهما بما يناسب.
* وفي شعرنا الشعبي الكثير من تضمين الأمثار والأشعار، فيكون في ذلك قوة للمعنى وبلاغة للمبنى..
وهم فاضلون ينسبون الشعر المضمن لقائله بالاسم، يقول رضيمان الشمري:
«راعي الحساني نتجازى بالأحسان
وراعي الشتايم ما لنا فيه راده
الهرج يكفي مثل ما قال راكان
ما قل دل، وقل هرج سداده»
يشير إلى قول الشاعر والفارس المشهور راكان بن حثلين:
«الاحسان يا ابن عبيد يجزى بالاحسانْ
والشر تنطحه الوجيه الشريره
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان
والهرج يكفي صامله عن كثيره»
الفرق بين الاقتباس والتضمين والتلميح


الاقتباس :

هو أن يضمن الشاعر أو الناثر كتاباته شيئًا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف .

ومنه قول الحريري : " فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب " ..
وقال ابن عباد :

قال لي إن رَقيـــبـــــــي * * * سيء الخُلق فداره
قُلتُ دَعني وجهُكَ الجنَّـ * * * ـة حُفّت بالمكــاره


وقد يُغير المقتبس لاستقامة الوزن كقول أحدهم :
قد كان ما خِفْتُ أن يكونا * * * إنا إلى الله راجعونــــا





التضمين :
هو أن يضمن الشعرُ شيئًا من شعر الآخرين ..

كقول الحريري :
على أني سأنشِدُ عند بيعي * * * أضاعوني وأيُّ فتًى أضاعوا

فنصف البيت الأول للحريري ، والنصف الثاني للشاعر الأموي عبد الله بن عثمان الملقب بالعرجي قائلا :
أضاعوني وأيُّ فتًى أضاعوا * * * ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ






التلميح :
فهو أن يُشار إلى قصة أو شعر من غير ذكره كقول أبي تمام :
فو الله ما أدري أأحلامُ نائمٍ * * * ألمَّت بنا أم كان في الركب يوشعُ

ويوشع .. بضم أوله وفتح الشين هو صاحب موسى عليه السلام ، ووصيُّه ، وفتاه الذي ردَّت له الشمس .

والأمثلة تكثر في مثل هذه الأنواع ..

فالاقتباس من القرآن والحديث في أساليب النثر جائز بالإجماع ولكن البعض رأى فيه غير ذلك وهو عند البلاغيين أحد الفنون البديعية وهو عندهم تضمين الكلام ـ نثراً كان أو شعراً ـ شيئاً من القرآن أو الحديث من غير دلالة على أنه منهما أي بأن يكون خالياً من الاشعار بذلك .‏


وللاقتباس أربع صور هي اقتباس من القرآن في النثر واقتباس من القرآن في الشعر واقتباس من الحديث في النثر واقتباس من الحديث في الشعر .‏
 


فالنص القرآني الذي يتحدث عن كليم الله موسى "لعلي آتيكم ..." يفرض نفسه على اعتبار أنه كتب علينا هنا البدء باللغة ثم الدخول في المصطلح لأن اللغة هي الأصل إذ أن المفسر يعتمد اللغة والترادف اللغوي أما المؤول يستغرق ويبحث في العمق .‏

وفي السياق ذاته تناول الباحث حسن النيفي في المحور الثاني مفهوم التضمين والتناص في اللغة العربية حيث أكد أن التضمين جاء ضمن ما يسمى بالسرقات الشعرية وما يتبعها وفقاً للمنظومة البلاغية القديمة وعرف علماء البلاغة السرقة بأن يأخذ الشخص كلام الغير وينسبه لنفسه وهي ثلاثة أنواع نسخ ومسخ وسلخ.‏

فالنسخ هو أن يأخذ السارق اللفظ والمعنى بلا تغيير ولا تبديل أو بتبديل الألفاظ كلها أو بعضها بمرادفها كما فعل الحطيئة في بعض شعره بقوله :‏

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‏

وأما المسخ فهو أن يأخذ بعض اللفظ أو تغيير بعض النظم كقول الشاعر :‏

من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج‏

وغيره قال:‏

من راقب الناس مات هماً وفاز باللذة الجسور‏

بينما النوع الثالث السلخ هو أن يأخذ السارق المعنى وحده وإن امتاز الثاني فهو أبلغ نحو قول الشاعر:‏

هو الصنع إن يعمل فخير وإن يرث فللريث في بعض المواضع أنفع‏

ويقول آخر:‏

ومن الخير بطء سبيك عني أسرع السحب في المسير الجهام‏

وفيما يتعلق بمفهوم التناص ذلك المصطلح النقدي الحديث أو ينتمي إلى نقد ما بعد الحداثة لما يسميه النقاد لأنه أحد مفرزات نظرية التلقي ومضمون هذا المصطلح يتمحور على قاعدة أن "أي نص لا يمكن فهمه دون الرجوع إلى عشرات النصوص التي سبقته" .‏

كما يذهب بعض النقاد المعاصرين إلى اعتبار التناص مجموعة من النصوص التي نجد بينها وبين النص الذي نحن بصدد قراءته قرابة على اعتبار أن البعض بؤرة نصوص لذلك يكون حضور النصوص الغائبة في النص المقروء تلقائياً وهذا ما يجعل أي نص أدبي أو غيره بحاجة إلى تفكيك .‏

فالوظائف والنتائج المرجوة من عملية التناص تعني إعادة استخدام الكلام الذي مضى وربط الماضي بالحاضر والأصالة بالمعاصرة والتراث بالحداثة وكذلك ربط الأدب بغيره من الثقافات والفنون وقال الإمام علي كرم الله وجهه حول ذلك "لولا أن الكلام يعاد لنفد" ويقول الناقد جيرار جينيت "ليس للنص أب واحد، أو أصل واحد بل مجموعة من الأصول والأنساب" .‏

ولتقريب مفهوم التناص أكثر أورد الباحث مقارنة بين نص للشاعر محمود درويش ونص للشاعر أبي العلاء المعري حيث يقول الأول:‏

رأيت المعري يطرد نقاده من قصيدته‏

لست أعمى لأبصر ما تبصرون‏

فإن البصيرة نور يؤدي‏

إلى عدم أو جنون‏

وهذا المقطع من قصيدة الشاعر درويش يتناص ويتقاطع مع تجربة أبي العلاء المريرة مع الموت ويكشف عن غربته التي تمخضت من سوء فهم الناس له ويقول المعري:‏

أعمى البصيرة لا يهديه ناظره إذ كل أعمى لديه من عصا هاد‏

وتوقف الباحث النيفي عند بعض الملاحظات الهامة التي تتعلق بمفاهيم التضمين والتناص ومنها :‏

أولاً: إن ظاهرة التضمين في البلاغة القديمة هي أقرب ما تكون إلى مفهوم التناص في النقد الحديث مع وجود الفروقات منها مثلاً أن التضمين في الشعر القديم كان يرد لفظاً ومعنى وقلما يعمد الشاعر إلى توظيف اللفظ أو المعنى المتضمن توظيفاً جديداً بينما في الشعر المعاصر نرى الشاعر في الغالب يعيد إنتاج المعنى القديم بطريقة تخدم رؤيته أو تنسجم مع غرضه المراد .‏

ثانياً: إن المنظومة البلاغية القديمة والأطر النقدية التراثية بوجه عام ليست بنى جامدة فقدت قيمتها بانقضاء زمانها ولم تعد قادرة على النهوض بالإبداعات المعاصرة بل ما زالت أرضاً خصبة لمن اراد الحرث في مداميكها واستنباط مكنوناتها وإن بناء نقد عربي معاصر يتأسس أو ينطلق من النقد التراثي ولا يفعل الإفادة من النظريات النقدية الغربية الحديثة .‏

ثالثاً: إن القيمة الجمالية لأي فن والذوق الفني لأي إبداع ليس أمراً ثابتاً أو مستقراً لا يعتريه التغيير أو التحول فما يمكن أن يكون مستقبحاً في عصر من العصور يمكن أن يكون مستحباً في عصر لاحق .‏

وظاهرة التضمين كانت تدرج في باب السرقة في النقد القديم وتتصل بالسرقات الشعرية إلى جانب سبعة أمور هي : "الاقتباس والعقد والحل والتلميح والابتداء والتخلص والانتهاء" ويعني التضمين وفقاً لعلماء البلاغة "أن يضمن الشاعر كلامه شيئاً من مشهور شعر الغير مع التنبيه عليه ما يجعل شعره يزداد حسناً وجمالاً ، كقول الصاحب بن عباد :‏

أشكو إليك زماناً ظل يعركني عرك الأديم ومن يعدوعلى الزمن‏

وصاحباً كنت معبوطاً بصحبته دهراً فغادرني فرداً بلا سكن‏

وباع صفو وداد كنت أقصره عليه مجتهداً في السر والعلن‏

فيما يقول أبو تمام :‏

إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن‏





نجد في معجم الوسيط أن السرق هو (الأخذ من كلام الغير، وهو أخذ بعض المعنى أو بعض اللفظ سواءً أكان أخذ اللفظ بأسره والمعنى بأسره). وأجد نوعاً من السرقات الغريبة في عالمنا هذا حيث يعمد أصحاب المال والمناصب لدفع مبالغ مالية لبعض الطلاب الناشئين أو الكتّاب المغمورين لتأليف الكتب والأبحاث ونسبها لهم، وغالباً يكون صاحب المال غير عارفٍ أو عالمٍ بما يحوي بين دفتي الكتاب هذا مدفوع الثمن.
وقد قسم النّقاد السرقات من حيث اللفظ والمعنى إلى ثلاثةِ أقسام هي :
1- سرقة الألفاظ.
2- سرقة المعاني.
3- سرقة الألفاظ والمعاني.
إنّ للسرقة الأدبية تاريخ قديم، فقد كان عند الشعراء العرب من يغربل كلامهم ويتعقبهم لرد المعاني لأصحابها السبّاقين السابقين في المعنى والفكرة. فيرى (الأعشى) أنّ السرقة هي عارٌ يصيب الشاعر حيث يقول: فكيف أنا وانتحالي القوافي............ بعد المشيب كفى ذاك عارا وأيضاً نجد السرقة الأدبية قديمة عند الرومان واليونان، حيث يعترف (هوراس) بتقليده لـ(اركيلوكس) و(اليكوس)، وأيضاً أشار إليها (أرسطو) باستخدام الشعراء النقل عن الأقدمين.
نجد بعض الكتاب من يميلون لتبرير السرقة ونفيها إلى تسميتها توارد الخواطر، مستشهدين بحادثة (إبراهيم عبد القادر المازني) حيث ترجم رواية عن الروسية إلى اللغة العربية وأسماها (ابن الطبيعة) عام 1920، ليفاجأ هو نفسه عندما قام بطبع قصته (إبراهيم الكاتب) عام 1930 بتضمينها أربع أو خمس صفحات من الرواية الروسية ابن الطبيعة بالحرف والفاصلة والنقطة ذاتها، ليقول مذهولاً مما حصل بدون إرادة منه: "لعمق الأثر الذي تركته هذه الرواية في نفسي، فجرى بها القلم وأنا أحسبها لي".
كثيراً ما نسمع عن سرقات أدبية واضحة اللفظ والمعنى والفكرة أيضاً، ولكن أغلب السرقات هي غير واضحة المعالم، أي بمعنى أدق يحمّل السارق عمله إبداعه الشخصي فقط في إعادة صياغة العبارات ونسبها إليه. ونظراً لوجود الانترنيت والمواقع الإلكترونية في العصر الحالي نجد السرقة أصبحت مشاعة بعيدة كل البعد عن حماية الملكية الفكرية وحق المؤلّف، وببعض عبارات تتردد هنا وهناك: "السارق على الفيس بوك كالوارث من أبيه". مهما اختلف شكل أو لون السرقة، تظلّ سرقة وكذباً، ولو برّر لها قبلاً أرسطو باعتبارها استعارة وعلى حدّ قوله: "الاستعارة هو من علامات العبقرية".






























يقول « ابن طباطبا» تناول المعاني المسبوقة ليس سرقة وإنما هو« أخذ» لايعاب، جاء ذلك في معرض حديثه عن موضوع السرقات الادبية، ذلك الموضوع الذي شغل حيزاً كبيراً من اهتمام العرب ودراستهم منذ قامت المعارك الأدبية حول تجديد الشعراء المحدثين في الادب العربي بعامة، والخصومات الأدبية التي دارت حول ابي تمام والبحتري ثم من بعده حول المتنبي بخاصة ـ وانما عني العرب بالسرقات

ـ وفق مايورده الدكتور مصطفى الصاوي ـ لأنها مقياس بلاغة الشاعر وآية تفوقه، وهم يقصدون طبعاً من وراء ذلك الى الوقوف على مدى أصالته وابتكاره، أو تقليده واتباعه ،هذا ماسعت إليه الدراسات العربية القديمة في الماضي، كما تسعى الدراسات الأدبية في الآداب العالمية في الحاضر الى تبين مدى اصالة الاديب وقدر مافيه من رواسب ماضية، ومايتبقى لعبقريته الذاتية المتفاعلة مع حاضره، وقد اورد الجاحظ في اشارات خاطفة، ،ولكنها عميقة وموحية الى أبعاد الموضوع، حيث يعرض في كتاب( الحيوان) ـ ومباحثه جميعاً موسوعات أدبية ـ لموضوع السرقة عرضاً واقعياً، من حيث ان كل صورة جزئية او معنى بديع او تعبير مخترع عرضة إما للتناهي أو إما للاستعانة والاستمداد، اللهم الا التصوير الفردي الذي يتحاماه غير صاحبه من الادباء. ‏
ولقد وضع الإمام عبد القاهر الجرجاني من قواعد ومفاهيم أخذها تلامذته وساروا على منوالها دون مراجعة وفحص وتقويم وإضافة، فلكم بذل من جهود علمية مضنية عن الجملة العربية وخصائصها واقسامها وأجزائها ومتعلقها مسنداً أومسنداً اليها. ونجد ان الجرجاني التقى مع الجاحظ« في ان اساس التفاضل بين صناع الكلام، ليس هو المعنى الذي يورده الأديب وانما يتفاضلون بحسن الصياغة وإقامة الوزن وتخير اللفظ وجودة السبك» ونلحظ ان الجرجاني لم يخصص للسرقة باباً في كتابيه، «اسرار البلاغة» و«دلائل الاعجاز» وانما عرض لها هنا وهناك حيث يقتضيه الجدل في منافحته عن المعنى ضد انصار اللفظ، وفي قراءة لافكاره نتلمس بسطه الفلسفي لهذه القضية الأدبية اذ يقول اعلم ان الشاعرين اذا اتفقا لم يخل ذلك من ان يكون في الغرض على الجملة والعموم، او في وجه الدلالة على الغرض، وأما وجه الدلالة على الغرض فهو ان يذكر مايستدل على اثباته له الشجاعة والسخاء مثلاً، وذلك ينقسم أقساماً منها التشبيه، بمايوجد هذا الوصف فيه على الوجه البليغ والغاية البعيدة كالتشبيه بالاسد وبالبحر في البأس والجود، وبالبدر والشمس في الحسن والبهاء والإنارة والإشراق، ومنها ذكر هيئات تدل على الصفة من حيث كانت لاتكون الا فيمن له الصفة كوصف الرجل في حال الحرب بالابتسام وسكون الجوارح وقلة الفكر كقوله: كأن دنانير اً على قسماتهم... وان كان قد شق الوجوه لقاء ونلحظ انه لايوضح فرقاً مابين هذه المسميات الاخذ.. السرقة ـ الاستمداد .. الاستعانة.. وفي كتابه الدلائل تجده لايسميها سرقة بل« احتذاء» ويرى الاحتذاء في النظم، وهذا منه طريف وقد قسم الاحتذاء الى جلي وخفي، ثم يعود في النهاية فيسوي بين الاحتذاء والأخذ والاستراق عند علماء الشعر.. ويلح عبد القاهر على التحوير الفني، او هو يدلل على ان السرقات الشعرية تكون في الصورة( او النظم) وذلك في معرض بيانه ان التفاضل بين معنيين متحدين انما يكون في النظم وليس في اللفظ... يجدر بالذكر ان الجرجاني إضافة الى ماسبق ذكره ـ قد حاول وضع قواعد فنية للبلاغة والجمال الفني في كتابه دلائل الإعجاز كما حاول ان يضع قواعد نفسية للنصوص في كتابه ‏
« أسرار البلاغة». ‏
1) سارق المال يسرق المادة، أما سارق الأدب فيسرق الروح. وبعيد ما بين سارق المادة لأنه فقير مادياً يريد أن يأكل، وبين سارق الروح لأنه فقير روحياً ويريد أن يسرق ليدعي أنه ذو موهبة، الأول جائع المعدة والثاني جائع العقل والقلب والروح.
2) سرقة الشعر معروفة منذ الجاهلية، وقد أشار إليها طرفة بن العبد، ولكنها بدأت تستفحل بعد انتشار الإسلام واللغة العربية.
3) في اعتقادي أن شر أنواع السرقة الاغتصاب، وهو أشبه بالنهب وقد مارسه في جرأة عجيبة الفرزدق في العصر الأموي، وهذه بعض حوادثه في الاغتصاب:
أ ـ اغتصاب شعر ذي الرمة:
سمع الفرزدق ذي الرمة ينشد:
أحين أعاذت بي تميم نساءها
وجردت تجريد الحسام من الغمد
فأخذ البيت الفرزدق وانتحله وهو في ديوانه 1 : 195.
ب ـ اغتصاب شعر جميل:
وقف الفرزدق على جميل، والناس مجتمعون عليه وهو ينشد:
ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا
وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
فأشرع إليه رأسه من وراء الناس وقال: أنا أحق بهذا البيت منك، قال: أنشدك الله يا أبا فراس، فمضى الفرزدق فانتحله. «الأغاني 9:341، وهو في ديوانه 2:82».
ج ـ اغتصاب شعر الشمردل:
مر الفرزدق بالشمردل وهو ينشد:
ومابين من لم يعط سمعاً وطاعة
وبين تميم غير حز الغلاصم
فقال: والله لتتركنه أو لتتركن عرضك، فقال: هو لك، فانتحله الفرزدق وهو في ديوانه 2:383.
وقل أن نجد في تاريخ الشعر العربي بعد الفرزدق من يغتصب شعر غيره مثل هذا الاغتصاب العلني.
4) تاريخ السرقات الأدبية:
شغلت السرقات الأدبية أكثر علماء العربية ومنهم:
الآمدي، الحاتمي، ابن السكيت، الزبير بن بكار، ابن طيفور، المبرد، مهلهل بن يموت، جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي، المرزباني، وابن رشيق والمظفر العلوي، وغيرهم.
ولكن إلى جانب هؤلاء العلماء الذين اهتموا بالسرقات الأدبية نجد علماء آخرين لم تشغلهم ومنهم:

6) سرقة كتاب:
أ ـ في عام 1951 أصدرت في حمص كتاب «المتشردون» لمكسيم غوركي وهو مجموعة قصصية، وبعد أسبوعين في بيروت فإذا بالكتاب نفسه بغلافه وكلماته يعرض فيها باسم غير اسم مؤلفه، إن سارق الكتاب لم يكلف نفسه حتى عناء تغيير الغلاف.
أيقل هذا السارق جرأة عن الفرزدق حين اغتصب ابيات الشعراء؟
ب ـ في عام 1970 أصدرت ديواني «قصيدتان: بهيرة وورود» وفي الديوان رثاء زوجتي بهيرة التي توفيت عام 1947، ورثاء ابنتي ورود التي توفيت عام 1970 فادعاهما كثيرون ونشروا منهما مقاطع بأسمائهم ولكن صدور القصيدتين عام 1970 أوقف محاولات السرقة.
7) مجالات السرقة: لاتقتصر السرقة على الشعر وحده، إنما هي تشمل كل أنواع المعرفة والثقافة: الشعر والنثر والعلم والبحث والتأليف.
8) أما السارقون فكثيرون:
والمؤسف أن بعض أساتذة الجامعات يسرقون إما كتب غيرهم وإما رسائل طلابهم وينتحلونها ويصدرونها بأسمائهم.
ولعل أغرب السرقات أن آذناً أمياً في إحدى المحاكم اشترى من قاض فقير كتاباً في القانون وأصدره باسمه «باسم الآذن الأمي» وربح أرباحاً طائلة، وجاءته الرسائل معنونة باسم الأستاذ الجليل والقاضي الفاضل.
ويدخل في مجال السرقة نشر كتب التراث العربي والإسلامي دون تحقيق ومن هذه الكتب كتاب «المطربات والمرقصات» الرائع الذي أحاله محققوه أو الذين ادعوا أنهم حققوه إلى كارثة.
بل إن كتاب الأغاني الجليل لم يخل من سقطات بعض المحققين الجهلاء وأكتفي بذكر جريمة واحدة في الجزء 21 صفحة 359:
نقل المحقق قول «كثير عزة» السابق:
ومازالت رقاك تسل ضغني
ويرقاني لك الراقون حتى
وتخرج من مكاني ضبابي
أجابت حية تحت الثياب
وأحالنا المحقق الجليل إلى تفسيره في الحاشية:
(2). . . . أما سر ثورة الفرزدق فهو ماضمناه من فحش. . .. .. .
. . .. . . .. . . . .
(4) يريد بالحية تحت الثياب ذكره والمعنى: كنت غاضباً عليك لا آتيك فما زلت تتودد إلي ويسعى الساعون في سل بغضي لك من صدري حتى نشطت إليك وأتيتك.
والمؤسف أن هذا التفسير المذهل جاء في طبعة الهيئة المصرية للكتاب عام 1973، ورغم أن هذين البيتين وردا مرتين في الأجزاء السابقة من الكتاب.
ملاحظة (1)
يخطئ كثير من المؤلفين والكتاب حين يهملون عمداً أو سهواً ذكر الكتب التي اقتبسوا منها مؤلفاتهم. فهم أولاً يخونون الأمانة العلمية، وهم ثانياً يسرقون حقوق الآخرين، وفي اعتقادي أن ذكر الكتب التي اقتبسوا منها والعلماء الذين أخذوا عنهم يزيد مؤلفاتهم قيمة ويجعلها موضع ثقة القراء.
إن الاستفادة من التراث الأدبي قديماً وحديثاً حق، ولكن ضمن هذين الشرطين: ألا يشوه ماورد في التراث أولاً، وأن يذكر صراحة موضع الاستشهاد والاقتباس ثانياً.
ملاحظة 2
يجب أن تعد إعادة نشر الكتب وتوزيعها حتى لو كانت باسم مؤلفها الأصلي سرقة موصوفة، فإعادة نشر الكتاب دون إذن مؤلفه ظلم له وأكل لحقوقه، وماأقسى هذا التصرف حتى على كبار المؤلفين.
مقترحات:
1. أقترح إصدار قوانين صارمة لحفظ حقوق المؤلفين، والكتاب والشعراء وعقوبة من يعتدي على مؤلفاتهم بالسرقة والتزوير عقوبة رادعة.
والمؤسف أن أكثر الدول العربية ليس فيها قوانين لحماية المؤلفين.
وأذكر بالمناسبة أن شيخاً جليلاً هو الأستاذ محمد أحمد دهمان صنف كتاباً في القراءات فسرقته إحدى دور النشر وأصدرته باسمها فأقام عليها دعوى في الثلاثينات ولكنه مات قبل صدور الحكم في الثمانينات.
2. تشكيل لجان من العلماء والأدباء والشعراء في كل اتحاد للكتاب العرب في الدول العربية أو جمعية للأدباء لمتابعة ماينشر من الكتب والأبحاث والمقالات ومراقبة المسروقات منها وتلقي رسائل القراء الذين يرشدونهم إلى مواقعها.
رأي
لقد عانى القدماء في تتبع السرقات الأدبية حتى بلغوا درجة الإحالة والتمحل، وأرى أن كشف السرقات العلمية والأبحاث التاريخية و الكتب يقع في المقام الأول قبل كشف السرقات الشعرية إلا إذا بلغت حد الاغتصاب وذلك لثلاثة أسباب:
1. أولهما أن المواقف الإنسانية متشابهة، وعواطفنا البشرية متقاربة، ويوشك أن يكون التعبير عنها متشابها مشتركاً.
2. وثانيها: أن في الأدب واللغة تعابير تاريخية وصيغاً متشابهة متداولة أملت على الشعراء نفسها منذ قرون، ويصعب على الشاعر، مهما حاول ـ أن يتخلص منها.
3. وثالثهما أن الحافر قد يقع على الحافر دون عمد والشاعر قد يقع على الشاعر دون قصد، وأضرب على ذلك مثالاً علق عليه النقاد كثيراً وهو قول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
فقد روي هذا البيت لعدة شعراء مع تبديل القافية:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل طريق
وأحسب أن كل واحد منهم وقع على صياغة هذا المعنى صياغة واحدة دون أن يسرق بعضهم شعر بعض.
اعتذار
سألني الأستاذ محمد يونس عبد الرحمن هذا السؤال:
خلال ترجماتك للآداب الأجنبية، وبخاصة موسوعتك الكبيرة (الأدب الفيتنامي «4 مجلدات») هل لاحظت وجود ظاهرة السرقة الأدبية بين الأدباء الفيتناميين؟
والجواب أني أعتذر عن عدم الإجابة على هذا السؤال لأني لا أملك الشروط الكافية للجواب، فعذراً.